شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
الدراما التركية... القوّة الناعمة التي تدخل إلى بيوت كل العرب

الدراما التركية... القوّة الناعمة التي تدخل إلى بيوت كل العرب

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الخميس 1 نوفمبر 201807:12 م

"القوة الناعمة" أو "سياسة الدبلوماسية الناعمة" هي مفهوم يتجلى بأوضح أشكاله وأهدافه في نموذج توظيف الدراما التركية في العالم العربي، بما يخدم أهداف السياسية الخارجية التركية. القوة الناعمة مصطلح سياسي صاغه الأمريكي "جوزيف ناي" من جامعة هارفرد، واستخدمه لوصف "القدرة على الجذب والضم دون الإكراه أو استخدام القوة كوسيلة للإقناع". ويضرب المثل بالدراما كأداة فنية لها أهداف سياسية غير مباشرة يمكن تصديرها لدعم الانتشار الناعم إقليمياً ودولياً. تركيا تمارس هذا النموذج بنجاح، إذ تمكنت خلال العقد الأخير من جذب المواطن العربي اجتماعياً وثقافياً واقتصادياً فضلاً عن التعاطف مع قضاياها الداخلية والخارجية.

اختراق العالم العربي

تحضر في العالم العربي الدراما التركية الرومنسية والتاريخية والاجتماعية، بداية من مسلسل "إكليل الورد" الذي يعد أول إطلالة تركية على المشاهد العربي، عام 2004، ثم بمسلسلات "سنوات الضياع" و"نور" و"حريم السلطان" و"أسميتها فريحة" و"العشق الممنوع" نهايةً بالمسلسل التاريخي الذي يتم عرضه حالياً، "قيامة أرطغر.

تؤكد الكاتبة التركية بلين أوزقان أن الدراما التركية كان لها تأثير "القوة الناعمة" للتعريف بتركيا وثقافتها وتاريخها في العالم الخارجي. ويقول الكاتب الأمريكي نيك فيفاريللي إن تركيا تحتل المرتبة الثانية عالمياً بعد الولايات المتحدة الأمريكية من حيث الدراما الأكثر انتشاراً، إذ صُدّرت الأعمال الدرامية التركية إلى 142 دولة حول العالم عام 2016 بالمقارنة مع 50 دولة عام 2012. وارتفعت إيرادات المسلسلات التركية من 300 مليون دولار عام 2015 إلى 350 مليون دولار عام 2016 وتهدف صناعة السينما التركية إلى الوصول لرقم مليار دولار عام 2023. ولكن "هيئة أبحاث الجمهور الفرنسية" كان لها رأي آخر، إذ أكدت أن 75 مسلسلاً تركياً عرضت على الشاشات العربية عام 2016 بإجمالي إيرادات بلغت 600 مليون دولار، واحتلت السعودية المرتبة الأولى من حيث المشاهدة. وارتفع متوسط سعر الحلقة الواحدة من المسلسلات التركية في العالم العربي من 500 دولار عام 2007 إلى 50 ألف دولار عام 2017. ووفقاً لبيانات التنسقية الدبلوماسية العامة لرئاسة الوزراء التركية، فإن تركيا تنتج نحو 100 عمل درامي سنوياً، تُصدّر منها قرابة 15 عملاً إلى دول الشرق الأوسط والبلقان وأمريكا اللاتينية وغيرها، ويصل عدد مشاهدي الأعمال التركية إلى 400 مليون مشاهد خارج تركيا. وتشير بيانات وزارة الجمارك والتجارة التركية إلى أن الدراما التركية ساهمت في رفع حجم صادرات تركيا من الأكسسوارات والحلى والملابس وفنون الموضة والديكور بنسبة 8.92%، والألعاب الإلكترونية بنسبة 26.51%، والأعمال الروائية بنسبة 18.11%، وذلك خلال السنوات الأخيرة. ويؤكد الكاتب والباحث التركي هاقان دمير، أن "لدى دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط شغفاً كبيراً بتركيا، جزء كبير منه بسبب المسلسلات التركية وما عكسته الدراما من صور جديدة ومختلفة قريبة إلى قلوب المشاهد العربي. فكان لها تأثير أعمق عليه للتعرف على العالم التركي وكانت أبلغ من تأثير أي عدد من المقالات".

ما جناه العالم العربي

تأثر المشاهد العربي كثيراً بالدراما التركية خلال السنوات الأخيرة، ما انعكس على حياته اجتماعياً وثقافياً واقتصادياً، إذ أضحت مصدراً جديداً ومختلفاً للدراما وتجديداً للعاطفة داخل أفراد الأسرة العربية التي وجدت ضالتها في الرومنسية المنشودة داخل حلقات ومواسم المسلسلات التركية المدبلجة. كما تأثرت الدراما العربية بالتركية من حيث الأفكار والقضايا المطروحة وطرق المعالجة الفنية وفنون وتقنيات التصوير والإخراج، خاصة في الدراما التاريخية والملحمية التي صورت فترات خضوع معظم الدول العربية للسلطنة العثمانية. وعندما وُجّه سؤال إلى مشاهدي مصر وفلسطين عام 2011، "لماذا تقبلون على مشاهدة المسلسلات التركية؟"، أجابوا لكونها تستعرض فنيات وتقنيات عالية، فضلاً عن تقديم ثقافة جديدة قريبة من الطابع العربي والعالم الإسلامي. وأوضح تقرير الصادر عن "هيئة الدراسات الاقتصادية والاجتماعية" بتركيا أن 74% من مواطني العالم العربي يتابعون عملاً درامياً تركياً واحداً على الأقل ويعرفون اسم فنان تركي على الأقل. كما تضمن التقرير استطلاع رأي في سبع دول عربية يوضح زيادة تعلق المواطن في هذه الدول بتركيا من 75% إلى 80% خلال السنوات الثلاث الأخيرة.
تركيا تحتل المرتبة الثانية عالمياً بعد الولايات المتحدة الأمريكية من حيث الدراما الأكثر انتشاراً!
74% من مواطني العالم العربي يتابعون عملاً درامياً تركياً واحداً على الأقل ويعرفون اسم فنان تركي على الأقل

الموضة التركية

أنعشت الدراما التركية سوق الملابس الجاهزة والأكسسوارات والحلى التركي، حسبما أكد المدير الإقليمي لشركة "قايرا" بالشرق الأوسط، فوركان أورتاقايا، موضحاً أن الأعمال الدرامية التركية أدت إلى زيادة صادرات تركيا من الملابس والأكسسوارات في دول الشرق الأوسط، وخاصة الإمارات وفلسطين ولبنان والأردن، وافتتاح فروع كثيرة للماركات التركية في معظم الدول العربية بعد زيادة الإقبال الشعبي على ما يشاهدونه في المسلسلات والأفلام التركية. وتحولت تركيا إلى علامة هامة في "الموضة الإسلامية" التي اخترقت الأسواق العربية مؤخراً بالتزامن مع الغزو الدرامي، وتمثلت في الملابس الفضفاضة ذات الألوان الزاهية وأغطية الرأس المزركشة وتنوع الأكسسوارات التي تتسم بضخامة الحجم.

الأثاث العثماني

ولم يقف التأثر العربي بالدراما التركية في تقليد الموضة فحسب، بل امتد الأمر إلى الاهتمام بشراء الأثاث وديكورات المنازل حسبما يتم تداولها في الأعمال الفنية. تعتبر السعودية أبرز النماذج بالوطن العربي في هذا الشأن، إذ أدى نجاح الدراما التركية إلى إقبال المواطن السعودي على اقتناء الأثاث غير التقليدي، ما دفع إلى زيادة واردات السعودية من الأثاث التركي من 81.2 مليون دولار عام 2013 إلى 159.7 مليون دولار عام 2015.

السياحة العربية

عندما تشاهد الدراما التركية تتعرف على طبيعة خلابة تجمع بين الثلوج والغابات وهو ما تفتقده معظم الدول العربية، وبين المساجد التاريخية والحانات، وبين التحضر والأصول القروية، ما يجذب الفضول نحو اكتشاف كل ذلك، خاصة في ظل التقارب الجغرافي والثقافي. واستمراراً لنجاح الدراما في جذب السياحة الأجنبية، منذ المسلسل التلفزيوني الشهير "ميامي" الذي عُرضت حلقاته بين أعوام 1985-1998 وتأثيرها على زيادة السياحة الأوروبية إلى الولايات المتحدة، وكذلك سلسلة أفلام مملكة الخواتم وهاري بوتر التي تسبب نجاحها في زيادة السياحة الأجنبية إلى نيوزيلندا وإنكلترا، كذلك كان الحال في الدراما التركية إذ أدت إلى زيادة أعداد السائحين إلى تركيا بشكل ملحوظ من المناطق التي تُعرض فيها. فقد ساهمت الدراما التركية في زيادة أعداد السائحين الوافدين من الدول العربية إلى تركيا من 65 ألف سائح سنوياً إلى ما بين 6 و7 أضعاف ذلك الرقم حالياً، ومتوقع أن يصل العدد إلى 10 مليون سائح عربي سنوياً خلال الأعوام المقبلة، خاصة إلى مدن إسطنبول وأنطاليا. فعام 2010، ارتفعت السياحة السورية إلى تركيا بنسبة 91.4%، واللبنانية 81%، والإماراتية 45%، والإيرانية 43%. وذكر مكتب الثقافة والإعلام التابع للقنصلية التركية بدبي، أن تركيا استقبلت 822.85 ألف سائح خليجي خلال عام 2016 بزيادة 27% مقارنة بعام 2015.

أسماء تركية

حصاد العرب من الدراما التركية لم يتوقف عند هذا الحد، إذ امتد تأثيرها على العائلات العربية التي أقبلت على اختيار أسماء أبنائها من الشخصيات الدرامية التركية أو أسماء الفنانين والفنانات التركية. فقد أقبل المشاهدون والمتابعون للدراما التركية في الشرق الأوسط ودول شمال إفريقيا على اختيار أسماء تركية لأبنائهم مثل "هويام، سليمان، مهند، نور، مريم، كريم، أوزرلي، أينورن باريش"...

اللغة التركية

بينما يلجأ بعض الشباب في الشرق الأوسط والعالم العربي إلى استخدام اللغة الإنكليزية خلال محادثاتهم كنوع من الثقافة والموضة، تطورت هذه الموضة إلى اللغة التركية في دول الخليج خاصة، أوضحت الكاتبة التركية "فايزه جوموشلوأوغلو" أن بعض الشباب الخليجيين لجأوا إلى استخدام بعض العبارات والكلمات التركية متأثرين بالدراما التركية، خاصة في قطر. وفي لبنان لم يختلف الأمر كثيراً، إذ شهدت السنوات الأخيرة تزايد اهتمام الشباب بدراسة اللغة التركية كتابة وتحدثاً، للإسهام في ترجمة الأغاني التركية والأعمال الفنية الدرامية سواء الأفلام أو المسلسلات، والالتحاق بسوق الدبلجة للأعمال الدرامية التي انتشرت كثيراً في الوطن العربي، باللهجة السورية، تلتها المصرية والتونسية والمغربية.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard