شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
يوميات السوريين مع مهاجري داعش: يتزوجون الخليجيين ولا ينسجمون مع القوقازيين

يوميات السوريين مع مهاجري داعش: يتزوجون الخليجيين ولا ينسجمون مع القوقازيين

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الاثنين 24 أكتوبر 201603:14 م

جاء المهاجرون إلى الشام باحثين عن "المدينة الفاضلة" على الأرض التي أوصى النبي بالهجرة إليها. جاؤوا وفي وجدانهم المهاجرون الأوائل طامحين إلى إعادة بناء ما يعتبرون أنه الدولة الإسلامية الراشدة. أتوا من كل حدب وصوب حاملين هذه المعتقدات والطموحات. وحين استقروا في سوريا وأعلنوا "الدولة الإسلامية" وُلدت علاقات معقّدة بينهم وبين أبناء البلد.

ساعدت البيئة السورية على هذه الهجرة، فالسوري مضياف ومحب للغريب. هكذا كان الحال في الفترة الأولى من عمر الثورة. أكبر السوري هذا الغريب الذي جاء ينصره ضد نظام الاستبداد. ولكن إعلان قيام "الدولة الإسلامية" واشتعال المعارك بين تنظيم داعش والثوار دفع معظم السوريين إلى تغيير نظرتهم لهؤلاء المهاجرين. صاروا يتوجسون منهم، ويفكرون ألف مرة قبل إقامة علاقة مع أحد أفراد التنظيم.

القوقازيون الأشداء

لا يمكن وضع كل المهاجرين في كفة واحدة. فقد تفاوتت درجة الانسجام بينهم وبين السوريين. فالأجانب، ولا سيما أبناء الدول القوقازية جاؤوا مع عائلاتهم، وأولادهم مطلّقين أوطانهم، رابطين مصيرهم بالتنظيم. هذه الفئات هي أكثر الفئات إيماناً بفكرة الخلافة الإسلامية. لم ينجح القوقازيون في التأقلم مع المجتمع السوري. شكلت اللغة عاملاً رئيساً في عدم اندماجهم بالمجتمعات المحلية. كما أن حبهم للجبهات وقلة أوقات فراغهم حالت دون تمكنهم من بناء علاقات مع الناس.

من الملاحظ أن القيادة الميدانية تكون غالباً بيد القوقازيين. يقول الأربعيني أبو ناصر الأنصاري، وهو من عناصر التنظيم السوريين في ريف حلب الشرقي، لرصيف22: "إخوتنا القوقاز يتميزون بإيمانهم، وقدراتهم القتالية العالية، وهم عمليون ويستحقون القيادة في الميدان، ومعظم عمليات الاقتحام تسند إليهم".

أما العلاقات الاجتماعية لزوجاتهم فتكاد تقتصر على أبناء جلدتهم من الأجانب. تقول أم يوسف، وهي معلمة مدرسة من حي الصفا بجرابلس، لرصيف22 عن جيرانها القوقازيين: "هم طيبون، لكنهم انعزاليون، معاركهم مع الثوار جعلتهم يعيشون في خوف دائم من السوريين. فهم لا يسيرون إلا مع أسلحتهم. حتى أثناء إجازاتهم تشعر بأن حالة الحرب مرافقة لهم. قسم كبير من نسائهم لا نعرف وجوههن".

أما عن عن علاقة أولاد هؤلاء بأولاد السوريين، فتقول أم يوسف: "أولادهم يتأقلمون مع أولادنا، لكنهم لا يذهبون إلى المدارس. والجميل أن أولادهم يتعلمون من أولادنا اللهجة المحلية (البدوية)".

الجزراويون "منّا وفينا"

أما المهاجرون العرب فيختلف وضعهم الاجتماعي كثيراً عن وضع الأجانب ولا سيما الخليجيون منهم، أي الجزراويون (أبناء الجزيرة العربية) كما يحبون أن يسموا أنفسهم. فالعادات واحدة واللهجات متقاربة وهذا ساعد على اندماجهم في المجتمع.

بالإضافة إلى ذلك، يتميز الخليجيون عموماً بالغنى المادي أو بتلقيهم دعماً مباشراً من ذويهم أو ممن يحملون فكرهم في دولهم. يقول المدرس محمود، وهو أحد أبناء مدينة جرابلس، لرصيف22: "الخليجيون أكثر اندماجاً في المجتمع السوري، ويعود ذلك للطبيعة القبلية المشتركة بيننا فأنت لا تكاد تميزهم عن أبناء البلد. كما لعبت المصاهرة دوراً كبيراً في التقارب. ومعظمهم ينتمي إلى عشائر وقبائل لها امتداد في سوريا كشُمّر وبني خالد".

الخليجيون أو الجزراويون هم أكثر المهاجرين احتكاكاً بالسوريين. لذلك، فإن أكثر الزيجات التي جمعت سوريات بمهاجرين كانت مع أبناء هذه الفئة. وساهمت المصاهرات باندماج كثير منهم إلى حد بعيد في المجتمع السوري، خاصة أنّ معظم المصاهرات تتم بين المنتسبين للتنظيم وبين بنات السوريين المؤمنين بفكر التنظيم، أي الأنصار.

يعد الجزراويون العقل الإداري والشرعي لداعش. فهم متضلعون من العلوم الشرعية من  قرآن وفقه وحديث أكثر من غيرهم. لذلك، يشرفون على أغلب الدوائر الشرعية والخدماتية والإدارية للتنظيم.

يعود القرار في كل الدوائر إلى "الشرعي" بالدرجة الأولى. فتنظيم "الدولة الإسلامية" أنشأ دوائر تابعة له في المؤسسات وعلى رأس كل دائرة وضع "شرعياً" مهمته تسيير شؤون المؤسسة. وما المدير والموظفون إلا بيادق بين أيديهم. هذا الواقع وضع عناصر التنظيم الجزراويين على احتكاك دائم بالمواطنين. حول هذه النقطة يقول المدرّس محمود: "يشرف الخليجيون على الدورات الشرعية وعلى المحاكم. احتكاكهم اليومي بالسوريين جعل كثيراً منهم على معرفة بأوضاع هؤلاء أكثر  من السوريين أنفسهم".

المغاربة الأجانب

أما بقية المهاجرين من العرب، أي المغاربة الآتون من تونس والمغرب وليبيا بشكل خاص، فيكاد وضعهم يشبه وضع الأجانب. يتميزون بقلة العلم الشرعي مقارنة مع الجزراويين، ويشتركون مع الأجانب في قلة الكلام والشجاعة على أرض المعارك.

لكن ذلك لا يعني انعدام العلاقات الاجتماعية بينهم وبين السوريين. كل ما في الأمر أنهم يأتون في المرتبة الثانية. تروي أم قصي، وهي ربّة منزل من مدينة الخفسة، قصة زواج شرعي مغربي بإحدى بنات مدينتها. تقول: "جارتنا أم المعتصم زوجت ابنتها إلى مهاجر مغربي يعمل شرعياً لدى الدولة وقام قبل فترة بالإشراف على دورات شرعية للمدرسين في منطقتنا". وتتابع: "لو كنت مكان أهلها لما ألقيت بابنتي في المجهول، رغم ما يُحكى عن كياسة الرجل وصيته الحسن". وتضيف: "هؤلاء (المهاجرون) قد يعودون إلى بلادهم، ويتركون بناتنا، كما أن مصيرهم مجهول بسبب الحرب".

العازبون والأرامل

الشريحة السورية غير المنتسبة للتنظيم وغير المتعاطفة معه لا تزال ترفض كل محاولات التقارب مع المهاجرين. هذه الشريحة تشكل الفئة الأوسع.

تندر حالات زواج المهاجرين الذين قدموا إلى سوريا مع أسرهم بالسوريات. أما العازبون منهم فقد كانوا يعودون إلى مقارّ التنظيم أثناء إجازاتهم قبل بدء ضربات التحالف. لكن بعد اشتعال جبهة كوباني (عين العرب)، انشغل هؤلاء أكثر بالجبهات وعدد قليل منهم استأجر بيوتاً ليمضي فيها أوقات الإجازة.

بالعودة إلى مسألة التزاوج، شهدت سوريا حالات زواج أرامل مقاتلين قتلوا خلال المعارك بمقاتلين آخرين. وهذا ما حصل مع أم البراء القوقازية التي تزوجت من أبي عبدالله الجزراوي بعد مقتل زوجها في معارك دير الزور بداية السنة الجارية.

التجارة توحّد

ولعل أفضل علاقة نشأت بين المهاجرين والسوريين هي في الأسواق والمحالّ التجارية ومحالّ الاتصالات والمطاعم. يدفع المهاجرون بسخاء، ولاسيما الخليجيون منهم. سمحت هذه العلاقات بوجود نوع من علاقات التعارف التي لم تصل إلى درجة الصداقة.

يقول أبو أحمد، صاحب محل انترنت في مدينة الباب: "خصصت للمهاجرين اشتراكاً خاصاً. فهم يطلبون اتصالاً سريعاً عبر الانترنت ومستعدون للدفع، ولا يناقشون التسعيرة إطلاقاً". أما أبو محمود، صاحب محل مشاوٍ في المدينة نفسها، فيقول: "المهاجرون حرّكوا التجارة في الأسواق، حتى إن أرباحنا تضاعفت مع دخولهم. فهم يدفعون بسخاء. وفي وقت الظهيرة يكون معظم رواد المطعم من المهاجرين العازبين". ينظر أبو محمود إلى سيارة مركونة بجانب مطعمه الصغير ويعلّق: "هذه السيارة مخصصة لتوصيل طلبات عناصر التنظيم إلى مقراتهم".

الحسبة مصدر قلق السوريين

من الأمور اللافتة أن السوريين، وعلى الرغم من قلة الاحتكاك بهم، يقدرون ويحترمون القوقازيين ويفضلونهم على غيرهم. وربما يكون السبب انطواء الأخيرين وابتعادهم عن التدخل في تفاصيل حياة الناس اليومية. يمتعض السوريون من القواعد التي تعمل "الحسبة"، أي هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأعضاؤها هم بمعظمهم من العرب، حسب ما يعتقدون.

يتحدث أبو فراس، وهو معلّم ألمنيوم، عن التأثير السيّىء لتصرفات الحسبة على كثير من الناس. ويقول: "هم يحاسبون الناس على كل شاردة وواردة، حتى إنهم حاسبوني مرة لأنني كنت أرتدي بنطالاً طويلاً وهذا في رأيهم حرام". ويضيف:  "مثل هذه الأمور جعل الناس تنفر منهم، على عكس الأجانب الذين يتميزون بابتساماتهم اللطيفة، وعدم تدخلهم نهائياً بحياتنا وأسلوبها".

لا تختلف طريقة تعامل المهاجرين العرب في تطبيق الشريعة على الناس عن طريقة تعامل الأنصار (السوريين). يروي المدرس أحمد، من مدينة منبج، حادثة طريفة. يقول: "كنت أمام بيتي في وقت الصلاة، فإذا بسيارة الحسبة أمامي. تسمرت في مكاني. قال لي أحدهم وهو سعودي الجنسية لماذا لست في المسجد. فارتبكت. طلب مني قراءة التحيات (كلام يقرأ في الصلاة). من خوفي لم أقرأها بالشكل الصحيح. اعتقلوني بضعة أيام ثم فرضوا عليّ حضور دروس شرعية مدة شهر في الجامع الكبير". ويضيف أحمد: "أكثر من نصف المعتقلين معي لم يكونوا يحفظون التحيات".

ويقول أبو محمد، من ريف منبج الشرقي: "أحياناً يعتقلون نساء في مناطق عشائرية لمخالفتهنّ اللباس الشرعي". ويروي واقعة حدثت في ريف منبج الشرقي، في إحدى قرى عشيرة البوبنة، حيث حاول عناصر التنظيم اعتقال فتاة لم تلتزم باللباس الشرعي فجرى تبادل لإطلاق الرصاص بين سيارة التنظيم وبين أهل القرية فقُتل أحد عناصر التنظيم وهو من المهاجرين العرب كما قتل شاب من القرية.

يشعر السوريون أن عناصر التنظيم المهاجرين لهم مكانة أعلى من مكانة الأنصار. ربما تلعب الثقة دوراً كبيراً في هذا الأمر، فأغلب المهاجرين يُعتبرون موضع ثقة، في حين تثار الشكوك حول الأنصار. لكن المنتسبين للتنظيم ينفون ذلك. يقول أبو ناصر الأنصاري: "ما يثيره الإعلام مجرد أكاذيب، فنحن نعيش كعائلة واحدة، ولا فرق بين الأمير والعنصر، والأمير يتقدمنا أثناء المعارك ويكون في الصفوف الأمامية ويعرّض نفسه لأشدّ المخاطر".

رغم ما يردّده أنصار تنظيم "الدولة الإسلامية" عن عدم التمييز بين عرق وقومية، وعن أن المعيار الوحيد للترقّي هو التقوى والجهاد، فإننا نجد أن الواقع يخالف ذلك. فالمهاجرون، دعامة التنظيم ونواته الصلبة، لم يستطيعوا الاندماج بالمجتمع. وأبناء المجتمع عموماً ما زالوا غير متقبلين لهم.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard