شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
وفود

وفود "تحسين صورة مصر أمام العالم": سياحة سياسية لا أكثر؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الخميس 15 ديسمبر 201604:36 م
في السنوات الأخيرة قبل ثورة 25 يناير، عانت الدولة المصرية من فقدان ريادتها وتأثيرها على صنع القرارات في القضايا الإقليمية. فقد وجّه نظام الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك تركيزه على بناء علاقة جيدة مع الولايات المتحدة الأمريكية. وفي الوقت نفسه، ظهر ضعف قدرات الخارجية المصرية، وفقدانها بوصلة الأولويات، مع تهميش أدوار الأحزاب والمجتمع المدني بشكل شبه كامل عن المشاركة في صنع السياسة الخارجية للدولة. كل ذلك استدعى من الأنظمة الجديدة الناشئة بعد الثورة، البحث عن وسائل أخرى لاستعادة مكانة البلاد، كدولة فاعلة في السياسات الإقليمية والدولية. وبدا للوهلة الأولى، أمام أنظمة ما بعد 25 يناير، أن حل هذه الأزمة يجب أن يكون بعيداً عن الإطار الرسمي، الذي فقد رونقه وصدقيته إلى حد بعيد. لذا لم يكن هناك بد من استخدام سلاح "الدبلوماسية الشعبية"، الذي توقع الكثيرون أن ينجح في تحسين العلاقات الباردة. إلا أن معظم العاملين عليه اتخذوا مسار "تبييض وجه الأنظمة"، عوضاً عن دورهم المأمول، ولم يسلم كثير منهم من تهم البحث عن الشهرة والظهور.

أثيوبيا نقطة البداية

في أبريل 2011، خرجت الدبلوماسية الشعبية المصرية إلى النور، بزيارات إلى أثيوبيا وأوغندا والسودان، ضمت عدداً من السياسيين والحزبيين، على رأسهم عبد الحكيم نجل الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، ورجل الأعمال مصطفى الجندي، ورئيس حزب الوفد السيد البدوي، فضلاً عن مجموعة من شباب الثورة، ضمن جولة لرأب صدع العلاقات بين دول القارة بعد إعلان أديس أبابا عزمها على بناء سد النهضة. وقد أثمرت هذه الجولة وعد رئيس البرلمان بعدم المساس بحقوق القاهرة المائية، تقديراً للزيارة وتعزيزاً للعلاقات التي مرت بفترة صعبة خلال حكم مبارك. وعادت الدبلوماسية الشعبية إلى طاولة السياسة ثانيةً، بعد الأزمة التي أثارتها تصريحات الرئيس الأسبق محمد مرسي في اجتماعه مع القوى الوطنية في مطلع يونيو 2013، مهدداً باستخدام القوة ضد إثيوبيا، حال تعنتها في إنهاء أزمة سد النهضة. فسافر عدد من أعضاء الوفد إلى أديس أبابا، لعقد اجتماع ومؤتمر عاجلين لتهدئة الموقف مع الجانب الأثيوبي، الذي هدد بمقاضاة مصر ورئيسها بسبب هذه التصريحات.

ضيف دائم مع زيارات السيسي

وفي الفترة الأخيرة، أصبح مصطلح "الدبلوماسية الشعبية" مرتبطاً بشكل وثيق بزيارات الرئيس عبد الفتاح السيسي الخارجية. حتى أن عدداً من السياسيين ورجال الأعمال المندرجين تحت هذا المسمى، استقبله خلال زيارته الولايات المتحدة، في سبتمبر الماضي، للمشاركة في اجتماعات الأمم المتحدة وقمة مجلس الأمن. بينما كان آخرون من ضمن مرافقيه، والتقوا أعضاء الجالية المصرية في أميركا، ومجموعات من منظمات المجتمع المدني والمسؤولين الأجانب، لتوضيح حقيقة الوضعين الاقتصادي والأمني في البلاد، بحسب تأكيداتهم.
الوفود التي ترسلها مصر لتحسين صورتها في الخارج: “دبلوماسية شعبية” مفيدة أم مجرد “سياحة سياسية” تروج لمصالح خاصة؟
وبعد 30 يونيو تحديداً، تركزت زيارات وفود الدبلوماسية الشعبية على تأكيد مخاطر مواجهة الإرهاب، بعد الإطاحة بمحمد مرسي، فضلاً عن إبراز التحديات الاقتصادية التي تواجهها البلاد، وتصحيح المفاهيم المتداولة في الإعلام الغربي. حتى أن الأيام الماضية وحدها شهدت زيارة وفد من لجنة العلاقات الخارجية للبرلمان الألماني، ومغادرة وفد ثان إلى لندن لزيارة مجلس العموم للرد على تقريره بشأن تنظيم الإخوان، عدا توجه وفد ثالث إلى المجر برئاسة رئيس البرلمان. كما التقى وفد برلماني بمجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، تحت دعوى "تصحيح صورة مصر أمام العالم".

من إيران إلى أمريكا: المصلحة تحكم

في منتصف ديسمبر 2013، زارت أكثر من 30 شخصية إيران برئاسة د. جمال زهران، والتقت بعدد من كبار مسؤولي الجمهورية الإسلامية، على رأسهم رئيس مجلس الشورى علي لاريجاني، والمستشار السياسي للمرشد الأعلى للثورة الإيرانية الدكتور علي أكبر ولايتي، لتعزيز مساعي إعادة صياغة العلاقة التاريخية بين البلدين، وشرح تطورات الأوضاع بعد 30 يونيو. وزار وفد الدبلوماسية الشعبية موسكو أكثر من مرة، إحداها في نوفمبر 2013 لدعم العلاقات الثنائية، والأخرى في مارس الماضي ضمن فعاليات مبادرة "ادعم سياحة بلدك"، بعد حادث سقوط الطائرة الروسية المنكوبة في سيناء، في أكتوبر الماضي. كما زار وفد آخر ألمانيا في منتصف 2015، لشرح مراحل التحول الديمقراطي حينها، والرد على أحكام الإعدام الصادرة بحق قيادات جماعة الإخوان، وتقديم ملف يتضمن جرائم الجماعة في مصر، بحسب تصريح داليا زيادة، المشاركة في الوفد. وسافر وفد من الدبلوماسية الشعبية وتيار الاستقلال، برئاسة أحمد الفضالي، لتهدئة الرأي العام الإيطالي بعد مقتل الباحث جوليو ريجيني في القاهرة تحت شبهة تعذيب. وأعلن حينها الفضالي إنشاء مجلس مصري إيطالي لتنظيم العلاقات بين البلدين. كذلك أعلن قبل أيام استعداده لزيارة الولايات المتحدة، لتهنئة الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب، ومطالبته بدعم مصر ضد التطرف وإدراج جماعة الإخوان على قوائم الإرهاب. في السياق نفسه، يقول الفضالي لرصيف22 إن الدبلوماسية الشعبية تلعب دوراً كبيراً في تقوية الروابط بين مصر ودول العالم، ولو لم يكن ذلك متحققاً لما استمرت في عملها حتى الآن. مؤكداً أن هذه الوفود متفقة مع أهداف الدولة وتوجهاتها الخارجية. وأضاف أن التعريف الصحيح لما يقومون به هو "الدبلوماسية العامة"، لأن وفودهم تضم وزراء وسفراء وأساتذة جامعات سابقين وحاليين، فضلاً عن آخرين كانوا جزءاً من الجهات الرسمية في فترات سابقة. وعن الأحاديث بشأن عدم تحقيق الدبلوماسية الشعبية نتائج ملموسة في إطار تحركاتها، رد رئيس تيار الاستقلال: "لن نستطيع أن نرضي جميع الناس لكننا نعمل قدر الإمكان على مساعدة الدولة، وتحسين صورتها دون دعم من أى جهة، فتكاليف جميع زياراتنا مساهماتٌ من الأعضاء أنفسهم، والدليل على ذلك إرجاء زيارات أخرى كان من المقرر القيام بها بسبب عدم وجود المال اللازم لتغطية النفقات". على الجانب الآخر، يرى مساعد وزير الخارجية الأسبق السفير معصوم مرزوق، الذي كان رئيساً للنادي الدبلوماسي المصري، أن فكرة "الدبلوماسية الشعبية" بوضعها الحالي فاشلة بكل المقاييس. إذ أصبحت مجرد "سبوبة" يقوم عليها أشخاص غير مؤهلين، وليست لهم درجات تمثيل دبلوماسي، كما أن عدداً كبيراً منهم لا يتحدث لغات أجنبية، وليس له رصيد سياسي يكفل له التحدث باسم الجهات الشعبية. وأضاف لرصيف22: "هذه الوفود أصبحت نوعاً من السياحة السياسية بغرض دعائي للترويج لمصالح أفرادها، فضلاً عن أنها عبء على سفاراتنا في الخارج التي تتولى استقبالهم، وترتيب زياراتهم وجولاتهم دون نتائج ملموسة. فلا يعقل أن تستبدل الدولة اتصالاتها الرسمية بعدد من السياسيين ورجال الأعمال لتوضيح مواقفها، كما أنه لا يصح إطلاق هذا المسمى على مجموعة أفراد لا يمثلون جميع أطياف الشعب". وتابع: "المعنى الحقيقي للدبلوماسية الشعبية هو تراكم العلاقات الوطيدة بين دولتين أو أكثر بشكل مباشر، والتبادل الحقيقي للرأي والمواقف، وهو ما شهدته مصر في فترة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، حين كانت الدولة تنظم معسكرات شبابية تضم أفراداً من جميع دول العالم، في جلسات سمر وتبادل ثقافي وسياسي، وهذا ما لمسنا نتائجه خلال زياراتنا هذه الدول في فترات لاحقة. فأصبح بعض هؤلاء الشباب قادة لبلادهم ويتذكرون مصر بكل خير، كما أنهم حريصون على متابعة أنشطة الفن والترجمة والثقافة المصرية، حتى أن أحدهم سألني عن تحية كاريوكا خلال زيارتي نامبيا في وقت سابق". وعن بدائل الدبلوماسية الشعبية والرسمية، اقترح مرزوق على الدولة إنشاء مواقع تثقيفية موجهة تخاطب القارة الأفريقية ودول العالم، وتقوم عليها مجموعة من الشباب المؤهل، على غرار الإذاعات المصرية الموجهة بلغات أجنبية في فترة الستينيات، فضلاً عن الاهتمام بإنشاء المراكز الثقافية في البلدان المستهدفة لنشر اللغة وتكوين رأي عام داعم لمصر في هذه البلدان، على غرار ما تفعله المراكز الثقافية الفرنسية والروسية وغيرها.
إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard