شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
تونس... الحياة الخاصّة والحريات الشخصيّة بين لعبة السياسة وسطوة المجتمع

تونس... الحياة الخاصّة والحريات الشخصيّة بين لعبة السياسة وسطوة المجتمع

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الاثنين 8 أبريل 201903:59 م

من أعمدة النظام الديمقراطي توفير الحريّة وحمايتها، عبر مؤسّسات رسميّة مستقلّة عن السلطة التنفيذيّة، وهذا ما تكرّس نظرياً في تونس ما بعد الثورة، عبر الدستور ومن ثمّ التشريع وإرساء الهيئات المستقلّة لضمان تطبيق ذلك، والحريّة تقوم على عمادين، العماد الأول الحريّات العامة التي تقدّمت أشواطاً مقابل المسار الأعرج للعماد الثاني، المتمثّل في الحريات الفرديّة، الذي ما انفكّ يشهد انتهاكات، رغم تنصيص الدستور بصريح العبارة على حماية خصوصيّات الأفراد، أنظر الفصل 24 من الدستور التونسي" تحمي الدولة الحياة الخاصّة، وحرمة المسكن، وسريّة المراسلات والاتصالات والمعطيات الشخصيّة.

رقابة الأجهزة الرسميّة

مازلنا نشهد خلطاً بين حماية المعطيات الشخصيّة، وحقّ النفاذ إلى المعلومة، لعدم مواكبة التشريع للضمانات الدستوريّة، ولعدم وضوح النصوص التشريعيّة الحديثة بخصوص منظومة الحريات، وهو ما يفتح الباب للمؤسّسات الرسميّة، للرقابة على حرية الأفراد وتبريرها بالحفاظ على الأمن القومي والسلم الاجتماعي، وقد فتح مؤخراً بحث أمني في علاقة بتصريحات سياسيّة رسميّة، تتّهم حزب "نداء تونس" بالتجسّس السياسي على رئيس الحكومة الحالي، يوسف الشاهد.

مازلنا نشهد خلطاً بين حماية المعطيات الشخصيّة، وحقّ النفاذ إلى المعلومة.

وقد لمسنا واقعيّاً انتهاك الحياة الخاصّة والمعطيات الشخصيّة في موضوع الميول الجنسيّة، إذ تعرّض المثليون في تونس إلى انتهاكات صارخة، عبر مراقبة اتصالاتهم ومساكنهم ومواقعهم الاجتماعيّة لتجريمهم، إذ حوكم ابتدائيّاً ستّة طلاب عام 2016 بإبعادهم عن مقر سكناهم لمدّة ثلاثة سنوات بعد تقضية عقوبة السجن، في مخالفة للفصل 25 من الدستور الذي ينصّ على حرية اختيار مقرّ الإقامة، وتعرّض شاب مثلي للمحاكمة إثر إطلاع الأمن على مراسلات هاتفيّة بينه وبين شخص آخر، كما تعرّض أربعة شبان للمحاكمة بعد الاطلاع على حواسبهم الشخصيّة من قبل قوّات الأمن.

تعدّي مجتمعي على الحياة الخاصّة

ظاهرة التعدّي على خصوصيّات الأفراد خرجت من نطاق الأجهزة الرسميّة، لتصبح سلوكاً متفشيّاً في المجتمع التونسي، حيث نشهد حرب نشر المعطيات الشخصيّة، من محادثات هاتفية مسجّلة من طرفي الحديث، ومن التواصل عبر الميديا الجديدة، بالتقاط صور التواصل عبر الحاسوب أو الهاتف "screenshot" سواء من أحد المتواصلين أم عبر قرصنة الحسابات، تصل إلى حدّ نشر الصور والفيديوهات الحميميّة للأشخاص، بهدف تشويهم وتحويلها بالتالي إلى موضوع أخلاقي متمثّل في "الشرف"، في تناقض تام مع أخلاقيّات الحياة المشتركة.

الخطير في ذلك هو تكريس هذه الظاهرة من قبل الشخصيات العامّة، وبالخصوص السياسيين، لضرب خصومهم، وهو ما يعكس حالة غياب التنافس حول البرامج والتوجّهات والإفلاس السياسي، من خلال إرادة تحويل وجهة الرأي العام نحو مواضيع مستحدثة تلهيه عن قضاياه المركزيّة، هذا السلوك وصل إلى إعلاميّين ومنافسين في نفس الحزب، ونتحفّظ عن ذكر الأسماء لأن هدفنا الخوض في الظاهرة وليس الذوات.

"إذا كان ربّ البيت للدف ضارباً، فشيمة أهل البيت الرقص"، في هذا الإطار تفشّى السلوك الفضائحي داخل المجتمع التونسي، ولاقى نوعاً من القبول، وهذا هو الخطير، فلا يتعدّى اجتماعيّاً أن يتنزّل في خانة السلوك المنحرف أي في أنماط الفعل التي لا تمتثل للقيم، وفي هذا السياق، يعتقد الكثير من التونسيون أن غياب الأخلاق في السياسة راهناً، ساهم في خلق أزمة أخلاقيّة داخل المجتمع.

انتشار هذه الظاهرة ساهم فيها الإعلام بدرجة كبيرة، حيث كفّت عن كونها مجرّد خبر، لتصبح محل نقاش في الإعلام بمختلف وسائطه، وتستدعى أطراف الخلاف وتتحوّل المسألة إلى محاكمة علنيّة يدلي فيها الجميع بدلوه، وتصدر أحكام مكثّفة تصل حدّ الفبركة والشائعات حتى، وإن كانت محلّ أنظار القضاء المخوّل الوحيد للاطلاع على معطيات خاصّة إذا كانت هناك حاجة لذلك، وهذا يتنزّل في خانة إدارة الأجندة من قبل الإعلام، التي تتعلّق بترتيب الأولويات في علاقته التبادليّة بالجمهور العريض، لتحقيق نسبة متابعة عالية مهما كان الثمن، أو/و للتأثير والتوجيه حدّ الاصطفاف، ما يؤدي إلى تشويه العمل السياسي وعزوف المواطنين عنه، إضافة إلى تغذية التلصّص على الحياة الخاصّة للأفراد.

لمسنا واقعيّاً انتهاك الحياة الخاصّة والمعطيات الشخصيّة في موضوع الميول الجنسيّة، إذ تعرّض المثليون في تونس إلى انتهاكات صارخة، عبر مراقبة اتصالاتهم ومساكنهم ومواقعهم الاجتماعيّة لتجريمهم

ظاهرة التعدّي على خصوصيّات الأفراد خرجت من نطاق الأجهزة الرسميّة، لتصبح سلوكاً متفشيّاً في المجتمع التونسي، حيث نشهد حرب نشر المعطيات الشخصيّة، من محادثات هاتفية مسجّلة من طرفي الحديث، ومن التقاط صور التواصل عبر الحاسوب أو الهاتف

ويستدلّ المنتهكون للحياة الخاصّة في الفضاء العام، على حوادث تقع في الدول الغربيّة تصبّ في نفس الإطار* لمحاولة شرعنة ذلك، بينما يعتبر ذلك منبوذاً أخلاقيّاً في الدول الديمقراطيّة، وقد أصدر الاتحاد الأوروبي لائحةً تنظيميّةً دخلت حيّز التنفيذ في أيار/ مايو 2018، لتوفير حماية عليا للمعطيات الشخصيّة، بالإضافة للتطوّر التشريعي المواكب لتكنولوجيات الاتصال الحديثة، في علاقة بالتعدّي على الحياة الخاصّة، والحدود بينها وبين حريّة الرّأي والطباعة والنشر، والحقّ في الولوج للمعلومة المتعلّقة بالمصلحة العامّة لا بحياة الأفراد.

فالمعطيات الشخصيّة والخصوصيّات مهدّدة أمام التطور الهائل لتكنولوجيا المعلومات والاتصال، مما يتطلّب مواكبة ذلك تشريعيّاً ورقابيّاً، غير أنّ مشروع القانون الأساسي لحماية المعطيات الشخصيّة مازال مركوناً في رفوف اللجنة البرلمانيّة للحقوق والحريّات، وقد أكّدت لجنة "الحريّات الفرديّة والمساواة" في تقريرها على ضرورة مراجعة القوانين التي تنتهك الحياة الخاصّة في تونس، وينعكس ضعف الجانب التشريعي خاصة في مجال نشر الفيديوهات والصور الشخصيّة.

في الأخير، نؤكّد على ضرورة تطوير المنظومة القانونيّة والرقابيّة في علاقة بمسألة الحياة الخاصّة التي تندرج في صميم منظومة الحقوق والحريّات، والعمل على نشر هذه الثقافة، خاصّة أن كلّ فرد مهما كان موقعه معرّض لذلك، وكيلا يضيع مكسب الحرية بتحويله إلى لغة خشبيّة أي لغة "كان لها معنى قبل ابتذالها سياسيّاً بسبب استعمالها المكثّف بطريقة اعتباطيّة ولأهداف خفيّة وعدم فعاليّتها واقعيّاً...وهي لغة متيبّسة تعتمد القوالب الجاهزة والأحكام المعياريّة والشّعارات والعبارات الجاهزة"**.

هوامش:

*« Réflexions sur le droit à la vie privée des hommes publics dans les démocraties contemporaines : analyse à partir des cas français et camerounais »

Pacôme Vouffo, sites la revue des droits de l’homme.

**أنظر كتاب"تحليل الخطاب، الرسائل السياسية في وسائل الإعلام ص106" للدكتورة سلوى الشرفي.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard