شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"أُم السِّينِمَا المَصرِيَّة" وَ "نِمبَر وَان"..عَزِيزَة أَمِير

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 3 أبريل 201903:26 م

ربَّما لم يسمع الكثيرون من أبناء الجيل الحالي عنها، أو رُبَّما مَرُّوا على اسمها مُرور الكِرام، رغم أنّ ما قدمته للسينما المصرية يستحق الانتباه، والتوقُّف أمامه طويلاً، فهي علامة بارزة ونقطة مُضيئة في سماء الفنّ العربي والعالمي أيضاً.

إنّها عزيزة أمير (17 ديسمبر 1901 - 28 فبراير 1952) أم السينما المصرية، والتي تستحق عن جدارة لقبها التي وُسِمَت به: "نمبر 1".

أضخم دعاية من وهبي لفنانة صاعدة

مع بداية عام 1926 بدأت مفيدة غنيم أو عزيزة أمير كما عُرفت واشتُهرت، تتحسّس أول خطواتها نحو بوابة الفن، اختارت أن تكون البداية من المسرح، حيث النافذة الأهم والأكبر قدرة على صقل موهبة أيّ فنان آنذاك.

أُعجب يوسف وهبي بأداء عزيزة أمير البسيط، السَّلِس، البعيد عن المبالغة والتضخيم، رغم أنّ أغلب المحيطين عارضوه

آمنت مفيدة بأنّ موهبتها وحدها كفيلة بأن تفتح لها الأبواب، وبالفعل اكتشفها عملاق المسرح المصري يوسف وهبي، بل واختار لها اسم عزيزة أمير.

أُعجب وهبي بأداء عزيزة البسيط السلس البعيد عن المبالغة والتضخيم، ورغم أنّ أغلب المحيطين عارضوه حين قرّر أن يسند لها البطولة في مسرحية "أولاد الذوات"، إلَّا أنَّه خالف الجميع، واختار عزيزة بطلة لمسرحيته، وهو ما أشعل نار الحسد والغيرة في جسد الفرقة المسرحية، خصوصاً وأنَّ إحدى بطلات الفرقة كانت تحلم بالدور، وترى في عزيزة أمير دخيلة عليهم، وأنَّها لا يحقّ لها أن تعتلي الخشبة، وتتقدمهم؛ قرَّرت أن تُطلق شائعة كان من شأنها أن تقضي على مستقبل أمير، بل وتدفع يوسف وهبي إلى الاستغناء عنها خوفاً من القيل والقال، ولكنَّ هذا لم يحدث.

اختارت عزيزة لدور بطولة فيلم "ليلى" أحمد علَّام، ليصبح أوّل فتى في تاريخ السينما المصرية، في أوَّل فيلم مصري خالص، إنتاجاً وتأليفاً وإخراجاً، وحازت على لقب "مؤسِّسة فنّ السينما في مصر"

انطلقت شائعات تقول أنّ علاقة سرية تجمع بين وهبي وأمير، وأنّه شغف بها، ومن هنا اختارها بطلة للمسرحية. رفض العملاق الكبير الرد على تلك الشائعة، فيما أكَّدت أمير أنّ الرد سيكون من خلال أدائها على خشبة المسرح، وأطلق يوسف وهبي حملة دعاية ضخمة باسم بطلة مسرحيته الجديدة "نجمة مسرح رمسيس الجديدة"، وكانت هذه أوّل وأضخم حملة تُقدَّم لفنَّانة صاعدة عرفها الوسط الفنِّي في تلك الفترة.

أوَّل مُنتِجَة

في العام نفسه وبعد انسحابها من فرقة يوسف وهبي، قرَّرت أمير أن تخوض مغامرة كبرى لم يقتنع بها أحد سواها، أسّست شركة إنتاج "إيزيس"، وقدّمت من خلالها "ليلى" أول فيلم من إنتاج امرأة، وهو فيلم مُعدَّل عن فيلم "نداء الربّ" الذي شاركت فيه مع المخرج التركي وداد عرفي الذى تولَّى البُطُولة أيضاً، وفي العام التالى أُدخِلَت بعض التعديلات على السيناريو الذي شاركت في كتابته مع أحمد جلال و استيفان روستي، ثمَّ اختارت عزيز للفيلم اسم "ليلى"، غير أنّ خلافات نَشَبَت بينها وبين عرفي، فما كان منها إلَّا أن أمرت باستبعاده، وأعادت كل مشاهد دوره الذي قام بتصويره، واختارت لدور البطولة أحمد علَّام، ليصبح أوّل فتى في تاريخ السينما المصرية. فيما اُعتُبِر الفيلم أوَّل فيلم مصري ، في إنتاجه وتأليفه وإخراجه وتمثيله، وأُطلِق على عزيزة أمير بسببه لقب مؤسِّسَة فنَّ السِّينما في مصر.

وفي أحد أعدادها نشرت مجلة "الموعد" خبراً زعمَت أنَّه السبب وراء الخلاف بين عزيزة وعرفي، حيث أكَّدت المِجَلَّة أنّ أمير اكتشفت بطء وتراخي عرفي في التصوير، حتى يستفيد من الإقامة المجانية، والطعام المجاني، كما أنَّ الجزء الذى قام بتصويره ، قيّمه النقاد من أصدقاء عزيزة بأنّه مهزلة لا ترقى إلى وصفها بالعمل الفنى. ولكن القشَّة التي قسمت ظهر العلاقة بين الثنائي فكانت اكتشاف أمير أنَّ عرفي ليس مخرجاً، وأنَّ الشهادات التي قدَّمها لها من ألمانيا وتؤكد دراسته للإخراج هناك كانت مجرد ردود من الاستديوهات الألمانية، وما هي سوى تأكيدات بأنَّها رفضته للتدريب تحت التمرين.

بلغت تكلفة إنتاج الفيلم ألف جنيه، وقد واجهت عزيزة أزمة كبرى في بداية تسويقه بسبب امتناع أصحاب دور العرض عن استقبال فيملها خوفاً من فشله، ولكونهم غير واثقين من أنَّ تجربة تقودها امرأة قد تُحقِّق النجاح المطلوب، ولكن امرأة بعزم وعزيمة عزيزة أمير كان من الصعب عليها أن تقف مكتوفة الأيدي أمام عقبة كهذه؛ قرَّرت استئجار سينما "متروبول"، لمدة أسبوع مقابل 300 جنيه، ليُفَاجَأ الكلّ بنجاح الفيلم، ويقف أصحاب دور العرض أمام بابها طلباً للعفو.

وقد أنتجت عزيزة من خلال شركة «إيزيس»، 24 فيلمًا، شاركت في تأليف 16، وبطولة 18 فيلماً.

عزيزة تُخرِج فيملها الأوَّل

في فيلم "ليلى" خاضت عزيزة أمير للمرَّة الأولى تجربة الإخراج بمساعدة الممثل والكاتب استيفان روستي، الذي عرفه الجمهور بأدوار الشر، ومصوّر الفيلم كان الإيطالي تيليو كياريني، كما شهد الفيلم أيضاً على كونها أوَّل مونتيرة.

وظهرت براعة عزيزة أمير كمخرجة في هذا الفيلم من خلال قدرتها المثيرة على تنويع الأحجام داخل الكادر الواحد، مع اختيار زوايا الكاميرا وتحركات الممثلين بشكل بارع.

وقد احتفت أقلام النقاد بالفيلم بشكل لافت، وكان السبب الرئيسي وراء حالة الاحتفاء تلك جرأة عزيزة في اقتحام السياج الذي فرضه البعض على أفكار بعينها كان الاقتراب منها مصدر قلق ومشاكل، حيث قدَّمت عزيزة في "ليلى" تفاصيل المعاناة التى يعشيها المصريون بسبب تحكُّم الأجانب في حياتهم، الأمر الذى دفع رائد الاقتصاد المصري طلعت باشا حرب، والذي حضر عرض الفيلم ، إلى امتداح جرأتها قائلاً: "لقد حققَّت يا سيّدتي ما لم يستطع الرجال أن يفعلوه".

كذلك حققت السينما المصرية مكاسب كبيرة من الفليم ودخل جمهور جديد إلى قائمة روَّاد السينما، حيث كان الجمهور قبل "ليلى" من الأجانب وطلبة المدارس العليا، ومن حظي بتعليم عالٍ، وفي ظلّ ارتفاع نسبة الأمّيّة في ذلك الوقت لم تكن الأفلام الأجنبية ملائمة للجمهور العادي، قبل أن تأتي عزيزة بفيملها، وتتيح لهم مكاناً لائقاً أمام الشاشة.

أوَّل نجمة "أفّيش"

على الملصق الدعائي "أفيش" لفيلم "ليلى" ظهرت عزيزة أمير للمرة الأولى بشكل منفرد، وكان أمر كهذا سابقاً لعصره، حيث كان السائد وقتها ظهور أبطال الفيلم مجتمعين أو بطلي العمل وحدهما، لتأتي عزيزة أمير وتقلب الطاولة، وتُقَدِّم شكلاً جديداً تبعه كثير من النجوم بعدها، لدرجة أنَّ ظهور كهذا بات الآن أحد أبرز أسباب الخلافات بين فريق العمل الواحد.

أوَّل استوديو

أقامت عزيزة أمير في الفيلَّا التي أقامت بها بشارع البرجاس في جاردن سيتي القريبة من وسط القاهرة أوَّل ستوديو للسينما، فيما حوَّلت الدور الأرضى من الفيلَّا، إلى معمل تحميض وطباعة، واشترت بمساعدة زوجها أحمد الشريعي مُعِدَّات التصوير من ألمانيا، لتكون بذلك أوَّل عربية تمتلك ستوديو للسينما.

اختارت عزيزة للاستوديو اسم "هليوبوليس"، وفتحت أبوابه لكل عشاق الفن، فقد كانت مؤمنة بأن نجوم الفن يحملون على عاتقهم مهمة التنوير وإصلاح المجتمع.

فيلم صامت في زمن التجارب الناطقة

رغم أنَّ تجربتها مع فيلم "ليلى" جلبت لها الكثير من الإيرادات، وضمنت لها أضعاف تكاليفه، إلَّا أنَّ حُبَّها للمغامرة وتقديم كل ماهو جديد، دفعها في 1933 إلى خوض رِهان جديد خسرته هذه المرَّة، وكبّدها خسائر فادحة جلعها تتوقف عن الإنتاج لفترة، حيث أقدمت على تقديم فيلم "كفّري عن خطيتك" والذي جاء صامتاً وسط تجارب ناطقة، الأمر الذى لم يتقبَّله الجمهور في هذه الفترة، بحِجَّة أنَّ الوقت لم يعد مناسباً للأفلام الصامتة، رغم أنَّ الأيام أثبتت فيما بعد أنَّ فيلماً صامتاً كـ"الفنان" نجح في حصد 5 جوائز أوسكار في 2012، رغم منافسته الشرسة مع أفلام ناطقة لكبار النجوم حول العالم.

عُروض سِينِما في "الأرياف"

كانت عزيزة أمير حريصة على أن تذهب بأفلامها إلى خارج الحدود، فقامت بعرض أفلام لها في سوريا وبلجيكا وفرنسا، أمَّا في مصر فقد كان حماسها شديداً لخروج تجاربها بعيداً عن أسوار العاصمة، لذلك الجمهور الذى لا يعرف الكثير عن السِّينما، أو ينشغل بها، ومن هذا المُنطلَق بدأت منذ "ليلى" في عرض أفلامها في عدد من مدن الأقاليم مثل: طنطا، وبورسعيد، والمنصورة، والزَّقازيق، وزفتي، وغيرها من المدن البعيدة، بعضها للمرة الأولى تشهد دوراً سينمائية، لتسهم في تثقيف قطاع كبير من أبناء تلك المدن، وتربطهم بالسينما، وما يُقدَّم على تلك الشَّاشة السَّاحرة.

أوَّل فيلم عن القّضِيَّة الفِلسطينيَّة

انشغلت عزيزة أمير بقضايا الوطن العربي تماماً كما انشغلت بقضايا وطنها الأم، ومن هذا المنطلق قدّمت من إنتاجها وكتابتها فيلم "فتاة من فلسطين"، الذي يُعدّ أوَّل فيلم يتناول القضيَّة الفلسطينيَّة ويتطرَّق إلى بطولات الجيش المصري في حرب 1948م.

قال لأميرة عزيز الاقتصادي المصري البارز طلعت حرب بعد مشاهدة فيلمها: "لقد حققَّت ما لم يُحقِّقُه الرِّجال".

تم عرض الفيلم أوّل مرّة في نوفمبر 1948م بسينما "رويال"، وحقّق نجاحاً كبيراً على مستوى الجمهور والنقاد، تدور أحداث الفيلم حول ضابط طيار مصري يستبسل في الدفاع عن الأرض الفلسطينية ضد العدو الصهيوني، وفي غارة جويَّة تسقط طائرته في قرية فلسطينية، وتعثر عليه سلمى، فتنقله إلى بيتها لتطيِّب جروحه، وبمرور الأيَّام يقع الطرفان في قصَّة حب، تتخلَّلها قصص الفدائيين الفلسطينيين الذين يُفضِّلون الموت على الاحتلال الصهيوني.


أوَّل من اكتشف هؤلاء

أسهمت عزيزة أمير في اكتشاف عدد من الفنانين الذين صاروا نجوماً فيما بعد، فقد لمحت فيهم موهبة تستحقّ العناء والتعب لتدريبها وصقل خبراتها قبل تقديمها للوسط الفنِّي.

اكتشفت عزيزة المطربة والممثلة سعاد محمد، وقدمتها في فيلم "فتاة من فلسطين"، والراقصة سامية جمال في فيلم"البني أدم"، واكتشفت نجاة الصغيرة في فيلم "هدية"، و المطرب عبده السّروجي في فيلم "وادى النجوم"، ومحمود ذو الفقار في فيلم "بياعة التفاح"، كما قدَّمت المطرب حسن مختار صقر، وأشركته في كلّ أفلامها، والفنان اللبناني محمد سلمان في فيلم "الفلوس"، وأظهرت أيضاً المخرج فطين عبد الوهاب في فيلم "نادي"، والممثلة أميرة أمير، التي أعطتها أول فرصة للظهور على الشاشة السينمائية.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard