شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
كيف أعادت ريما خلف تذكير العالم بأن إسرائيل تقوم على نظام الفصل العنصري

كيف أعادت ريما خلف تذكير العالم بأن إسرائيل تقوم على نظام الفصل العنصري

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الثلاثاء 21 مارس 201707:51 م
"ليس خافياً علي ما تتعرض له الأمم المتحدة، وما تتعرض له أنت شخصياً، من ضغوط وتهديدات على يد دول من ذوات السطوة والنفوذ، بسبب إصدار تقرير الإسكوا (الممارسات الإسرائيلية تجاه الشعب الفلسطيني ومسألة الأبارتايد). وأنا لا أستغرب أن تلجأ هذه الدول، التي تديرها اليوم حكومات قليلة الاكتراث بالقيم الدولية وحقوق الإنسان، إلى أساليب التخويف والتهديد حين تعجز عن الدفاع عن سياساتها وممارساتها المنتهكة للقانون". جاء هذا الكلام في نص رسالة الاستقالة التي بعثت بها الأمينة التنفيذية لـ"الإسكوا" ريما خلف إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس بعدما ضغط الأخير لسحب تقرير يقر علانية، للمرة الأولى أممياً، بأن إسرائيل تفرض نظام فصل عنصري على الفلسطينيين. "بديهي أن يهاجم المجرم من يدافع عن قضايا ضحاياه، لكنني أجد نفسي غير قابلة للخضوع إلى هذه الضغوط... ولذلك، فإن هذه العقدة لا تُحل إلا بأن أتنحى جانباً وأترك لغيري أن يقوم بما يمنعني ضميري من القيام به". هكذا استقالت خلف، التي كانت قد صنفتها صحيفة "الفاينانشال تايمز" من بين أكثر خمسين شخصية في العالم رسمت ملامح العقد الماضي، تاركة وراءها مسيرة طويلة من النضال الحقوقي. كما تركت تقريراً غنياً بالأدلة حول الأبرتهايد الإسرائيلي، انتشر محتواه رغم سحب موقع الإسكوا الإلكتروني له، والمحاولات العديدة لطمسه.

استجداء مجد شخصي أم بطولة؟

اعتبر البعض أن استقالة خلف ليست أكثر من محاولة لشراء مجد شخصي، لا سيما وأنها تأتي قبل أقل من أسبوعين على وصولها لسن التقاعد، مشيرين إلى أن تقريرين لها كانا قد سُحبا سابقاً ولم تقدم على الاستقالة. وانتقد هؤلاء غيرهم من العرب الذين يحتفلون بأي "همروجة" ضد إسرائيل، ويرون فيها تحدياً مجدياً. في المقابل، احتفى كثر بتلك "البطلة" التي لعبت دوراً مؤثراً في فضح إسرائيل وانتهاكاتها طوال فترة عملها في منصبها الأممي. خلف هي اقتصادية وسياسية أردنية، شغلت العديد من المواقع السياسية في الحكومة الأردنية، إلى أن وصلت إلى الأمم المتحدة في العام 2000، وفي سجلها العديد من التقارير المهمة، وجوائز التقدير لمبادراتها في مجال تطوير التعليم والتنمية الاقتصادية وحقوق الإنسان. كما يُسجَّل لها العديد من المواقف في مناسبات مختلفة في فضح الاحتلال الإسرائيلي وانتهاكه لكافة القرارات والمواثيق الدولية.
استقالة ريما خلف من منصبها الأممي لفضح التواطؤ الدولي مع إسرائيل، استجداء مجد شخصي أم بطولة؟
عبر استقالتها، لعبت خلف من موقعها دوراً رمزياً في الاعتراض على انتهاكات يتجاهلها غالبية المسؤولين العرب

ترحيب إسرائيلي بالاستقالة

دفعت استقالة خلف الجانب الإسرائيلي إلى الترحيب بالخطوة التي رأى فيها تخلصاً من شخص يحاول استغلال منصبه لممارسة التمييز ضد إسرائيل، لكن بطبيعة الحال لم يكن ذلك السبب الذي جعل كثراً يتحمسون لصالح هذه الاستقالة. برأيهم، عبر تلك الخطوة لعبت خلف، من موقعها الحساس والمؤثر، دوراً رمزياً في الاعتراض على انتهاكات يغض كثر من المسؤولين العرب الطرف عنها. كما لعبت دوراً مادياً مباشراً في إعداد تقرير بهذه الأهمية أولاً، وفي تسليط الضوء عليه في مقابل محاولات خنقه ثانياً. وكما قالت خلف في صلب استقالتها "إن الأدلة التي يقدمها التقرير قاطعة، وتكفيني هنا الإشارة إلى أن أياً ممن هاجموا التقرير لم يمسوا محتواه بكلمة واحدة"، وكما جاء في مقدمة التقرير، يحسب لخلف أنها بنت تقريراً محكم التوثيق حول ممارسات جرت العادة على رفضها بكلام عاطفي لم يعد يلعب دوراً في تغيير الواقع. رأى العديد من الباحثين أن أهمية التقرير تنبع من كونه يشير بشكل علني إلى نظام الفصل العنصري في إسرائيل، ويرفق تلك الإشارة بأدلة دامغة. في المقابل، فسرت الأمم المتحدة من خلال الناطق باسمها ستيفان دوجاريك بأن نشر التقرير جاء من دون التنسيق المسبق مع الأمانة العامة، في حين أن خلاصاته لا تتوافق مع ما يراه الأمين العام.

ما الذي احتواه التقرير وأخاف الأمم المتحدة؟

يمتد التقرير على 74 صفحة، ويناقش الممارسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية على ضوء القانون الدولي، بالإضافة إلى المرجعية القانونية التي يتم على أساسها التمييز. وبشكل أساسي يناقش التقرير نظام الأبرتهايد مع تعريفه وتقديم نبذة تاريخية عنه، فضلاً عن مراجعة تاريخية بالأدلة والقرائن تفسر لماذا ينطبق هذا النظام على إسرائيل، وينقض كذلك الحجج التي تنفي الفصل العنصري فيها. ويختم التقرير بتوصيات للأمم المتحدة والدول الأعضاء والمجتمع المدني. أعد التقرير كل من أستاذ القانون الدولي في جامعة "برنستون" ريتشارد فولك الذي شغل منصب المقرر الخاص للأمم المتحدة المكلف برصد الانتهاكات الإسرائيلية بين عامي 2008 و2014 والذي ووجه برفض إسرائيلي في التعامل معه، إلى جانب أستاذة العلوم السياسية في "جامعة جنوب إلينوي" فيرجينيا تيلي التي عملت سابقاً في جنوب أفريقيا. بحسب التقرير، فإن مصطلح الأبرتهايد ارتبط بشكل أساسي بمنطقة جنوب أفريقيا، وبحسب تعريف "الاتفاقية الدولية لقمع ومعاقبة الفصل العنصري" فإن المصطلح يدل على "كل الأفعال غير الإنسانية التي ترتكب في سياق نظام مؤسسي قوامه الاضطهاد المنهجي والسيطرة المنهجية من جانب مجموعة عرقية واحدة ضد جماعة أو جماعات عرقية أخرى، وترتكب بنية الإبقاء على ذلك النظام". وهكذا بحث التقرير عوامل مطابقة الممارسات الإسرائيلية لهذا التعريف، تحت "مبدأ الدولة اليهودية كما يعبر عنه القانون الإسرائيلي ومؤسسات الدولة". وفي دراسة لقوانين إسرائيل تظهر العنصرية في جوهر تركيبتها، من قوانين الاستيلاء على الأراضي مثل أملاك الغائب، إلى قانون حق العودة الذي يتيح لأي يهودي أن يعود لإسرائيل ويحصل على الجنسية، فيما يمنع الفلسطيني اللاجئ المنفي حديثاً من العودة. كما يسمح القانون الإسرائيلي للأزواج الإسرائيليين بالانتقال إلى إسرائيل، بينما لا يسمح للفلسطيني الذي يتزوج من حامل الجنسية الإسرائيلية من دخول إسرائيل. ويذهب التقرير بعيداً في الإطار ليوضح كيف يعمل نظام "التفتيت الإسرائيلي"، من أجل دعم نظام الهيمنة العنصرية لإسرائيل وإضعاف إرادة الشعب الفلسطيني. كما يُذكّر التقرير، مثالاً، بالقانون الإسرائيلي الذي ينص على أنه لا يجوز، بأي شكل من الأشكال نقل الأراضي التي تحتفظ بها "دولة إسرائيل" أو هيئة التطوير الرسرائيلية أو الصندوق القومي اليهودي، ما يضع إدارة تلك الأراضي تحت سلطة هذه المؤسسات بشكل دائم. ويذكر أن هناك أكثر من مليون ونصف المليون فلسطيني في داخل إسرائيل يتعرضون للاضطهاد، ونحو ثلاثمئة ألف فلسطيني في القدس الشرقية يعانون من  القوانين العنصرية كالطرد وهدم المنازل. وفي الضفة الغربية، يخضع الفلسطينيون للاحتلال المباشر، ويعيش الملايين من اللاجئين في الدول المجاورة ويحرمون من حق العودة تحت ذرائع عنصرية كـ"التهديد الديموغرافي والحفاظ على يهودية الدولة". كما أن الفلسطينيين يخضعون للقانون العسكري الإسرائيلي، في حين أن المستوطنين الإسرائيليين تجري معاملتهم بموجب القانون المدني الإسرائيلي. هذه الازدواجية، الإشكالية بحد ذاتها، تعد دليلاً إضافياً على ممارسات الفصل العنصري.

دعوة للقضاء على الأبرتهايد

من جهة أخرى، يرد التقرير بنقض الذرائع الإسرائيلية التي تفسر هذه الممارسات بمحاولة الحفاظ على يهودية (هوية) الدولة، شأنها في ذلك شأن دول أخرى، وعليه بما أن الفلسطينيين غير مواطنين فلا يحظون بمعاملة متساوية، وهكذا تنتفي تهمة الفصل العنصري بحجة أن المعاملة الإسرائيلية لا تعكس أي "مقصد هيمنة". كما ينقض التقرير مغالطة إسرائيلية أخرى تقول بأن المواطنين الفلسطينيين لديهم حقوق تصويت، وبالتالي لا يمكن أن يتعرضوا للفصل العنصري، وذلك من خلال المقارنة الحرفية مع جنوب أفريقيا وطرح مسألة فصل التصويت عن القوانين الأخرى، لأن القانون الإسرائيلي الأساسي يحظر على الأحزاب السياسية الطعن في طابع الدولة اليهودي، وبالتالي العنصري. هكذا يخلص التقرير إلى أن حجم الأدلة لا يدع مجالاً للشك أن إسرائيل مذنبة بفرض نظام أبرتهايد على الشعب الفلسطيني، وارتكاب جرائم ضد الإنسانية. ويوصي المجتمع الدولي بضرورة عدم الاعتراف بشرعية هذا النظام، أو تقديم المعونة له، كما بضرورة العمل على القضاء عليه.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard