شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
أزمة الحدود بين المغرب والجزائر: عناد سياسي يدفع الشعبان ثمنه غاليًا

أزمة الحدود بين المغرب والجزائر: عناد سياسي يدفع الشعبان ثمنه غاليًا

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الجمعة 12 أغسطس 201604:59 م
تعتبر مشكلة الحدود بين الجزائر والمغرب من أقدم الملفات العالقة في العالم. فمنذ استقلال البلدين عن الفرنسيين، والمشكلة بينهما حول الحدود قائمة. عدد مهم من الباحثين والمهتمين يلومون الدولة الفرنسية، كونها لم ترسم الحدود عند خروجها، وتركتها غامضة. لكن جزءاً آخر يرى أن العناد الذي اتسمت به مواقف حكومات البلدين ساهمت في توسيع الأزمة.

سر المشكلة

لفهم أسباب العداء والجفاء بين البلدين، لا بد من العودة إلى التاريخ، لتبيان أسباب قطع العلاقات في فترات معينة، واستمرار إغلاق الحدود منذ سنة 1994. تروي كُتب التاريخ أن المغرب الذي انعتق من الاستعمار الفرنسي سنة 1956، كان المُمَوِن الأساسي للثورة الجزائرية لمقاومة الاستعمار والاستقلال. وبحسب عبد الهادي بو طالب، المستشار السابق للملك الراحل الحسن الثاني: "رغم مشكلة بناء الدولة وتطويرها، وما يتطلّبه ذلك من نفقات، لم يتراجع المغرب عن مضاعفة دعم الجزائر مادياً، وتوفير السلاح لثورتها، وفتح حدوده في وجه المكافحين الجزائريين، وجعلها ممراً للعتاد والذخيرة إلى أرض المعركة في الجزائر". لكن بعد مرور سنة على استقلال الجزائر سنة 1962، اندلعت حرب الرمال بين البلدين، ودامت ثلاثة أيام. ورغم توقيع اتفاقية تقسيم الحدود سنة 1972، بين البلدين، لم يضع ذلك حدًّا للحساسية والعداء بينهما. نشأ بعد ذلك الصراع الجيوسياسي، والسبب الرئيسي وراءه هو مشكلة الصحراء المغربية. لتزداد العلاقة توتراً بعد اعتراف الحكومة الجزائرية بجبهة البوليزاريو التي تأسست سنة 1975. ذلك ما عارضه المغرب بشدة، وحاربه الجيش المغربي، لينتهي الصراع العام 1980، ببناء المغرب لجدار أمني على طول الحدود مع الجزائر.

مآسٍ إنسانية خلف إقفال الحدود

تسبب الصراع بين البلدين بآثار كارثية على مواطني الطرفين. فالقطيعة وطول إغلاق الحدود البرية، أدخلا عدداً كبيراً من العائلات الجزائرية والمغربية في معاناة يومية، حرمت عدداً مهماً منهم من تحقيق آسرة القرابة والتلاقي مع ذويهم. مسلسل ضحايا هذا الصراع بدأ سنة 1973. فبحسب الرواية الجزائرية، فقد طلبت السلطات، في السنوات الأخيرة، من المغرب دفع تعويض يقدر بـ20 مليار دولار، لنحو 14 ألف جزائري صادرت السلطات المغربية ممتلكاتهم. وصرح عمار بلاني، الناطق الرسمي السابق باسم الحكومة الجزائرية، أن "مئات المواطنين الجزائريين طردوا من المغرب، وصودرت ممتلكاتهم بدون تعويض". وأضاف: "هناك هكتارات من الأراضي الزراعية، ومئات الممتلكات والعقارات العائدة لملكية مواطنين جزائريين، تعرضت للتأميم بدون تعويض". وفي ما يخص المغاربة الذين طردوا من الجزائر سنة 1975، يقول بلاني: "المغاربة الذين هجروا من الجزائر لم يكونوا من أصحاب الممتلكات الشخصية، إنما من المستأجرين للعقارات والأراضي العائدة لملكية الدولة الجزائرية أو لأطراف ثالثة".
في هذا السياق، يقول محمد الهرواشي، رئيس جمعية مغاربة ضحايا الترحيل التعسفي من الجزائر، إن السلطات الجزائرية هجّرت صبيحة عيد الأضحى في 18 ديسمبر عام 1975، نحو 350 ألف مغربي مقيم في الجزائر. ويعود السبب في ذلك، بحسب الهرواشي، إلى رفض السلطات الجزائرية السيادة المغربية على الصحراء، وتوجه الجزائر برئاسة هواري بومدين حينذاك، نحو الاعتراف بجبهة البوليزاريو. ويعتبر الهرواشي موضوع طرد المغاربة من الملفات العالقة بين البلدين. ويضيف أن السلطات الجزائرية لم تقدم إلى الآن على أي إجراء لإيجاد حل شامل لهذه القضية.

تعنت سياسي

ساهم الصراع الجزائري/ المغربي وإغلاق الحدود البرية بين البلدين إلى اليوم في مفاقمة مشاكل عدد من الأسر في البلدين. إذ يجمع بين الطرفين رابط القرابة والدم، لكن الخلافات السياسية وإغلاق الحدود فرقت بينهما. ورغم أن الحدود الجوية بقيت مفتوحة، فإن غالبية الأسر تعجز عن دفع ثمن تذكرة السفر. لذا يلجأ عدد كبير منهم، إلى اعتماد وسيلة "الدخول السري" عبر الحدود، في عملية تقف وراءها شبكة تؤمن تجاوز الحدود بمبلغ ألف درهم للفرد. وبحسب صحافي من مدينة وجدة (شرق المغرب)، يشرف على هذه العمليّة من يعرفون بالخطافة، وتتم بعلم رجال الدرك حرس الحدود. الصحافي الذي طلب عدم ذكر اسمه، يوضح أن إغلاق الحدود لم يحل دون "تكسيرها" من العائلات لزيارة الأقارب. ويشير إلى أن "الخطافة" الذين ينشطون في الليل، لا يهرّبون البشر فقط، بل حتى السلع والوقود من الجزائر، والخضر والملابس من المغرب. ويقول أيمن النوري (33 سنة) الذي ولد في مدينة وجدة من أب مغربي وأم جزائرية: "حصول والدتي على وثائق الدولة الفرنسية، ساهم في التحاقها بالوالد بعد طرده من الجزائر العام 1975. فبعد التهجير بسنة سافرت إلى مارسيليا، ثم جاءت إلى الدار البيضاء بالطائرة، لتلتقي والدي ويأتي بها إلى وجدة. ومنذ مجيئها إلى المغرب، لم تتواصل مباشرة مع أفراد عائلتها في الجزائر. باستثناء العام 1983 تاريخ ميلادي، حين كانت فرصة لحضور خالي الوحيد الذي لم تعرف أمي كيف دخل إلى المغرب، وتقول إنه جاء ليلاً وفي مساء اليوم التالي ودعها". لم يكتب لأيمن السفر إلى الجزائر للتعرف على عائلة والدته، ويعتبر أن كل هذا ضريبة للتعنت السياسي بين حكومات البلدين. وتقول هناء. غ (أم مغربية في عقدها الخامس): "أعتقد أن ما قامت به الجزائر غير إنساني. فأنا شخصياً حُرمت زوجي لمدة طويلة بسبب هذا القرار القاضي بتهجير المغاربة". وتضيف: "كنت متزوجة من جزائري، وبسبب هذا القرار طردت وحرمت زوجي الذي لم يكتب لي رؤيته لاحقاً، إلى أن وصلني خبر وفاته، قبل 16 عاماً، بسبب مرض عضال. وابنتي الوحيدة التي أنجبتها منه، رعتها عمتها، جزاها الله خيراً، وهي الآن تواصل دراستها في أمريكا. وكتب لي أن التقيتها، بعد أن بلغت عامها الثالث والعشرين". في الجانب الجزائري قصص مماثلة، يرويها الصحافي ندينة وجدة، مثل حكاية فاطمة الجزائرية التي كانت تعمل في المغرب مُدرّسة لغة فرنسية، وتعرضت للتهجير القسري. فاطمة التي واصلت عملها في التعليم الخصوصي في الجزائر، أكدت، بحسب الصحافي، أنها عانت كثيراً بسبب عدم حصولها على ممتلكاتها، وهي سيارة ورصيد في المصرف، قدرته حينها بخمسة ملايين سنتيم. إضافة إلى أنّها لم تتزوّج، لأنّها كانت تفكر في الاقتران بشاب مغربي، كان يدرس معها، وهو من أبناء مدينة وجدة، لكن "الطرد" القسري حرمها إتمام حلمها.

في انتظار تحقق الحلم

أعلن المغرب العام 1994 إغلاق حدوده البرية مع الجزائر، بسبب حادث إطلاق نار تعرض له في ذلك العام، فندق "إسني" في مدينة مراكش. واتهمت السلطات المغربية وقتها جزائريين بالضلوع في الحادث الإرهابي. وكشفت الحكومة المغربية أن الأسلحة التي استعملت دخلت من الحدود البرية. منذ ذلك الحين، فرض المغرب التأشيرة على الجزائريين للدخول إلى أراضيه، ومباشرة بعد ذلك، ردت عليه الجزائر بإغلاق الحدود. وفي العام 2004 عاد المغرب وأعلن إعفاء الجزائريين من تأشيرة الدخول. بعد مرور كل تلك السنوات، فإن حلم الشعبين هو فتح الحدود، لما سيكون لذلك من وقع إيجابي على مجموعة من المجالات، وأبرزها المجال الاقتصادي. وبحسب المهتمين بالشأنين المغربي والجزائري، فإن مسألة إغلاق الحدود بين البلدين، يعود إلى تشبث كل طرف بوجهة نظره الخاصة حول الوضع الجيوسياسي في المنطقة. فالمغرب يطالب بضرورة التزام الجزائر الحياد في قضية الصحراء، وتراجعها عن دعم جبهة البوليزاريو. بينما ترفض الجزائر اقتراح المغرب بمنح الحكم الذاتي لمنطقة لصحراء، المتنازع عليها مع جبهة البوليزاريو. وتطالب بإجراء استفتاء لتقرير المصير، أي إما الاستقلال عن المغرب أو البقاء تحت رايته. وهذا برأي أهل السياسة هو أصل المشكل، لأن حل قضية الصحراء المغربية متوافر بين أيدي الجزائريين والمغاربة فقط. وبانتظار تحقيق ذلك، ولدت بعض المبادرات الرامية إلى تعزيز الحوار بين الشعبين، فتأسست جمعية الصداقة المغربية الجزائرية التي تهدف إلى تعزيز روح الأخوة بين الطرفين، وحثّ السلطات الرسمية على إنهاء هذا الصراع "السياسي" بامتياز.

السينما تعالج الموضوع

حاول الفيلم السينمائي المغربي "الوشاح الأحمر" لمخرجه محمد اليونسي، أن يسلط الضوء على حقبة من تاريخ العلاقة المغربية الجزائرية المعروفة بحرب الرمال، بداية ستينيات القرن الماضي. الفيلم عبارة عن صورة مصغرة لأزمة الحدود المغلقة بين البلدين، لما يقارب العشرين عاماً. ويجسد العمل وقائع حادث طرد المغاربة من الجزائر، والانعكاس السلبي لإغلاق الحدود على الشعبين معاً. وينتقل الشريط من أحداث بسيطة إلى قضايا معقدة وكبيرة، من خلال تسليط الضوء على أزمة سياسية كبيرة، انطلاقاً من مأساة زوجين (لويزا من الجزائر ولحبيب من المغرب)، فرّقت بينهما الحرب والطرد وإغلاق الحدود، ليعيشا بعيدين أحدهما عن الآخر.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard