شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
أنتم تشبهون أقرب 5 أشخاص من حولكم... مع من تقضون أوقاتكم؟

أنتم تشبهون أقرب 5 أشخاص من حولكم... مع من تقضون أوقاتكم؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 3 يناير 201805:10 م
"وصاحب تقياً عالماً تنتفع به.. فصحبة أهل الخير ترجى وتطلبُ وأحذر معاشرة الدنيء فإنها.. تُعدي كما يُعدي الصحيح الأجربُ واختر صديقك واصطفيه مفاخراً.. إن القرين إلى المُقارن ينسبُ" الإمام علي بن أبي طالب. "أنت تشبه أقرب 5 أشخاص حولك". قرأت هذه الجملة ذات مرة، وجذبتني رسالتها كثيراً، ثم انتابني الفضول وقررت أن أبحث عما وراءها بعمق. ربما قرأتم عن أهمية اختيار أصدقائكم، أو سمعتم العديد من المواعظ الدينية أو نصائح خبراء التنمية البشرية، عن ضرورة انتقاء من يحيطون بك، سواء كانوا أصدقاء، زملاء عمل، أو شريك حياة. فـ"المرء على دين خليله"، في الحديث النبوي، والأنشودة تقول: "يوزن المرء بمن صاحب واختار ولياً". حتى الثقافة العربية المتوارثة والأمثال الشعبية، تولي أهمية عظيمة لاختيار الرفقاء، فنسمع أمثالاً من قبيل "الجار قبل الدار"، "الرفيق قبل الطريق"، الصديق وقت الضيق". via GIPHY لكن هل سمعتم عن رأي العلم في تأثير الأصدقاء عليكم؟ العديد من الأبحاث والدراسات أكدت تأثيرهم بعمق على صحتكم النفسية والجسمانية، بل يمكن لأصدقائكم أن يغيروا مجرى حياتكم بالكامل. تعالوا لنعرف كيف.

الصداقة ومفهوم الدعم الاجتماعي

من المعروف أن إحدى الوظائف الهامة للأصدقاء الجيدين هي "الدعم الاجتماعي". فحين نمر بضائقة أو موقف يصعب علينا تخطيهما، يكون للأصدقاء دور كبير في الموازرة وتخفيف الضغوط حتى عبور الأوقات العصيبة التي نمر بها. تقول دراسة منشورة في مجلة "الرأي الحالي في الطب النفسي"، بعنوان "تأثير الدعم الاجتماعي والعاطفي على الصحة"، إن الدعم الاجتماعي له مستويات عديدة، منها العاطفي أو الشعوري، أو الفعلي العقلاني. فمن الممكن أن يتعاطف معكم صديقكم بمجرد الكلمات، وهذا سيكون له أثر في تخطي المواقف الصعبة بالطبع، لكن هناك من يفضّلون إعطاء دعم فعلي، بمعنى المساعدة في حل المشكلة نفسها، عن طريق التفكير المنطقي بها، وليس مجرد تهدئة مشاعر من يمر بها. via GIPHY إيمان عماد، الباحثة المتخصصة في علم النفس، توضح لرصيف22 أن الدعم النفسي والاجتماعي له تأثير كبير في تخطي الفرد لجميع الصعوبات وضغوط الحياة المختلفة، فالعلاج النفسي بحد ذاته يعد نوعاً من أنواع الدعم العلمي المتخصص، ولا يؤتي ثماره على الشخص من دون توافر مصادر دعم أخرى، ومن أهمها الأصدقاء، وفي أحيان أخرى بيئة العمل. وتشير عماد إلى أن مرضى الإدمان لا يمكن أن يتماثلوا للشفاء عن طريق العلاج النفسي فقط، فهم بحاجة شديدة إلى مساندة أسرية، وأصدقاء جدد يساعدونهم في تخطي صعوبات الانتكاس مرة أخرى. ويفرّق الباحثون في الدراسة السابقة، بين عدة مستويات من استقبال الدعم الاجتماعي، فالوعي بالدعم ذاته يعمل على زيادة تأثيره، والعديد من الناس يتلقون دعماً من شخص أو ينخرطون في علاقات وهم غير واعين مدى تأثير ذلك عليهم، أو لا يبالون بمشاعر وأفكار الآخرين، وبهذا يقللون من فاعلية الدعم والترابط. فالإدراك والوعي بالدعم في هذه الحالة يعتبران جزءاً هاماً جداً من عملية استقباله وتأثيره عليك. وفرّق الباحثون أيضاً بين نوعية العلاقات وتأثيرها. فمن الممكن أن تصادفوا شخصاً اجتماعياً للغاية ويمتلك العديد من العلاقات، لكنه يعتقد أن الأصدقاء مُجرد درجات سلم وُضعت ليرتقي عليها للوصول لما يريد، وعلى الجانب الآخر يمكن أن تحكم على شخص آخر بأن علاقاته أقل أو يبدو انطوائياً، بالرغم من اعتقاده بأهمية الآخرين، وبالتالي ينخرط معهم في علاقات حقيقيّة وراسخة أكثر. الأمر لا يُقدر بعدد العلاقات، لكن بمدى عمقها وصدقها أيضاً وهذا هو الأهم.

تأثير أصدقائكم على تفكيركم

تشير عماد إلى أن جميع الكائنات التي تمتلك جهازاً عصبياً بسيطاً أو مركباً، تكتسب مهارات جديدة وتتوافق مع البيئة من خلال التعلم بالمحاكاة أو التقليد، وهو ما تؤكده نظريات التعلم بالنمذجة، ثم يكتسب الإنسان عبر مراحل حياته المختلفة العادات والتقاليد من المحيطين به، ويساهم الأصدقاء بشكل خاص في تكوين هذه العادات أو تغيير عادات أخرى. من هنا، ينشأ التأثير المهم للأصدقاء، وفي بعض الأحيان يجب عليكم أن تحاكوا وتتبنوا أفكار مجموعة ما من الأفراد ليقبلوا بكم اجتماعياً، ويظهر ذلك بوضوح في الجماعات ذات الأهداف الأكبر مثل الجماعات الدينية أو المسلحة أو الأحزاب السياسية. via GIPHY ويرى الاختصاصي النفسي محمد إيهاب أن تأثير الأصدقاء يعتمد على درجة اعتماد الشخص عليهم، فلو كان الاعتماد كبيراً سيكون التأثير كبيراً سواء كان سلبياً أم إيجابياً، والعكس صحيح أيضاً. ويرجع سبب التأثيرات السلبية إلى غياب المساحة الشخصية في كثير من العلاقات في مجتمعنا العربي، فالصديق يفترض أن يعرف كل شيء عن صديقه، وإن لم يخبره بأدق تفاصيل حياته يبدأ بإلقاء اللوم عليه، وهذه النوعية من العلاقات أصبحت اتفاقاً صامتاً على التدخل في حريات وخصوصيات الآخرين، ومن يخرج عن هذا الاتفاق يعتبر خائناً للثقة. ويشير إلى أن تغيير العادات بسبب التفاعل مع الأصدقاء يتم في حالين، أولهما عند الاقتناع العقلي بفعل ما لصديق، فيقلده صديقه، والثاني يمكن أن يكون لا إرادياً ويرتبط بظاهرة نفسية واجتماعية تسمى المجاراة الاجتماعية "Social Conformity"، وهي تعني أن يغيّر الفرد سلوكه أو معتقداته نتيجة ضغط يمارس عليه من قبل الجماعة المحيطة: "الأصدقاء"، وأحياناً لا يُمارَس ضغط فعلي عليه، لكنه يعتقد أن أصدقاءه لن يتقبلوه إلا إذا أحدث بعض التغييرات في سلوكه أو في معتقداته، وهو ما يمكن تسميته أحياناً بـ"الأعراف والمعايير الاجتماعية"، وهي متعددة ومعقدة في عالمنا العربي. via GIPHY "زيادة ضغوط الأصدقاء تؤدي إلى فقدان الفرد لشخصيته وفرديته" يقول إيهاب، ويؤكد أن الشعور بضغط دائم من الأصدقاء يؤدي إما لمسح شخصية الفرد، أو انعزاله واغترابه، وبالتالي فقدانه المساندة الاجتماعية اللازمة لتخطيه بعض المواقف الصعبة في الحياة. ويحذر إيهاب من خطورة تغيّر معتقدات الفرد تجاه الآخرين، نتيجة المرور بخبرة سيئة. فالخبرة السيئة تؤدي إلى تعميمات مَرَضيَّة، مثل أن "جميع الأفراد سيئون وغير متفهمين لمشاعري"، أو "أنه كُتب عليه عدم تفهم الآخرين له ولمعاناته"، وكل هذه التعميمات تمنعه من إقامة علاقات اجتماعية سويّة، وقد تؤدي به إلى اعتزال الآخرين وربما الاكتئاب.

هل ينتقدكم صديقكم دائماً؟

وفي ما يتعلق بالتأثيرات النفسيّة، والانتقاد المستمر، توضح عماد أن تعمّد بعض الأصدقاء التقليل من ثقة أصدقائهم بأنفسهم، يترك آثاراً سلبية كبيرة على الفرد، فهم من يكونون صورتنا عن ذواتنا، ويبرز ذلك بشكل كبير في مرحلة المراهقة، حين يبدأ الفرد بتكوين صورته الذاتية عن نفسه وفقاً لما يتلقاه من أصدقائه. كما أن معظم المشكلات التي يتعرض لها الشباب، تعود بشكل رئيسي إلى نوعية التعليقات والأحاديث التي يتلقونها من أصدقائهم، وهذا يساهم في تشكيل سلوك وأفكار الفرد لاحقاً، سواء بالإيجاب أو السلب، وفقاً لطبيعة تعليقات أصدقائه وديناميات التفاعل بينهم. وتكشف الدراسة التي بحثت في تأثير الدعم الاجتماعي والعاطفي على الصحة الجسدية، عن ارتباط الدعم الاجتماعي بالعمليات النفسية الداخلية لدى الفرد، والتي تكون مسبباً رئيسياً لبعض الأمراض العضوية، وهو ما يعرف طبياً بالأمراض "النفس جسمية". واستعرضوا في دراستهم 81 حالة، كشفت عن أن التفاعل الاجتماعي كان له فوائد وتأثيرات عديدة على عمل القلب والأوعية الدموية، والمناعة أيضاً. كما توصل الباحثون إلى إمكانية وجود مسببات تربط السلوكيات المتعلقة بالصحة العامة للفرد وعادات أصدقائه، فالشخص الذي يرتبط بأصدقاء مدخنين غالباً ما يبدأ التدخين بعد مرور فترة من الوقت، تطول أو تقصر اعتماداً على عوامل أخرى، والأصدقاء الذين يتعودون السهر ليلاً في الغالب يعتاد السهر مثلهم. وعلى النقيض من الاعتقاد السائد، بأن الدعم العاطفي يأتي في المرتبة الأولى لتخطي فترات التوتر وصعوبات الحياة، كان الدعم العاطفي من العوامل التي جاءت في مرتبة متأخرة مقارنة بالدعم الاجتماعي من الأصدقاء، فصديقكم ربما يؤثر عليكم أكثر من حبيبكم، بحسب الدراسة.

via GIPHY

عدو على هيئة صديق

بينما كشف بحث آخر نُشر في "مجلة علم النفس الاجتماعي والسريري" أن التفاعل والنقاش بين الأصدقاء من الجنس نفسه يلعب دوراً هاماً في تخفيف الضغوط، خصوصاً في المواقف الصعبة، التي ينتج عنها تأثيرات سلبية كبيرة. وكان للتعامل مع الأصدقاء من الجنس نفسه تأثير على تقليل مستويات الاكتئاب والعدائية، لكنه لم يقلل مشاعر الخوف والقلق. التفاعل مع الآخرين وتكوين صداقات متعددة، ربما يمنعان الوقوع في دائرة الضغوط والإجهاد، لكن هذا يعتمد على نوعية العلاقة، اسألوا نفسكم هل يصدّر لكم صديقكم دعماً فعلياً أم مزيداً من السلبية والإحباط؟ هل هو عدو على هيئة صديق أم صديق حقيقي؟ هل يتملقكم ويوافقكم على كل شيء، أم حقاً يكون صديقكم الذي صَدقَكم لا من صدَّقكم؟ ربما يصدّر لكم أحد أصدقائكم معلومات تبدو داعمة ومؤيدة، بينما هي في حقيقة الأمر تهدف للإجهاز عليكم، ويمكن لصديقكم أن يتظاهر بالمعرفة أمامكم بهدف السيطرة عليكم وتحجيم قدراتكم ونظرتكم لنفسكم، وهو ما يمكن أن ينعكس على رؤيتكم للأمور ومستويات تطوير قدراتكم ووعيكم بالعالم، وانخراطكم في العمل والحياة من حولكم. لذا يقولون "اِحذر عدوك مرة واحذر صديقك ألف مرة".

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard