شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
سيناريو انهيار الحضارة الغربية... هل بات قريباً؟

سيناريو انهيار الحضارة الغربية... هل بات قريباً؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الجمعة 30 يونيو 201701:41 ص
أتقن علماء الاقتصاد بشكل مذهل تفصيل كل ما يتعلق بالنتائج المادية الإيجابية للنمو الاقتصادي الحديث، وغاصوا في تفنيد كيف أصبحنا أكثر صحة، وأكثر رفاهية، وأكثر سعادة واستمتاعاً بحياتنا. لكن الحديث عن التبعات الأخلاقية لهذا النمو، بقي مقصوراً على فئة ضيقة منهم، رأت أن تلك الديناميكية في مقاربة النمو الاقتصادي، وبالتالي التباهي به، تعد عاملاً جوهرياً ممهداً للسقوط. لا جديد في الخلاصة أعلاه، لكنها لا تزال تشكل انطلاقة أساسية لدى العديد من الاقتصاديين وعلماء الاجتماع والسياسة البارزين، عند استحضار سيناريوهات انهيار الدول والامبراطوريات، والأسباب التي تؤسس لها. تزخر الصفحات الإلكترونية العربية بروايات دينية تؤكد قرب سقوط أمريكا والغرب، فتحضر فيها أسباب كالفسق والفجور باعتبارها مؤشرات على قرب الانهيار، بينما تحظى تلك السرديات بنسبة من المتابعين والمعجبين والمنظرين. لكن إذا ما وضعنا جانباً ذلك الخطاب الانفعالي، الساذج بمعظمه، ثمة مروحة واسعة من الأسباب وقفت وراء انهيار امبراطوريات وخلافات عريقة، تهدد اليوم دولاً عظمى بالسقوط. بعض تلك الأسباب قد أبصرت النور بالفعل، والبعض الآخر في طريقه للتحقق. يستعرض المقال هنا أبرز النظريات المطروحة حول تلك المسألة.

أبرز العوامل

شهد تاريخ البشرية انهيارات عديدة أثبتت أن أي حضارة، مهما بلغت عظمتها، تبقى غير محصنة من مواطن الضعف التي قد تقود المجتمع إلى نهايته. هكذا بصرف النظر عن مدى "نجاح الأمور" في اللحظة الراهنة، ثمة باب مفتوح دائماً على الهاوية. وفي عالمنا الحالي، غير السوي في جوانب كثيرة، لن يكون مفاجئاً أن تكون البشرية قد اقتربت من ذلك الباب. ولكن السؤال الذي يشغل الباحثين هو ما مدى قربنا من نقطة اللاعودة؟

1- النمو الاقتصادي

قارن أستاذ الاقتصاد السياسي بنجامين فريدمان المجتمع الغربي المعاصر بدراجة متوازنة تدور عجلاتها بفعل النمو الاقتصادي. لكن في المقابل، لو تباطأ هذا النمو أو توقف، فإنَّ الركائز التي تشكل هذا المجتمع (الديموقراطية والحريات الفردية والتسامح وغيرها) سوف تبدأ بالتداعي. هكذا يصبح العالم مكاناً قبيحاً بشكل متزايد، يلهث وراء موارده المحدودة وينبذ كل شخص آت من خارج المجموعة الضيقة. ويحذر فريدمان قائلاً إن الفشل في إيجاد طريقة تعيد تسيير العجلات، سوف يؤدي إلى انهيار مجتمعي تام. وكان آدم سميث قد ذكر أهمية هذا العامل عندما تحدث عن ترك الأرستقراطية البريطانية للحروب الخاصة في مرحلة ما وعودتها إلى لندن للاهتمام بثرواتها وأخذ مواقعها في المجتمع، إضافة إلى ما كتبه ألبرت هيرشمان في كتابه "الرغبات والمصالح" عن كيف جعل المجتمع التجاري الناس أكثر "لطفاً"، إذ تجمعهم المصالح التجارية فيلتقون كأصدقاء لا أعداء يقتلون بعضهم البعض.

2- الطبقية والضغط البيئي

في تقرير نشره موقع "بي بي سي"، استعرضت فيه الكاتبة رايتشل نوير تجربة الأستاذ في علم الأنظمة في جامعة "مريلاند" صفا موتيشاري، الذي طور نماذج حاسوب لفهم أفضل للآليات التي يمكن أن تؤدي إلى الانهيار. وفق البحث، الذي نشر نتائجه موتيشاري وزملاؤه في العام 2014، ثمة عاملين مهمين في هذا الإطار: الطبقية الاقتصادية والضغط البيئي. في ما يتعلق بالطبقية، بحسب نماذج موتيشاري، تدفع النخبة المجتمع إلى عدم الاستقرار، الذي يعقبه الانهيار، وذلك من خلال جمع كميات مهولة من الثروة والموارد، تاركين القليل أو لا شيء للناس العاديين الذين يفوقونهم عدداً، ويدعمونهم بالعمل. وبطبيعة الحال، تنهار الطبقة العاملة لأن الثروة المتاحة لها غير كافية، فيتبعها انهيار النخب نتيجة غياب العمالة. وبحسب التقرير إن عدم المساواة الذي نراه اليوم داخل البلدان وبين بعضها البعض يشي بوجود أوجه التفاوت تلك. في جانب آخر، بات متعارفاً على أن الضغط البيئي يعتبر طريقاً محتملاً للهلاك، لجهة الاحتباس الحراري وكذلك ما يتعلق باستنزاف الموارد الطبيعية مثل المياه الجوفية والتربة والغابات، وهي عوامل يمكن أن تتدهور بفعل التغير المناخي. وبحسب يورجن راندرز، الأستاذ المتقاعد ومؤلف كتاب «2025: توقع عالمي للأربعين سنة القادمة"، فإن "العالم لن يكون على قدر التحدي ولن يسعى لحل مشكلة المناخ خلال القرن الجاري، وذلك لأن حل المشكلة أكثر كلفة بكثير من مواصلة التصرف كالمعتاد".

3- الشعور بالقوة وحلم الانتشار

بحسب تقرير "بي بي سي"، يقدم لنا الماضي إشارات عدة لقراءة المستقبل. من هذه الإشارات قصة صعود وسقوط الامبراطورية الرومانية. مع نهاية العام 100 قبل الميلاد، كان الرومان قد عززوا انتشارهم عبر البحر المتوسط. كان يسعهم حينها التوقف عند هذه الحدود، لكن فائض القوة الذي استشعروا به جعلهم يختارون البحث عن حدود جديدة، عبر البر هذه المرة. وبينما كانت المواصلات البحرية سهلة نسبياً وأقل تكلفة، تبيّن أن المواصلات البرية بطيئة ومكلفة. هكذا أرهق الرومان امبراطوريتهم وتكبدوا تكاليف باهظة. ولأن انهيار الدول لا يحصل بين ليلة وضحاها، نجح الرومان في الحفاظ على استقرار امبراطوريتهم نسبياً، إلى أن ظهرت تداعيات الفشل في القرن الثالث ميلادي الذي امتلأ بالحروب الأهلية وعمليات الغزو. حاولت الامبراطورية الحفاظ على أراضيها الأساسية، بينما كانت الجيوش تأكل في ميزانيته ويصل التضخم إلى أعلى معدلاته، الأمر الذي دفع المسؤولين إلى خفض قيمة العملة الفضية لتغطية نفقاتها المتصاعدة. ينسب بعض المؤرخين بداية الانهيار إلى العام 410، تزامناً مع غزو القوط للعاصمة ونهبها، لكن الانهيار الذي تبع الغزو، كانت عوامله قد بدأت مع تلك الدوامة التي بدأت قبل أكثر من قرن. يقيم هنا مؤلف كتاب "انهيار المجتمعات المعقدة" جوزف تاينتر المقارنة بين الامبراطورية الرومانية والعالم الحديث، الغربي تحديداً. يقول في الصدد إن أحد أهم الدروس المستفادة هو أن التعقيد له كلفة ينبغي دفعها. وكما في قوانين الفيزياء الحرارية حيث الحفاظ على أي نظام معقد يستهلك طاقة، كذلك المجتمع الإنساني. مع حلول القرن الثالث ميلادي، كانت الامبراطورية الرومانية تغرق في إضافة أشياء جديدة كمضاعفة حجم جيوشها وإدخال الفروسية وتقسيم الأقاليم واستحداث أجهزة بيروقراطية، كل ذلك من أجل الحفاظ على الوضع الراهن وتجنب التداعي. لكن في النهاية، عجزت عن مواجهة التعقيدات المتزايدة، وأودى ضعفها المالي بها إلى الانهيار. لغاية الآن، تمكنت المجتمعات الغربية الحديثة من تأجيل مسببات الانهيار، على سبيل المثال، من خلال تعزيز الوقود الأحفوري والتكنولوجيا الصناعية في مواجهة ارتفاع أسعار النفط في العام 2008. لكن تايتنر يشك أن الحال سيستمر على ما هو عليه إلى الأبد.

4- المهاجرون

يرى توماس هومر - ديكسون، أستاذ المناخ المرموق، أن تحلل الدول الأفقر بفعل الصراعات والحروب (التي يلعب الغرب دوراً أساسياً فيها)، ينتج عنه موجات ضخمة من المهاجرين، الساعين وراء ملاذ آمن. وعليه، تسعى الدول الغربية إلى تقييد هذا التدفق، وعموماً إلى حظره. هكذا، ستبنى جدران تكلف عدة مليارات من الدولارات، وستتعزز الإجراءات الأمنية واستخدام القوات والطائرات من دون طيار. وفي معرض مقارنته مع روما، يقول هومر - ديكسون "يشبه الأمر جهاز الدفاع المناعي لضمان هذه الدول الحفاظ على حدودها ومقاومة الضغوط المتزايدة". وسط ذلك، تتزايد الفجوة بين الأغنياء والفقراء داخل هذه الدول الغربية الهشة، ما يدفع المجتمع نحو المزيد من الاهتزاز. وبالعودة إلى راندرز، فـ"بحلول العام 2050، سوف تتطور الولايات المتحدة والمملكة المتحدة لتصبح مجتمعات ثنائية الطبقات، تعيش فيها طبقة صغيرة حياة باذخة في الوقت الذي تتراجع فيه رفاهية الأغلبية".

5- العوامل المركبة والتغيرات المفاجئة

تبرز نوير في تقريرها سوريا كمثال عن العوامل المركبة. تقول إن البلاد تمتعت بمعدلات خصوبة استثنائية لفترة من الزمن، أدت إلى النمو المتسارع في عدد السكان. بعد ذلك ضربت موجة من الجفاف الشديد البلاد في العقد الأول من القرن الـ21.

تزخر الصفحات العربية بروايات دينية تؤكد قرب سقوط أمريكا والغرب... ولكن ماذا يقول العلم؟

دفعت هذه الأزمة أعداداً كبيرة من الناس، لا سيما الشباب العاطلين عن العمل، إلى دائرة اليأس. ثم هاجر الكثيرون إلى المراكز الحضرية، مستميتين وراء الموارد والخدمات، المتاحة بشكل محدود، هناك. تزايدت التوترات العرقية الموجودة من قبل، ما أدى إلى خلق تربة خصبة للعنف والنزاع، بقيت مغلفة بإطار سلمي طاغ. بعد ذلك أتت السياسات النيوليبرالية، التي دفعت بالبلاد إلى حافة الانهيار. وفي العام 2011، بدأت الحرب وكان ما كان. هنا يذكر هومر - ديكسون، مؤلف كتاب "The Upside of Down"، أن الانهيار في الحالة السورية لم يقتصر على عامل واحد - كما الحال مع الانهيارات الاجتماعية الأخرى في التاريخ - وإنما نتج عن تضافر عوامل عدة أسهمت في وقوعه. هي عوامل توصف بالمركبة بسبب الطريقة التي تتراكم بها بهدوء ثم يأتي الانفجار مفاجئاً، مدمراً في طريقه جميع آليات الاستقرار التي تمنع المجتمع من الانفلات. في جانب آخر، تظهر العلامات الأخرى التي تشي بدخولنا مرحلة الخطر بشكل يسميه الباحثون "النظام اللاخطي"، حيث تكثر التغيرات المفاجئة مثل الأزمة الاقتصادية التي وقعت في العام 2008، أو صعود "داعش"، أو البريكسيت أو حتى فوز دونالد ترامب في الانتخابات. يخلص الباحثون إلى أن الانهيار الأوروبي مرجح حصوله أسرع من الانهيار الأمريكي، لكن ليس بالضرورة أن تكون نهايته عنيفة أو دراماتيكية. في بعض الأحيان، قد تتلاشى الحضارات من الوجود بكل بساطة، ودون ضوضاء. يقارن راندرز ذلك مع شكل انهيار الإمبراطورية البريطانية منذ العام 1918. مع الوقت، سوف تتقلص أهمية تلك المجتمعات، وسوف تتجاهل بشكل فاضح القيم التي تتفاخر بها، وذلك في خضم مواجهتها للمشكلات التي تسببت بتلاشيها.
إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard