شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
حياة غريبة لقطاع من نساء مصر...

حياة غريبة لقطاع من نساء مصر... "الخارجات في سبيل الله"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 8 أغسطس 201710:09 ص
لا تغادر السيدة المصرية رحمة م. بيتها طوال العام إلا مرات قليلة. في بعض هذه المرات تغادره برفقة زوجها لقضاء ثلاثة أيام في ما يعرف باسم "الخروج في سبيل الله". ترتدي الزوجة البالغة من العمر 37 عاماً الزي الأسود بالكامل. لا يظهر منها إلا عيناها، وتغادر قريتها التابعة لمركز العياط بمحافظة الجيزة، متوجهة مع الزوج إلى قرية مجاورة حيث تقيم مع سيدات أخريات في منزل أحد شيوخ جماعة "التبليغ والدعوة" طوال الأيام الثلاثة. يلتزم الزوج مع زملائه المسجد المدة نفسها، مع المغادرة بين الصلوات والمرور بالمسلمين المقيمين في محيط المسجد، في بيوتهم وفي المقاهي والمحالّ، لدعوتهم إلى الالتزام الديني وخوض تجربة "الخروج" مع الجماعة. ويُعدّ "الخروج في سبيل الله" ركناً مهماً لدى جماعة "التبليغ"، وهو مصطلح يطلق على الأيام التي يقضيها الأعضاء بعيداً عن منازلهم، وهي ثلاثة أيام كل شهر أو أربعون يوماً في السنة وربما أربعة أشهر، بهدف "الدعوة إلى الله وأمر الناس بالمعروف". يقول الباحث في الحركات الإسلامية ماهر فرغلي لرصيف22 إن هذه الجماعة التي تركز على "الاعتكاف في المساجد ودعوة المسلمين إلى الالتزام الديني" نشأت في الهند على يد الشيخ محمد إلياس الكاندهلوي عام 1926، وانتشرت منها إلى باكستان وبنغلادش التي يقام فيهما المؤتمر السنوي للجماعة ويحضره الملايين من مختلف دول العالم. أما في مصر، فقد أسسها الشيخ إبراهيم عزت أواخر ستينيات القرن الماضي، وهو داعية كان في الأصل منتمياً لجماعة الإخوان، وانطلقت من مسجد أنس بن مالك في منطقة الحوامدية بمحافظة الجيزة.

ذوات الرداء الأسود

باللباس الأسود، تمكث رحمة برفقة ما بين 15 إلى 30 سيدة، هنّ من المنتميات إلى الجماعة في المنزل الذي يشترط أن يكون خالياً من الرجال، ولا يغادرنه طوال مدة الخروج. وتقضي هؤلاء السيدات وقتهنّ في التعبد والتقرب إلى الله بقراءة القرآن وعقد حلقات ذكر، بحسب ما توضح رحمة لرصيف22، وتضيف: "نشحن طاقتنا الإيمانية في هذه الساعات التي نقضيها بطاعة لله، ولا نخرج لأي غرض، إلا للمرض الشديد، وكل الموجودات هنا زوجات أو أخوات أو أمهات الإخوة المعتكفين في المسجد مع زوجي". تترك الزوجة أبناءها الثلاثة، أصغرهم عمره أربع سنوات، لدى جدتهم، معتبرة أنهم قادرون على تحمل غياب الأم والأب في هذه المدة. "هم مطيعون ومتعودون على منزل جدتهم"، تقول. يبدأ يوم النساء في أيام "الخروج" بصلاة الفجر. يقمن صلاة التهجد كل واحدة بمفردها، "فلا صلاة جماعية للنساء ما دام ليس هنالك رجل يؤمهن"، ثم يؤدين الفجر، وفق شيماء ع، سيدة أخرى تنتمي إلى "التبليغ". توضح لرصيف22 طقوس الأيام الثلاثة بقولها: "بعد الفجر، نجلس لقراءة القرآن حتى تشرق الشمس ونؤدي صلاة الضحى وبعدها مسموح لمَن تريد مواصلة المدارسة أو قراءة القرآن أن تفعل ومن تريد النوم فلها ذلك أيضاً". قبل الظهر يكون جميع المشاركات قد استيقظن وتناولن الإفطار الذي يشتريه أحد الرجال ويرسله إليهن. وبعد أداء فريضة الظهر، تتولى اثنتان منهن إعداد كميات من الطعام تكفي الرجال والنساء. وبعد انتهاء إعداده، تخبر سيدة المنزل زوجها الذي يأتي من المسجد لنقل الطعام المخصص لزملائه.
تقضي النساء 3 أيام بعيداً عن أبنائهن ودون تلاقٍ مع أزواجهن ويتفرغن للصلاة وقراءة القرآن وحلقات الذكر
"نشحن طاقتنا الإيمانية في هذه الساعات التي نقضيها بطاعة الله، ولا نخرج لأي غرض، إلا للمرض الشديد"

العازل... شرط التلاقي مع الرجال

تشدد شيماء على أن النساء الخارجات ممنوعات من مغادرة المنزل طوال الأيام الثلاثة. "شراء أيّة لوازم أو حتى أدوية يتم من خلال زوج أو رب البيت"، تقول وتتابع: "بعد أداء صلاتي العصر والمغرب، نستعد لسماع بيان (خطبة) من أحد الشيوخ ومعه مرافق أو اثنان، لكن مع وجود عازل للرؤية، بحيث لا يتم أي تلاقي مباشر مع الرجال". لا يخشى الرجال المعتكفون في المسجد على نسائهم. ويقول محسن كمال، زوج إحدى المواظبات على الخروج: "نساؤنا يمكثن في بيوت أحد الإخوة، تكون مساحته كافية لـ50 سيدة، دون وجود أي رجل، كما أننا نقيم في مسجد قريب منهن. لا قلق عليهن". كما يشير إلى أن الرجال لا يصطحبون نساءهم في خروجهم الذي يتطلب قطع مسافات طويلة. "في العادة لا يحدث ذلك، خوفاً عليهن من الإرهاق. أنا أخرج في الوادي الجديد وأسيوط وسوهاج، وزوجتي لا تأتي معي"، قال.

الزكاة بالوقت

وعن كيفية الإنفاق على الأسرة خصوصاً أن الزوج يخرج ثلاثة أيام في الشهر وربما أربعين يوماً في السنة، توضح حنان الوكيل، وهي الوحيدة التي ارتضت ذكر اسمها كاملاً ممن تحدثن لرصيف22: "الله هو من يرزقنا، أنا لا أعمل، فعمل المرأة مكروه، أما زوجي فهو تاجر أقمشة، ونعتبر هذه الأيام زكاة عن مالنا وصحتنا. الله يبارك لنا بسبب الخروج، ولا نعلم ما سيفعله الله بنا إن توقفنا عن ذلك". ينتاب القلق حنان على زوجها خصوصاً عند خروجه إلى المحافظات البعيدة سواء في الوادي الجديد أو الصعيد. وتقول: "لا يهاتفنا أثناء الخروج إلا مرة أو اثنتين في الأيام الثلاثة، كما أن الأولاد دائماً يسألون عنه لأنهم مرتبطون به كثيراً". يُسمح للنساء باصحطاب أطفالهن، وهو ما فعلته حنان في إحدى المرات، لكنها لن تكررها. "وجدت أنهم عائق عن العبادة والتدارس. لن أفعلها مجدداً، كما أني لا أخرج سوى مرة أو اثنتين في العام، ومن الممكن أن ترعاهم أخت زوجي". وبناء على حديث الباحث ماهر فرغلي، يقدر عدد أعضاء "التبليغ" في مصر بنحو 15 ألفاً، يتمركز أغلبهم في محافظة المنيا، لكن النساء لا يتجاوزن المئات، معتبراً أن السبب في استمرار وجود الجماعة رغم الأحداث السياسية التي شهدتها مصر منذ عام 2011 هو ابتعاد أعضائها عن السياسة، وعلاقتهم الجيدة مع أجهزة الدولة، خصوصاً الأمنية منها.

لا للسياسة... نعم لرجال الأمن

في الأغلب، لا ينكر أعضاء جماعة التبليغ علاقتهم بالأمن ويقدمون المبررات للبعد عن السياسة. يوضح عضو الجماعة عادل المناهلي لرصيف22 وجهة النظر هذه بقوله: "بعدنا عن السياسة أمر جيد. السياسة بها كل الموبقات. نحن نؤمن أنه إذا تم إصلاح حال الرعية والمحكومين فسيصلح الله حال حاكمهم". وبخصوص العلاقة مع الأمن، يرى المناهلي أنه "من أجل استمرار الدعوة إلى الله يجب أن يقدم البعض تضحيات"، مستطرداً: "تعاوننا مع الأمن يكون بإمدادهم بالبيانات الشخصية التي يريدون معرفتها عنا، وهي ليست بيانات سرية بل معلنة وعادية، نحن لسنا مخبرين، ولا نجد من الضباط سوى المعاملة الطيبة. فلماذا نعاديهم أو نكرههم؟".

خطر التحول للإرهاب

ورغم هذه العلاقة، لا يستبعد الباحث السياسي ماهر فرغلي أن يكون الانتماء إلى التبليغ مدخلاً للانضمام إلى جماعات متطرفة مثل داعش وغيرها، "فالمنتمي إلى التبليغ يكون قد وصل إلى درجة من التشدد والتزمت تجعل اقتناعه بالعمل الإرهابي أمراً سهلاً". أما عن الارتباط بين التبليغ وغيرها من الجماعات الإسلامية، فلا تلاقي الجماعة ترحيباً لا من السلفيين ولا من الإخوان. ويرى أبو اسحاق الحويني، أحد الأقطاب السلفية، أن التبليغ جماعة تتمسك بـ«بدعة لأ أصل لها؛ فالخروج عندهم ركن لا تصح عضوية الجماعة إلا به. ورغم أن الصحابة كانوا يخرجون في سبيل الله، إلا أن أداء العبادات والخروج من المنزل إلى المسجد أو إلقاء محاضرات تعليمية في وقتنا هذا يعد خروجاً في سبيل الله. أما هم فيتركون حالهم ودنياهم من أجل البدعة"، بحسب ما أعلن في لقاء تلفزيوني.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard