شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
الحياة الخطرة للمخبرين المدنيين الذين تطوعوا للعمل سراً ضد داعش

الحياة الخطرة للمخبرين المدنيين الذين تطوعوا للعمل سراً ضد داعش

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الجمعة 26 مايو 201706:22 م

"العميل 40" و"العميل 44" و"العميل 45"، أسماء حركية لمخبرين مدنيين تطوعوا للعمل سراً لصالح قوات التحالف ضدّ تنظيم الدولة الإسلامية، في المناطق التي يسيطر عليها الأخير.

ليسوا وحدهم بل هم ثلاثة عملاء بين العديد من المتطوعين العرب والأكراد الذين تكفلوا بمدّ قوات التحالف مباشرة، أو عبر القوات العراقية أو الكردية، بمعلومات تتيح له استهداف مقاتلي داعش أو مصانع أسلحته أو مراكز تدريبه.

هؤلاء الثلاثة نشرت مجلة "فورين بوليسي" تقريراً مفصلاً عنهم تحت عنوان "الحياة الخطرة للمخبرين السريين"، تحدث عن الخدمات التي قدموها في إطار محاربة التنظيم، إذ "خاطروا بحياتهم وحياة عائلاتهم من أجل وطنهم، ومن دون تلقي أية تعويضات مادية".

قلة من السكان يعرفون عن وجود مخبرين مدنيين يتولون هذه المهمة، ويتعرضون يومياً لخطر التعذيب أو القتل.

ينقل التقرير، الذي كتبه إيغور كوسوف، عن مستشار حاكم نينوى عماد الرشيدي حقيقة وجود أشخاص يتجسسون في الموصل من غربها وشرقها… وقيام التحالف بالعديد من الغارات الجوية نتيجة تلقيه إحداثيات عن طريق المتطوعين، بعد التأكد من صحتها.

وعن الآلية التي كان يتم بها الأمر، يشرح الرشيدي أن "المتطوعين كانوا يتصلون عادة بعد منتصف الليل، ولمدة ثوان فقط ثم يخرجون شريحة الهاتف، لا سيما وأن تنظيم الدولة كان قد حظر استخدام الهواتف للاتصال بالخارج تحت طائلة الحكم بالإعدام.

وينتقل التقرير للحديث عن ملازم سابق في الجيش العراقي ونقيب في البشمركة، يطلق على نفسه اسم سوركسان ريكاني، كان يعمل على تجنيد المخبرين، وهؤلاء كانوا يوصلون المعلومات للقوات العراقية أو الكردية التي تنقلها بدورها للتحالف.

بعد ذلك يتأكد الضباط الإيطاليين والألمان والأمريكيين من معلومات المخبرين، مستخدمين الطائرات دون طيار، أو يقومون بضرب الأهداف مباشرة. وهو ما كشفه المتحدث باسم التحالف العقيد جون دوريان الذي قال إن التحالف يحدد قوائم أهدافه اعتماداً على المخبرين المدنيين من بين مصادر معلومات أخرى.

وكما نقلت المجلة عن ريكاني والمخبرين الثلاثة فقد أدت المعلومات التي وفروها لمقتل أكثر من 100 مقاتل من تنظيم الدولة، بالإضافة إلى تدمير عدة مصانع أسلحة ومراكز تدريب.

وهنا يعلق ريكاني قائلاً "إن الوسيلة الأمثل للحصول على معلومات مفيدة عن التنظيم، هي بالاعتماد على مصادر متواجدة في الداخل، قريبة من الهدف"، معترفاً إن "المنظمات الإرهابية تتقن تغيير مواقعها، ولكن النجاح في ضربها في مواقع مهمة يسهم في إفقادها السيطرة".

المهمة الصعبة

حرص المخبرون على عدم الإفصاح عن أسمائهم، حتى مع من يتعاملون معهم، وذلك تحسباً لهجمات انتقامية من الخلايا النائمة عليهم وعلى عائلاتهم. اكتفى هؤلاء بتحديد أرقامهم التي يتعامل التحالف بها. وتذكر المجلة أن الثلاثة الذين قابلتهم أصبحوا خارج مناطق سيطرة التنظيم، بعدما انتقلوا إلى منازل ساعدهم ريكاني في الحصول عليها.

وقد سعى إلى الحصول على مكافآت مادية للمخبرين، لكن قيادات التحالف رأت أن القيام بذلك قد يؤدي بالمخبرين إلى البدء ببيع معلوماتهم لمن يدفع في مقابلها ثمناً أكبر.

معلومات سرية عن حياة المخبرين المدنيين للتحالف ضد داعش... كيف عملوا وما الثمن الذي دفعوه؟
مخبرون خاطروا بحياتهم وحياة عائلاتهم لتوفير معلومات تساعد في مواجهة داعش، من دون تلقي أي مقابل مادي

العميل 45

تعود معرفة ريكاني بالمخبر 45 إلى العام 2008، حين كان الاثنان يخدمان في الجيش العراقي. في أغسطس من العام 2014، اتصل 45 بريكاني قائلاً إنه يريد توفير معلومات، وكان له في ذلك غاية وحيدة: نحن لا نحب تنظيم الدولة، بحسب ما جاء في مقابلته مع المجلة.

والعميل 45 كان مصلح مولدات كهربائية، وكان عمله يتيح له الفرصة ليتجول في أنحاء المدينة بسهولة، وهكذا كان يعرف أماكن الحواجز التي يقيمها التنظيم ونقاط التفتيش ومواقع تجمع المقاتلين، كما كان يرصد تحركات سياراتهم، لا سيما المجموعات الكبيرة منها، والتي تصبح لاحقاً أهدافاً سهلة لطائرات التحالف.

وكان من الطبيعي أن تقترن هذه المهمة بخطر كبير وبرعب أكبر، إذ كان 45 يشعر بأن أحداً ما يلاحقه طوال الوقت، لا سيما عندما كان يجمع المعلومات. كان يتصل بريكاني في الليل وهو مستلق على ظهره على سطح منزله، وكانت تلك المكالمات قصيرة جداً، يقوم بعدها بتخبئة الهاتف خلف جدار مموه في خزانة داخل المنزل .

يقول 45 "لا تزال عائلتي تجهل ما كنت أفعله"، وحتى عندما هربنا من شرق الموصل تزامناً مع دخول الجيش العراقي، لم يكونوا بحاجة لأن يعرفوا، فذلك أفضل لهم بمطلق الأحوال".

العميل 40

كان العميل 40 يعمل سائق سيارة أجرة خلال سيطرة تنظيم الدولة. وبحسب ريكاني، كان هذا المخبر ربما من أفضل مصادر معلوماته، فقد كتب تقارير مفصلة منذ العام 2015، ساعدت التحالف إلى حد بعيد في تدمير 14 هدفاً رئيسياً، بما في ذلك اجتماع لقيادة التنظيم ومحكمة وعدة معامل ومحطات لتحضير السيارات المفخخة.

وبحسب التقرير، كان ريكاني يطلب من المخبر 40 أن يتفحص مواقع محددة، لكن الأخير يقوم بالبحث عن مواقع أخرى من تلقاء نفسه. على سبيل المثال، حين كان يرى عدداً من السيارات الفارهة متجمعة في مكان ما، كان يحاول البحث عما يدور في ذلك الموقع. يتجول حول المكان، ثم يركن في نقطة معينة وينتظر أن يحمل معه بعض الركاب من الخارجين من المكان، وبينهم من كان يتحدث عما رأى.

بعض الركاب الذين كان يلتقطهم كانوا من متطرفي التنظيم، حسب وصفه، وكان الموقف يسمح له أحياناً بسماع حديثهم. ويقول معلقاً "كنت أخاف مما أسمع بطبيعة الحال، لكن كان علي فعل شيء ما... علي أن أساعد شعبي".

يلفت التقرير إلى أن المعلومات التي قدمها المخبر 40 كانت السبب في نجاح التحالف بقتل 87 عنصراً في تنظيم الدولة، بمن فيهم عناصر رفيعي المستوى. ولكي يتأكد من الغارات التي يشنها التحالف ويشبع فضوله، كان يقوم بتصوير الغارات الجوية على هاتفه في الوقت الذي يقود فيه ابنه السيارة.

يقول "كنت شديد السعادة برؤية الكثير من القتلى في صفوف داعش".

لكن لهذا الفضول ثمن دفعه المخبر 40 وكاد أن يودي بحياته وحياة عائلته. يروي كوسوف أن عناصر من تنظيم الدولة دهموا منزله وفتشوه، ثم وجدوا هاتفاً ممنوعاً مع زوجته. انتظروا عودته إلى المنزل، فاعتقلوه وساقوه إلى السجن. وبعد ضرب مبرح، رموه في زنزانة مع سبعة رجال آخرين، ثم حكموا عليه بالإعدام بعد الاطلاع على الفيديوهات المسجلة على هاتفه.

لكن في انتظار تطبيق الحكم، تدخل القدر لإتقاذه. اهتز المبنى المتواجد فيه بعد تنفيذ غارة جوية على بناية مجاورة، أعقب ذلك سقوط أحد جدرانه ما فتح ثغرة سمحه للمتواجدين في الزنزانة بالهرب، ما عدا واحد يعتقد أنه قُتل.

لاحقاً، هرب المخبر من الموصل باتجاه القيارة ومنها إلى الشرقات حيث اجتمع بعائلته، في حين لم يُعرف ما إذا كانت تلك الغارة الجوية صدفة، أم كان الهدف منها إطلاق سراحه، حتى ريكاني لا يمتلك جواباً على ذلك.

العميل 44

هو أيضاً كان سائق سيارة أجرة، وكان يعمد إلى تخبئة شريحة هاتفه داخل حبة برتقال يقطفها من حديقة بيته. كان عمل 44 يحتّم عليه تمضية أوقات طويلة في ورشات تصليح سيارات، شرقي الموصل، وقد اغتنم هذه الفرصة لجمع المعلومات حول مواقع الذخيرة في المنطقة.

يقول المخبر "كنت أذهب إلى منطقة ميكانيكيي السيارات، وأسأل عن الناس الغرباء الذين يعملون في المنطقة، وبناء على ما أسمعه من الزملاء، أتوجه إلى منطقة المصانع وأتأكد بعيني"، ويوضح أن أحد جيرانه يعمل في واحد من تلك المصانع، وكان يمرر له المعلومات.

أكثر ما يفتخر به 44 هو اكتشافه لمسبح استخدمه داعش لتدريب حوالي 50 مقاتلاً خلال المساء. وتوصل لذلك الاكتشاف صدفة من خلال دردشة أجراها مع أحد الموظفين في المسبح، ثم أبلغ التحالف عن المكان ووقت التدريب، مسهماً في قتل العشرات من العناصر.

خدمة مجانية

يشرح كل من ريكاني ورشيدي أن الطائرات من دون طيار كانت في العادة تقوم بمراقبة الأهداف التي علمت بشأنها من المخبرين، للتأكد تماماً أنها مواقع لتنظيم الدولة.

يوضح المخبرون لكوسوف أنهم بذلوا قصارى جهدهم لتجنب وقوع ضحايا من المدنيين، ولو أنهم لا يستطيعون التأكيد بثقة تامة إنهم لم يتسببوا بسقوط ضحايا أبرياء.

ما يصعّب التأكد من الأمر، هو تاريخ التنظيم الطويل في استخدام المدنيين كدروع بشرية أو تجنيدهم إجبارياً، وبالتالي يستحيل معرفة عدد العناصر غير المسلحة التي تتواجد في المكان أثناء شن الغارات الجوية.

عندما يُسأل هؤلاء عما إذا كانوا مستعدين ليعيدوا الكرة إذا سنحت الفرصة، لا يترددون قبل الإجابة بنعم، ليس ذلك طمعاً بالمقابل المادي فهم لم يأخذوه سابقاً، ولا بحثاً عن استعراض بطولة إذ لم يحصلوا على اعتراف رسمي بدورهم. هم فقط يريدون هزيمة تنظيم الدولة.

يقول العميل 40 إن داعش كان يطلب منهم خلال صلاة الجمعة أن يدعوا الله لـ"هزيمة الأمريكيين والبشمركة"، لكنه كان يردد في سره "يا رب، لا تستمع لدعواتهم".

قد يكون المجال مفتوحاً بشكل كبير لمناقشة التدخل الأمريكي وإثاره نتائجه السلبية والتمعن في أخطائه، لكن الجهود الفردية لا يمكن أن تُحاكم إذا تعرضت لظروف صعبة كالعيش تحت حكم داعش.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard