شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
هل أصبح شيعة لبنان تابعين لإيران؟

هل أصبح شيعة لبنان تابعين لإيران؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الاثنين 27 يونيو 201607:06 م

ليس ممكناً حصر العلاقة بين شيعة لبنان وإيران بالعلاقة القائمة بين إيران وحزب الله. فالقضية أوسع من ذلك ولها أصولها التاريخية العميقة.

تاريخ قديم للعلاقة

يتفق أغلب الباحثين في التاريخ الشيعي على أهمية الدور الذي لعبه شيعة لبنان في نشر التشيع في بلاد فارس، إذ كان لفقهاء وأئمة جبل عامل (جنوب لبنان) دور أساسي في مساعدة الحكام الصفويين على تثبيت دولتهم الفتية التي نشأت عام 1501 ميلادية. وبرزت أسماء، منها الشيخ بهاء الدين العاملي والمحقق علي بن عبد العالي الكركي، تعاونت مع شاهنشاهات إيران على نشر التشيّع.

فقد استهوت التجربة الصفوية في بدايتها الشيعة المضطهدين في العراق وجبل عامل والبحرين، وذهب العلماء الشيعة إلى إيران ليدعموا تأسيس الدولة الشيعية الوليدة. يقول المفكر الإيراني مرتضى مطهري "إن لفقهاء جبل عامل بتأسيسهم الحوزة الفقهية في أصفهان حقاً كبيراً على ذمة الأمّة الإيرانية".

مرّت العلاقة بين شيعة لبنان وشيعة إيران بمراحل تاريخية عدّة، فبدأت فقهية ودينية ثم تطورت لتأخذ أبعاداً سياسية واجتماعية واقتصادية.

وقال عميد المعهد العالي للدكتوراه والآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية الدكتور طلال عتريسي لرصيف22 إن "الفكرة القائلة بأن شيعة إيران ممتنّون لشيعة لبنان صحيحة لأن مذهب التشيع انتشر بواسطة علماء دين من جبل عامل ذهبوا إلى إيران إبّان العهد الصفوي"، وأضاف: "بعد ذلك لم يعد هناك حاجة لقدوم الفقهاء الشيعة من لبنان لأن التشيع أخذ منحى داخلياً في العهد الصفوي الذي حمل لواء نشر فكر التشيع في إيران".

في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، ضعفت العلاقة بين شيعة لبنان وإيران التي بنت علاقات مع القيادات المسيحية في لبنان. أما شيعة لبنان فقد توجّهوا نحو شيعة النجف، الحاضرة الشيعية الكبرى في العالم. ثم، بعد انتصار الثورة الإسلامية عام 1979، عادت وتوطدت هذه العلاقة بين الطرفين.

النظرة إلى الآخر

ويرى أستاذ العلوم الاجتماعية سعود المولى أن "الإيرانيين لديهم نظرة مميزة تجاه شيعة لبنان بسبب عدم تدخلهم في الحرب التي خاضها صدام حسين بدعم عربي على إيران واستمرت ثماني سنوات".

ويلفت عتريسي إلى أن "نظرة شيعة لبنان إلى شيعة إيران ليس فيها أيّ شعور بالدونية وليست كعلاقة الأب بابنه. فلا يعتبر شيعة لبنان أن إيران هي الأب الروحي لهم، إذ نجد أن الشيعي عندما يذهب إلى إيران ينتقد العديد من المظاهر والسلوكيات الاجتماعية ويجاهر بذلك، كعدم حبه للطعام أو الأزياء أو السينما أو غيرها من أشكال الثقافة الإيرانية"، ويضيف أن "فكرة الارتباط بالولي الفقيه لا تلزم الشيعة في لبنان بالتعامل مع كل الشعب الإيراني على أساس أنه ولي فقيه عليهم".

ويصف عتريسي ثقافة الإيرانيين بأنها "ثقافة عنصرية تجاه العرب"، ويوضح أن "شيعة إيران لا يحبّون العرب، ويمكن القول إن هناك حساسية إيرانية تجاه العرب، وذلك لأسباب عدّة"، ذاكراً أن "الشاه حاول تنقية اللغة الفارسية من المفردات العربية، وهي لغة أكثر من 60% منها مصطلحات عربية، لكنه لم ينجح".

وتابع: "الثقافة الإيرانية معتدة بنفسها ومغلقة على ذاتها والشعب الإيراني غير مستعد للتنازل عن عاداته وتقاليده، فلا تفاعل ثقافي عميق وملحوظ بين شيعة لبنان وشيعة إيران". وبرأيه "إن الشيعة في لبنان على المستوى الثقافي أكثر قرباً من النموذج الغربي منه إلى العربي أو الفارسي"، ملاحظاً "أن العلاقات الاجتماعية نادرة بين شيعة إيران وشيعة لبنان، فلا تزاوج على نطاق واسع بينهم".

علاقة تبعية؟

في ثمانينيات القرن الماضي، كان الإيرانيون يعتقدون أن كل لبنان تابع لحزب الله وذلك بسبب ما كانوا يشاهدونه من شعارات ويتابعونه عبر إعلام حزب الله. ولكن في ما بعد، تغيّرت النظرة عندما بدأوا بالتعامل مع الحكومة اللبنانية وأطراف أخرى بعد اتفاق الطائف.

هذا ما يشير إليه عتريسي ويعلّق: "اتضح لهم أن لبنان ليس كله حزب الله وأن الشيعة ليسوا كلهم حزب الله، فبدأت سياساتهم تتسع لتشمل كل الأطراف اللبنانية الرسمية وغير الرسمية، ولكن من دون التخلي عن العلاقة المميزة والخاصة مع حزب الله".

ويرى أستاذ الفلسفة السياسية في جامعة القديس يوسف باسم الراعي أن ضعف تنظيم القوى الشيعية الأخرى مقارنة بتنظيم حزب الله "أدى إلى تظهير الصورة كما لو أن الحزب يختصر الجماعة الشيعية كلها".

هيمنة إيرانية ثقافية؟

يتحدث سعود المولى عن أبعاد عدّة لتأثر شيعة لبنان ثقافياً واجتماعياً بإيران. ويقول إن "التشادور الأسود النسائي صار من الأشكال البارزة كمدخل للالتزام الديني الصحيح، إضافة إلى اللحية الطويلة المميزة لنسبة كبيرة من الشباب واللهجة الخاصة مع لكنة إيرانية والمراسم العاشورائية بكل ما تتضمنه من شعارات وهتافات وملصقات وأناشيد وضرب على الصدور".

وبرأيه "إن ولاية الفقيه هي ولاية الأمر، وقد عمل الحرس الثوري الإيراني على تفكيك وإعادة تركيب كل العلاقات الشيعية في لبنان منذ الثمانينيات، وسيطر على المجال العام للشيعة في البقاع والجنوب وضواحي بيروت الجنوبية، وتمت عسكرة المجتمع الشيعي من خلال بناء نمط أمني غير مدني ولا شعبي، والتأسيس الكامل لمجتمع ودولة خارج المجتمع والدولة".

ويضرب المولى أمثلة على التوسع الثقافي والاجتماعي لإيران في البيئة الشيعية في لبنان كـ"السيطرة على قطاع التعليم الديني في العديد من المدارس والجامعات، وفرض الفصل بين الجنسين في الصفوف، وتدريس المناهج والبرامج والأفكار الدينية المستقاة من فكر الخميني".

كما يتحدث عن "احتكار الإعلام الديني كقناة المنار والعديد من الإذاعات والجرائد والمجلات الأسبوعية والكتيّبات والنشرات الدورية، وانتشار الأعلام والصور في كل زاوية وفي كل شارع لتسيطر بشكل تام على المجال البصري للمكان والزمان، إضافة إلى حلقات الثقافة الدينية وكشافة المهدي وغيرها من وسائل التربية والتواصل مع الجمهور الشيعي"، مستنتجاً أن هناك "عملية تأطير للوعي الجمعي والذاكرة الجمعية للشيعة اللبنانيين للالتحاق بالنموذج الإيراني".

في المقابل، يرى عتريسي أن الاعتقاد بالولي الفقيه لا يستدعي بالضرورة تأثراً ثقافياً بالبلد الذي يعيش فيه الولي الفقيه، "فمبايعة الولي لا تعني تشبهاً بإيران في المأكل والمشرب والتعليم والملبس والعادات والتقاليد. والواقع يثبت أن هذا لم يحصل وبعض ما شاهدناه من تقليد للثقافة الإيرانية لا يُذكر، كمثل انتشار بعض عناوين المحالّ التجارية باللغة الفارسية باسم "خوش أمديد" وغيرها".

ويضيف "نجد أن معظم المحالّ التجارية في المناطق الشيعية مكتوبة باللغة الإنكليزية، كما أن استهلاك الشيعة للوجبات السريعة ومشاهدتهم أفلام هوليوود السينمائية والاستماع إلى موسيقى الروك والهيب هوب وغيرها مرتفعة جداً، والمناهج التعليمية مستوحاة من الغرب والملابس التركية تغزو السوق اللبنانية. فتقليد الشيعة في لبنان للغرب فاقع".

العلاقة السياسية بين الطرفين

يرى الراعي أن صعود إيران أدى إلى شعور جميع الشيعة في العالم بأن هذه الدولة ستستجيب لتطلّعاتهم، خاصةً أن الشيعة يعتبرون بأنهم ظُلموا تاريخياً، "ومن هذا المنطلق فمن الطبيعي أن تكون العلاقة وطيدة بين جميع الشيعة في العالم مع إيران، لأنها الدولة الشيعية التي تحقق مصالحهم".

فقد فتح انتصار الثورة الإسلامية في إيران آفاقاً جديدة أمام الشيعة، فلأول مرة في العصر الحديث، تأسست دولة لهم. هكذا بدأت علاقة سياسية عبر تأييد بعض شيعة لبنان للثورة الإيرانية. وأدى اجتياح إسرائيل للبنان عام 1982 وإصدار الإمام الخميني فتوى بضرورة الجهاد ضد إسرائيل إلى جذب الشيعة أكثر نحو إيران.

ويعتبر الراعي أن "مبايعة حزب الله للولي الفقيه أدت إلى خلق صورة مبهمة عن علاقته بالدولة الإيرانية، وهذا ما غلّب صورة أن حزب الله فيلق في الدولة الإيرانية".

ويشير المولى إلى أن "إيران لم تتخلص من التفكير الإمبراطوري بنفسها كدولة كبرى ذات مصالح حيوية في الشرق الأوسط، وهذا التفكير هو مرتكَز لسياساتها وإستراتيجيتها من زمن الشاهنشاهات إلى زمن ولاية الفقيه".

ويضيف أن حزب الله صار منذ عام 2005 الممثل السياسي والإيديولوجي والعسكري والاجتماعي الشرعي والوحيد للطائفة الشيعية اللبنانية.

ليس ممكناً حصر العلاقة بين شيعة لبنان وإيران بالعلاقة القائمة بين إيران وحزب الله

أما عتريسي فيفرّق بين الالتزام بقرارات الولي الفقيه وأسس العلاقة بين شيعة لبنان وإيران. ويعتقد "أن تطور العلاقة السياسية لم يأخذ بالشيعة إلى إيران بقدر ما أخذ حزب الله كحزب سياسي وحده إليها، بينما بقيت الأحزاب الأخرى كحركة أمل والمرجعيات الدينية الأخرى كالسيد محمد حسين فضل الله والسيد محمد مهدي شمس الدين والمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، خارج هذا الجذب".

ويتابع:" منذ مطلع التسعينيات، وبسبب الإنجازات التي حققتها المقاومة المتمثلة بحزب الله، بدأ ثقل القرار ينتقل إلى لبنان وأصبح قرار الولي الفقيه في ما خص لبنان سياسياً بيد (الأمين العام لحزب الله) السيد حسن نصر الله. فكل ما له علاقة بالشأن اللبناني الداخلي أصبح قراره ذاتياً ومستقلاً، إلا في الأمور الإستراتيجية".

وبالحديث عن الأمور الإستراتيجية، يرى المولى أن هذه الأمور "تهدد شيعة لبنان وتحوّلهم إلى ملحقين بإيران، فالشيعة في الدول العربية يمثلون ورقة مهمة في يدها تمكّنها من الضغط والتأثير عربياً ودولياً. ويلعب شيعة لبنان الدور الأهم بسبب المقاومة والصراع مع إسرائيل على الحدود الجنوبية للبنان وتدخلهم في الحرب السورية وغيرها من الساحات".

وجزم الراعي:" إذا اختُزلت العلاقة بين شيعة لبنان وإيران ببعدها العسكري واعتُبر أن الانتصار عسكري هو انتصار للثورة الإسلامية ولنظرية الولي الفقيه، فإن هذه الرؤية خطيرة على الشيعة وعلى لبنان في آن واحد".

وختم: "إيران دولة لا يمكن محوها من الخريطة السياسية والجغرافية، ويجب النظر إليها كشريك في البعد الحضاري العالمي. أما ولاية الفقيه فهي مرحلة واحدة فقط، وإيران لا يمكن أن تحكمها مرحلة واحدة في التاريخ".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard