شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
ما وراء

ما وراء "الديجافو"... لماذا نشعر بأن بعض أحداث الحاضر وقعت في الماضي؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

السبت 26 أغسطس 201708:03 ص
هل مر بكم حدث أو موقف ما وشعرتم بأنكم قد عايشتموه من قبل، وأن ما ترونه أمامكم في الحاضر، رأيتوه في الماضي بشخوصه وتفاصيله كافة دون أن تتذكروا متى وأين وكيف حدث؟ إنه الديجافو، تلك الكلمة الفرنسية التي تشير إلى ظاهرة وهم الرؤية المسبقة لبعض ما يمر بنا من حوادث. تفسيرات متعددة ودراسات علمية تناولت هذه الظاهرة التي يمر بها معظم الناس، بخاصة في فترات المراهقة والشباب، ولم تستطع أن تحسم الجدال حول ماهية الديجافو وأسبابه. هل هي تعبير عن خلل في وظائف الذاكرة أم مجرد فوارق في تلقي المعلومة بين فصي المخ، أو اضطراب في عمل الحواس؟ هل هي أحلام الماضي المنسية تحصل مصادفة على أرض الواقع، أم أنها بحسب تفسيرات الباراسيكولوجي "ما وراء الطبيعة" التي تعزو الديجافو إلى حوادث عشناها بالفعل في الماضي في طور آخر غير الطور البشري الذي نحياه.

تجارب ذاتية

يروي مهندس الكمبيوتر أحمد عيسى، 37 عاماً، أن هذه الظاهرة تكررت معه خلال سنوات عمره الماضية كثيراً، فعندما كان يمر بموقف ما يشعر بأنه حدث معه من قبل ويكمل تفاصيله، لكنها لم تعد تتكرر معه حالياً، موضحاً أنه حين كان يتعرض لهذه الظاهرة كان يشعر بأنه يعيش حلماً وأن الموقف الذي يحدث أمامه يشعر بأنه رآه من قبل بشخوصه وتفاصيله. لكن عيسى الذي لا يعرف اسم ظاهرة الديجافو التي يتعرض لها ولا يعلم تفسيرها العلمي ولا كيف تحدث، لا يتذكر الآن أياً من تلك المواقف التي شعر بأنه عايشها في حياته مرتين. وتتذكر زينب ياسين، رئيسة قسم الدعم الفني في أحد مراكز الأبحاث الإعلامية المصرية، 35 عاماً، عندما كانت في مدرستها وكان مدرس الرياضيات يكتب إحدى مسائل الجبر أو الهندسة، كيف كانت تشعر بأن تلك المسألة الرياضية قد تم حلها من قبل بالخطوات نفسها والنتيجة ذاتها، وتقول زينب إنها كانت تستغرب حينذاك كيف كانت تعرف الإجابة من دون أن يكون المعلم قد طرح المسألة أمامها من قبل. ولا تستطيع زينب التي لا تعرف شيئاً هي الأخرى عن مسمى الديجافو، أن تفرق بينها وبين غيرها من الظواهر النفسية كالتخاطر والتوق.

تفسيرات متعددة

يوضح الدكتور شريف أبو فرحة، الكاتب والمحاضر في علوم التنمية البشرية والبرمجة العصبية، أن الديجافو ظاهرة تطرق إليها علماء كثر من خلال دراسات نظرية كثيرة من دون أي دليل مادي وعلمي محسوس. لكن التفسير الذي يقبله العقل والمنطق لظاهرة الديجافو أن المخ يتلقى المعلومات والمؤثرات الخارجية في لحظة انشغال أو إرهاق ذهني وعصبي، فيتلقاها أحد فصي المخ قبل الفص الآخر بأجزاء من الثانية، ونتيجة الاختلاف في توقيت وصول المعلومة إلى فصي المخ معاً ووصولها مرتين، يتهيأ للإنسان أن ما يراه حدثٌ قديم ويشعر، عكس الواقع، بأنه مر معه من قبل، بحسب أبو فرحة. هذه الظاهرة، برأيه، مرتبطة بسرعة انتقال الأفكار بين خلايا المخ التي تصل بعض تقديراتها إلى 180 ميلاً في الثانية الواحدة، ونتيجة السرعة الشديدة لانتقال الأفكار داخل الدماغ البشري، فإن الأجزاء من الثانية التي يتلقى فيها أحد فصي المخ المعلومات قبل الآخر في بعض الأوقات، هو ما يجعلنا نشعر بهذه الظاهرة.
تفسيرات متعددة ودراسات علمية كثيرة تناولت ظاهرة الديجافو التي يمر بها معظم الناس.. ماذا تقول؟
الديجافو، الكلمة الفرنسية التي تشير إلى وهم الرؤية المسبقة لبعض ما يمر بنا من حوادث... ما تفسيرها العلمي؟
ويطمئن أبو فرحة من يمرون بها إلى أنها لا تمثل خللاً على الإطلاق سواء في المخ أو في الذاكرة أو في الإدراك، وإنما تتكرر نتيجة الإرهاق الذهني وقلة النوم. وتختلف الديجافو عن ظاهرة التخاطر والمشاركة في الأفكار بين عدد من الأشخاص، كما تختلف أيضاً عن الحاسة السادسة التي تمثل سرعة الدماغ في ربط الظواهر والخروج بنتيجة متوقعة، نتيجة نشاط اللاوعي عند بعض الناس. والديجافو ظاهرة ربما يمر بها الجميع، لكنها تنتشر أكثر عند صغار السن، خصوصاً في فترات المراهقة لأن الإنسان في تلك الفترة يكون نشاطه الذهني أعلى وغير منظم واستجابته للمؤثرات تتم بشكل أسرع، ولكن كلما تقدم الإنسان في السن قل عنده تكرار هذه الظاهرة، حيث يتسم نشاطه الذهني بالتنظيم والبطء.

شعور ذاتي

الدكتور عبدالمنعم شحاته، الأستاذ في علم النفس في جامعة المنوفية المصرية، قال إن "الديجافو" شعور ذاتي بانطباع غير مناسب بأن الموقف الذي يمر به الفرد،الذي يقابله، مألوف، أي سبقت رؤيته. وقد يكون مصدر هذا الشعور تذكراً فائقاً لخبرة عاشها بعض الأفراد من قبل وتم نسيان زمانها ومكانها، وقد يكون مصدره أيضاً معاناة الفرد درجة من الاضطراب النفسي تراوح بين أحلام اليقظة والهلوسة (بوصفها عرضاً لأمراض نفسية عدة أو نتاجاً لتعاطي أدوية معينة ومخدرات)؛ إذ عبّر مرضى بالصرع والفصام والاكتئاب والقلق عن هذا الشعور. ويرى بعض الباحثين أنه قد ينتج عن حال الخوف الشديد، وبشكل موقت، أي يختفي الشعور بزوال الخوف. و "الديجافو"، من وجهة نظر التحليل النفسي، تعبير عن رغبة قوية في تكرار خبرة ماضية، بينما يعزوها علماء الأعصاب إلى ضعف التواؤم بين نصفي القشرة المخية. أما المختصّون بعلم النفس المعرفي فيرجعون الظاهرة إلى ما وراء الذاكرة، فيما يظنها بعض الناس قدرة خارقة تعد موضوعاً "للباراسيكولوجي".

التفسير العلمي

تبيّن الدكتورة عطيات أبو العنين، الكاتبة والأستاذة في علم النفس في جامعة القاهرة، أن التفسير العلمي لهذه الظاهرة يصفها بأنها وهم سبق الرؤية الذي ينتج من عدم توافق زمني في تسجيل الحوادث في نصفي الدماغ الأيسر والأيمن، وذلك نتيجة خلل موقت ولحظي في الأعصاب المسؤولة عن الذاكرة البعيدة والذاكرة الطويلة، وارتباك في تسلسل الذكريات، فيحصل أن تنتقل الحوادث الحاضرة مباشرة إلى الذاكرة البعيدة، فيُهيأ للإنسان أن الموقف الماثل أمامه قد حصل من قبل من دون أن يستطيع أن يحدد متى وأين؟ وهناك تفسير يتعلق بالرؤية يشير إلى أن إحدى العينين يمكن أن تقع على الحدث قبل الأخرى فتنشأ هذه الظاهرة، لكن هذا التفسير لقي انتقادات بسبب تدخل الحواس الأخرى، كإحساس أحد الأشخاص بأن أحداً ما قد ضربه على يده اليمنى من قبل، أو حدوث الظاهرة لأناس لا يرون إلا بعين واحدة. كما أن تفسيراً آخر يتعلق بالذكريات الماضية الشبيهة بالموقف الحاضر التي يتم تخزينها في اللاوعي، ويجري تحفيزها من خلال المواقف القريبة منها، فتشعرنا بأن ما يحدث أمامنا قد حصل من قبل، وهناك من يربطها بالأحلام التي يمكن أن يراها الإنسان في نومه وينساها سريعاً، فتتكرر أمامه على أرض الواقع، فيظن أنه رآها مسبقاً. في مقابل التفسير العلمي، فإن علماء الباراسيكولوجي يقولون إن الديجافو تتعلق بحوادث ماضية عشناها بالفعل قبل مجيئنا إلى الحياة الدنيا في هيئتنا الحالية. وتطمئن الدكتورة أبو العينين من يتعرضون لهذه الظاهرة إلى أنها لا ترتبط على الإطلاق بأي مرض نفسي، مشيرةً إلى فشل بعض العلماء في الربط بين الديجافو وبعض الأمراض النفسية، كالفصام في الشخصية والقلق.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard