شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
وعد بوحسون: حارسة التراث الموسيقي في جنوبي سوريا

وعد بوحسون: حارسة التراث الموسيقي في جنوبي سوريا

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الثلاثاء 30 أبريل 201911:25 ص


تعتلي المُغنيّةُ وعد بوحسون المسرحَ بزيّها التُّراثي الجميل وآلةُ العود بين يديها، يصحبُهما صوتُها الأخّاذ ليكتملَ الحضورَ الفائضٌ بالرصانةِ والإبداع، تغني الحبَّ والتصوّف والمواويل فتأسِرَ المتفرّجَ في حالةٍ وجدانيةٍ وروحانية، بعيداً عن عوالم الحروب والشقاء التي نعيش.

نحجت ابنةُ جبل العرب في حجز مساحتِها الخاصة في بلاد الغرب، بتجربةٍ جمعَت بين الأصالة والانفتاح المدروس على الآخر، معادلةٌ جسّدتها في مُنجزِها الموسيقي الغني والمتفرد، جديدهُ ألبوم "سفر"، صدرَ مؤخراً بالتعاون مع شركة "بودا ميوزيك" في باريس، غنَّت فيه قصائدَ العشق الصوفي والعشق الإنساني، إلى جانب التراث الغنائي من الجنوب السوري الذي أبحرَت فيه وأتقنتْ موائمةَ أشعاره مع ألحانها.

بين شقّا وباريس

تقيمُ المغنيةُ السورية في فرنسا، وفي مُهجتها حنينٌ دائم لبلدتها "شقّا" في ريف السويداء، وتَوقٌ لطيبِ أهلها وصلابةِ أرضها الزاخرة بالمواقع الأثرية، تعبّر لرصيف22 عن فخرها ببلدتها وأهلها الكرام، وبعائلتها التي هيّأت لها المناخَ الملائم لنماء موهبتها. الوالدُ كان مولعاً بالموسيقى، يغني ويعزف ويستمع لاسمهان وأم كلثوم والسنباطي وغيرهم، فتلقَّفت ابنةُ السابعة العودَ من كَفَي والدها، بعد ذلك انطلقت إلى الدراسة الأكاديمية في المعهد العالي للموسيقى في دمشق، ثم تابعتها في باريس، برفقة صديقها الدائم، العود.

نحجت المغنية السورية وعد بوحسون في حجز مساحتِها الخاصة في بلاد الغرب، بتجربةٍ جمعَت بين الأصالة والانفتاح المدروس على الآخر، معادلةٌ جسّدتها في مُنجزِها الموسيقي الغني والمتفرد

"في جبل العرب لدينا الشعرُ النبطي والشعر الشعبي الذي أسمعُه منذ الصغر، تشربتُه وقررت تقديمَه كوني ابنةَ هذه البيئة" تقول وعد بوحسون التي تنفض الغبار عن كنزر التراث في الجنوب السوري

عن علاقتها بآلة الحكماء -كما يسميها الكندي- تحدثُنا وعد بوحسون "العود أكثرُ من كونه آلةً موسيقية، إنه صديقُ طفولتي ورفيق دربي، والوحيد القادر على ترجمة ما أريد قوله. الطقس على المسرح هو نتيجةٌ لخبرة كيفية تقديم نفسي للجمهور الأوروبي دون التعويل على فهمهم الكلامَ، وهذا قائمٌ على الحضور، دائماً أبدأ بتقاسيمَ مع العود لتحضير الجمهور كي ينضمَّ معي إلى عالمي الخاص، يتبع ذلك مقطوعاتُ غناءٍ وعزف، أو غناءٌ دون عزف".

سفر.. الفُرقة وحلم اللقاء

عنوان الألبوم "سفر" يشي بثيمته الأساسية، اللقاء والفُرقة، فراق الأهل، الوطن، الأحبة، كلّ من غادرنا، وحلم التلاقي مجدداً، كلُّ ذلك عبّرت عنه وعد بأغانٍ وقصائد قدمتها برفقة العود وعددٍ من الموسيقيين القادمين من ثقافاتٍ مختلفةٍ أثرت الألبومَ بالمزيد من التميّز، شاركها عازفُ الناي التركي قدسي أرغونر، عازف الساز والمغني الكردي روشان فيلزتك، إلى جانب ناي الموسيقِي السوري مسلم رحال، صديق دراستها في المعهد العالي للموسيقى بدمشق كما تقول.

صاحبةُ "صوت الحب" لا تتكئُ على موهبتها فقط، فهي مغنيةٌ وباحثة، في سعيٍّ دائم وراء ما يُغني الفكرَ ويُطرب الوجدان "الموهبة وحدها لا تكفي، على الموسيقِي أن يبقى في حالة بحثٍ مستمرة لإغناء الفكر، عبرَ القراءة والاستماع والتمرين. إضافة إلى التركيز على أسلوب طرح الفكرة وتقديمها بشكلٍ مختلف، خاصةً في بلدٍ لا يحمل ذاتَ الثقافة".

كنوز تراثية وصوفية ومعاصرة

"ياصْحَيّبي ياقُمر هَلِّيتْ.. يامضوي بروسِ الجبالِ.. من صِغر سنّي ليكُم حَبِّيت.. ماتخافَ الله التعب غالي" كلماتٌ من أغنية "ياصحَيِّبي" –تخللت ألبوم سفر- مأخوذةٌ كلماتُها عن تراث "الهجيني"، فرعٌ من عائلة الشعر النبطي، غنَّتها وعد بوحسون التي تنفضُ الغبارَ عن كنوزِ التراث في جنوبي سوريا الغني والمتنوع، كما تقول "سوريا غَنيّةٌ بتنوعها الثقافي وموروثها الشفوي المُتَناقَل عبر الأجيال، ولكل منطقةٍ طريقتُها في نقل التراث. في جبل العرب لدينا الشعرُ النبطي والشعر الشعبي الذي أسمعُه منذ الصغر، تشربتُه وقررت تقديمَه كوني ابنةَ هذه البيئة، كما أن اطلاعي على ثقافاتٍ أخرى دفعني إلى البحث عمّا يميزني من خلال تراث منطقتي".

الشعرُ النبطي أحدُ أشكال الشعر العامي، وهو عنصرٌ أدبيٌّ وموروثٌ شعبي يحاكي واقعَ الحياة والمجتمع، والجنوبُ السوري أحدُ مواطنه الأصلية.

وعد بوحسون تغني كذلك العشقَ الإنساني، فقدمت قصائد لابن زيدون ومجنون ليلى وغيرهما. تخللَ ألبومها الجديد قصيدةٌ غنّتها من كلمات الشاعر أدونيس، تقول كلماتُها:

كان قيسٌ يقول:

اكتسيتُ بليلى

وكسوتُ البَشَرْ

ورأيتُ إليه يُغطّي وجنتيهِ بنارٍ

ويسامرُ غاباتها ويُطيل السّمَرْ.

ورأيتُ إليه يلمُّ القمَرْ

حُفنةً حفنةً من ضِفافِ السّهَرْ .

على عتبةٍ ليست ببعيدة تروي لنا وعد بوحسون حكايتَها مع الشعر الصوفي الذي نهلت منه، لحنت قصائدَه وغنّتها ليرفدَ تجربتها بمزيدٍ من الزخم "كانت البدايةُ مهرجانَ فاس للموسيقى الروحية في المغرب عام 2007، دُعيت إليه وطُلب مني تقديمُ بعض القصائد لمولانا جلال الدين الرومي، كان المهرجان يحتفل به، قرأتُ عن حياته ولحنتُ له قصيدتين فاستهواني هذا الطريق للاستمرار به. الشعرُ الصوفي يُغنِي الفِكر ويتمتعُ بالجرأة في طرْح الأفكار، ودائماً هناك مدلولٌ باطن غيرَ الظاهر للقصيدة، الأمرُ الذي دفعني للبحث جيداً في حياة كلّ شاعر، في سبيل وضعِ اللحن الذي يخدمُ الكلمة".

الموسيقى وطقوس الحياة في الجنوب السوري

لم تنهجْ وعد التنوعَ في غنائها مذاهبَ شعريةً مختلفة، بل أيضاً في انفتاحها على ثقافاتٍ موسيقيةٍ مختلفة حول العالم "التعاونُ مع موسيقيين من ثقافاتٍ مختلفة أشبهُ بتعلم لغةٍ جديدة بالنسبة لي، لأن كل موسيقى فيها رموزٌ خاصة يجب أن أتعلمها كي أستطيعَ عزفها أو غناءَها. دراستي في جامعة باريس العاشرة أفسحت لي المجالَ لتقبل الآخر دون أحكام مسبقة، وعززت لي سبلَ التعاون معه أيضاً" لعلّ ذلك سبباً أضفى مزيداً من التفرد على رحلتها الموسيقية التي سيّجتها برسالة الدكتوراه حول "موسيقى طقوس دورة الحياة في الجنوب السوري"، دراسةٌ تتشابكُ مع دربها الفني بخيوطٍ وظفتها بإتقانٍ في موسيقاها.

"طقوسُ دورةِ الحياة –الولادة، الموت، الزواج وغيرها- مفتاحٌ للتعرّف على نظام المجتمع وعلاقة أبنائه، وتختلفُ هذه الطقوس من مجتمع لآخر. من خلال دراستي للممارسات الموسيقية داخل هذه الطقوس، استطعتُ تقديمَ التراث الغنائي لمنطقة جنوب سوريا، فلولا دراستي لما اكتملَ لدي هذا الموروث الموسيقِي" تقول وعد بوحسون مؤكدةً أن العلمَ والدراسة ضروريان لتقديم التراث بشكلٍ صحيح دون الإساءة إليه أو تشويهه.

ماذا بعد..

ثلاثةُ ألبومات وجوائزُ ومهرجاناتٌ محلية وعالمية، ومايزال في جعبةِ وعد بوحسون الكثير لتقدمَه. تستعدُ حالياً لإقامة حفلاتها في مناطقَ مختلفة حول العالم، كما سيشهد العامُ الحالي مناقشةَ رسالتها حول طقوس الحياة في الجنوب السوري الذي أنجب هذه الصانعةً الموسيقيةً الشامخة.

صورة المقال من تصوير François Guénet

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard