شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
بعد أكثر من عقدين: لماذا يرفض أهل الكويت التصالح مع الثاني من أغسطس؟

بعد أكثر من عقدين: لماذا يرفض أهل الكويت التصالح مع الثاني من أغسطس؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الثلاثاء 9 أغسطس 201601:47 م
في صبيحة الثاني من أغسطس 1990، استيقظت الكويت على أصوات الدبابات والمدافع العراقية، بعدما توغلت في عمق البلاد، وسيطرت على المراكز الرئيسية في العاصمة، معلنةً ضمها إلى الأراضي العراقية كواحدة من محافظاتها. كان ذلك اليوم الذي غزت فيه العراق الكويت. تمر في هذا الأسبوع الذكرى الـ26 على تلك الحرب. تترك أثراً مختلفاً لدى سكان البلاد. بعضهم يتألم، وكأن عقدين من الزمان لم يمضيا. لكن بعض الأصوات الشابة بدأت تحاول الدعوة إلى التصالح والتسامح من دون نسيان ما حصل. يقال إن الوقت كفيل بتضميد الجروح. والتعافي من آثار الحروب بشكل عام، وتجاوز آلام الماضي مسألة هامة في سبيل بناء مجتمعات أفضل. لا شك أن الحرب بين دولتين تولد تنافراً بين الشعبين، يستمر لما بعد انتهائها. وهو ما حصل بين الكويت والعراق لسنوات. فهل مازال التشنج بين شعبي الدولتين قائماً؟ ليس هناك دراسات أو استطلاعات حديثة للرأي تعطي صورة عن مدى تقبل شعب الكويت اليوم لفكرة التصالح الكامل والحقيقي مع الماضي ومع العراق دولة وشعباً. لكن رصيف22 تحدث مع كويتيين من فئات عمرية مختلفة، حول الموضوع.

كوابيس تتكرر

حتى حين يحاول المرء الابتعاد قليلاً عن الماضي، يعود هذا الماضي ويحاصره من دون سابق إنذار على شكل كوابيس. كتلك التي تراود العقيد ركن المتقاعد، ناصر سلطان سالمين، أحد الأسرى الناجين من المعتقلات العراقية. يحكي سالمين (58 عاماً) عن كوابيسه وخوفه من أن يستيقظ ذات يوم من حلمه، ويجد نفسه في زنزانة خلف قضبان المعتقل العراقي، ويتجدد ألمه كل عام في الثاني من أغسطس. يقول: "فترة الأسر من أصعب الفترات التي عايشها كل أسير كويتي، كانت خليطاً من العذاب والتنكيل". تتغير ملامحه حين يتذكر فراقه لبلده ولأهله حين أسر في الساعات الأولى من الاحتلال، بعدما رفض عرض الجيش العراقي عليه بالهرب وترك موقعه. يضيف سالمين: "تصالح الكويت مع العراق يُعتبر سياسة دول، بحكم علاقة التجاور والأخوة بين البلدين، لكن الأمر بالنسبة إلى الأفراد مختلف. كيف ننسى ونتصالح، وقد محيت الكويت من الخارطة العربية؟ أصبحنا فرعاً ومحافظة للعراق، كنا في الكويت يوم الخميس، يوم الجمعة أصبحنا في العراق. شردوا الأهالي، وزرعوا الخوف في عيون الأطفال. هل من السهل أن ننسى؟ مستحيل". يظهر رفضه للنسيان جلياً في العنوان الذي اختاره لكتابٍ نشره أخيراً: "يوميات أسير كويتي في المعتقلات العراقية - لن ننسى". وفي الكتاب مجموعة مصورة توثق حياته في المعتقل، عذابه وألمه، عبر صور التقطها بآلة تصوير هربها له أهله خلال زيارته في سجنه. الهدف من نشره الكتاب هو تجديد ذكرى الغزو. لكن جلال الشمري(50 عاماً) في المقابل، يرى في أسره "الضارة النافعة"، إذ اكتسب صداقات كثيرة ومتينة أثناء اعتقاله استمر بعضها حتى اليوم. أُسر الشمري من قبل الجيش العراقي عدة مرات، حين كان عسكرياً في وزارة الدفاع، كان شاباً عشرينياً متطوعاً في جمعية الفحيحيل لتزويد المواطنين بما يحتاجونه من ماء وطعام. يقول الشمري: "برغم التعذيب النفسي واحتجاز العديد منا ونقلنا من معتقل إلى آخر في حاويات لكثرة أعدادنا، قابلنا عسكريين عراقيين متعاطفين معنا، معبرين عن الحزن لخوض تلك الحرب ضد الكويت. كان هناك بعض العراقيين الذين يعاملوننا بقسوة، رغم عدم رضى الشعب العراقي عن الغزو الحاصل". وهو يرى أن الشعب الكويتي يتناسى بشكل سريع، وهو ليس الضحية الوحيدة لصدام الذي "أضر شعبه قبل شعبي".

كيف ننسى؟

سياسياً، مرت العلاقة بين الدولتين بمراحل كثيرة منذ العام 1990. بقيت متأزمة وفي شبه قطيعة حتى العام 2003 حينما سقط حكم صدام حسين الذي أمر بغزو الكويت، على يد الأمريكيين. لكن بعض الملفات العالقة بين الدولتين جعلت الطريق وعراً أمام فتح صفحة دبلوماسية جديدة. فبقي أمر تسوية الحدود، وهي الملف العالق منذ الانتداب الإنجليزي. كما يبقى الملف الأكثر حساسية لدى الكويتيين، وهو الأسرى المفقودون في العراق. وتقدر الكويت عددهم بنحو 600، كويتيين ومن جنسيات أخرى. عام 2008 عيّنت الكويت أول سفير لها في العراق منذ الحرب، لتصل بعد ذلك العلاقات الدبلوماسية بين البلدين إلى القمة، حين زار أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد العراق عام 2012 للمرة الأولى منذ 22 عاماً. لكن تبقى بعض الأمور الحساسة بين الطرفين كبناء الكويت لميناء مبارك، الذي علّقت الكويت العمل عليه في الوقت الحالي، لكن بعض المحللين يرى ذلك سبباً في تأزم العلاقات مستقبلاً. تخطي الماضي بالنسبة إلى عهود الشعيبي (47 عاماً) غاية في الصعوبة، فقد قُتل اثنين من اقربائها وهما توأم عشريني، بدم بارد وهما في فراشهما، بينما قُتل أخوهما الثالث وهو في الأسر. الألم مسها عن قرب، كحال الكثير من أهل الكويت. هي لا تتذكر الماضي "حُباً في العذاب". كما تقول: "إنما لتكون الذكرى ميراثاً لأبنائنا وأحفادنا يحافظ عليه الجميع في دولاب الذكريات كي لا نؤمّن لمن خان، ولو قدم نفسه أضحية لنا في أعيادنا". ترى الشعيبي أن التصالح بين العراق والكويت حصل شكلياً، لكن القلوب لا تقبل مصافحة العراقيين، ليس بسبب فعلة صدام فحسب، "فالطمع العراقي قديم وسبق أن تعرضت الكويت لاعتداءات العراق من أيام عبدالسلام عارف". أما عبدالله بوفتين ( 63 عاماً)، فلم يُعجب بطرح سؤال عن فكرة نسيان الماضي. هو يرى أن من يطالب الشعب الكويتي بالنسيان، ويسمي ما حصل "حقبة وانتهت"، لم يكن في يوم من الأيام أخاً لشهيد، ولم يتذوق مرارة أن يتحول انتظار خبر مفرح إلى عزاء. ويضيف: "سأكون حليماً فى ردي، لكن لماذا علينا أن نمد أيدينا إليهم؟ كنا مسالمين، ماذا جنينا؟ الخيانة عندما تأتيك من أي شخص تختلف عن خيانة الأخ لك. هل يستطيع أحد أن يقول لأهالي الشهداء والمفقودين عفا الله عما سلف؟".

تحول الألم إلى قوة

قد تكون فكرة التصالح أكثر سهولة لمن لا يحمل ثقل الذكريات، فبعض الشباب الذين لا يعون تفاصيل الغزو، إنما يعرفون ما قرأوه وسمعوه من أهلهم، يرون أن التصالح بين الشعبين، والتصالح مع الذاكرة هو الخيار الصحي. تعتبر غالية عامر (33 عاماً) أن الكويتيين نجحوا في تحويل يوم مظلم إلى يومٍ يجتمعون فيه للاحتفال بتصالحهم وتسامحهم، ليفتحوا صفحة بيضاء جديدة. وقالت إنه من الجميل أن ننظر إلى الامام، ونتصالح مع العراقيين، خصوصاً أن لدى الكثير من الكويتيين نسباً وأصولاً عراقية. تقول عامر إن العراق يحاول النهوض بعد الحرب التي ضربته، ومن الجميل مساعدته من خلال وجود تبادل تجاري وثقافي بين البلدين. وتضيف: "يجب أن لا نغذي هذا الحقد على شعب لا ذنب له، فكلتا البلدين تشهدان حالياً تحولات سياسية واقتصادية مهمة، قد تتركهما ضعيفتين تجاه التغيرات الخارجية". يرى فهد البصري (27 عاماً) أن التصالح مع الشعب لا يعني نسيان الماضي، فهناك فرق بين تجاوز الحرب وتجاهلها. وهو يرفض محو الذاكرة الجماعية لأهل الكويت، ونسيان معاناتهم وألمهم، لكنه لا يريد أن يعيش الناس في حالة كره. ويقول: "لا نقول ننسى، ولن نقولها، لكن لماذا نحاسب شعباً كاملاً على تهور رئيسه؟ علينا أن لا نجعل قلوبنا مملوءة بالكراهية تجاه من ليس له ذنب، فليس الجميع طالحين".
إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard