شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
ذكورية التصميم المدني حول العالم: مدن للرجال فقط

ذكورية التصميم المدني حول العالم: مدن للرجال فقط

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 5 مارس 201805:09 م

هل تساءلتم يوماً لماذا نشعر في مدينة ما بدرجة أمان أعلى مما نشعر به في مدينة أخرى؟ سؤال تطرحه الصحافية أنكيتا راو في مقال لها في موقع Vice، مركزةً على تفاعلها كامرأة مع المدينة، لتصل إلى تساؤل آخر:  هل للمدينة ذاتها دور في ذلك الشعور؟

هذا الإحساس مصدره تاريخ طويل من التصميم المدني "الذكوري" الذي همش المرأة. وقد تطرقت مؤرخة التخطيط الحضاري دولوريس هايدن، في بحث لها عام 1980، لهذه الاشكالية متسائلة عما ستبدو عليه المدينة إذا لم تكن ذكورية؟

المحرك الأساسي للتصميم المدني

جميع مدن العالم القديمة صممها مهندسون، والتخطيط الحضاري لطالما كان من مسؤولية الذكور. تعتبر هايدن أن القاعدة الأهم في تخطيط المدن قديماً لطالما كانت أن "المرأة مكانها المنزل" بينما يخرج الزوج للعمل. هذه القاعدة أثرت في التصميم المعماري بدرجة كبيرة، ولم تتغير إلى اليوم رغم تبدل أنماط الحياة ودور المرأة.

ومع الثورة التكنولوجية وانتقال الأعمال من المصانع إلى مكاتب صغيرة أو إلى أماكن السكن نفسها، ومع تغيّر الواقع الاجتماعي للشعوب، باختيار الشباب الحياة وحدهم دون زواج، أو اختيارهم الحياة مع أهلهم لعدد أكبر من السنوات، وكذلك وجود عدد كبير ومتنامِ من الأمهات اللواتي يتولين رعاية أسرة وحدهن، رأت هايدن أنه لا بد من تغيير تصميم المدينة ليصبح أكثر مناسبة لأولياء الأمور العاملين، نساء ورجالاً.

اللحظة الحالية لحظة فارقة في التخطيط الحضاري، لأن تلك المتغيرات أصبحت تؤثر في التصميم. قد لا يغيّر التخطيط الحضاري أموراً أساسية في المساواة بين الرجل والمرأة، ولكن تصميم المدن مع الأخذ في الاعتبار نصف المجتمع يمكن أن يكون خطوة في ذلك الاتجاه.

ولكن كيف ذلك؟

تم تصميم مدينة واحدة شبيهة بما تخيلت هايدن بعد بحثها بثلاثة عشر عاماً، أي عام 1993، وسميت "مدينة عمل السيدات" في فيينا بالنمسا.

المدينة التي وصفتها الأمم المتحدة بقصة نجاح، هي عبارة عن وحدات سكنية محاطة بمناطق خضراء وتضم عيادات أطباء وصيدليات، وقد قام المخططون بتوسيع الأرصفة وزيادة الإضاءة وإعادة تصميم المتنزهات العامة.

أحد أكثر العوامل تأثراً بالتغيير هو المواصلات التي تعتبر من علامات نجاح المدينة اقتصادياً واجتماعياً.

نمط السيدات في استخدام المواصلات يختلف تماماً عن نمط الرجال، لأن السيدات يقمن بعدد أكبر من المهمات في اليوم الواحد، فهن يراعين المنزل مع عملهن، أو يخترن أن يعملن بدوام جزئي، وبالتالي ما ينفقنه على المواصلات يختلف عما ينفقه الرجال.

القاعدة الأهم في تخطيط المدن لطالما كانت أن "المرأة مكانها المنزل".. تاريخ طويل من التصميم المدني الذكوري

وبحسب خبيرة التخطيط الحضاري سونال شاه - التي تعمل على تطوير سياسة المواصلات في مدينة نيودلهي - فإن توفير مواصلات مناسبة للسيدات هو حجر الزاوية لتمكينهن من العمل.

ففي معظم المدن الكبيرة، تشكو السيدات من التعرض للتحرش أو الإحساس بعدم الأمان حين يضطررن لركوب المواصلات في ساعة مبكرة أو متأخرة.

وقد بدأت بعض المدن الكبرى في تعديل المواصلات لتناسب السيدات بتزويد الإضاءة على سبيل المثال، كما حدث في ريو دي جانيرو بالبرازيل، وفي مدن أخرى في اليابان والهند، خصصت عربات للسيدات بالقطارات، أما مدينة نيويورك، فقد فتحت الممرات بين عربات قطار مترو الأنفاق حتى يستطيع الراكب التحرك من عربة إلى أخرى خلال سير القطار.

سد الفجوات بين وسائل المواصلات المختلفة هو حل مناسب بحسب سوزان زيلنسكي، المخططة السابقة لمواصلات تورنتو بكندا والأستاذة بجامعة ميتشيجان، وهو الأمر الذي نجحت فيه المدن الاسكندنافية إلى حد كبير، بحسب تعبيرها.

فلسفة زيلنسكي هي أن ما يناسب السيدات سيكون مناسباً للجميع، ولذا فإن أساليب الإضاءة المستدامة منخفضة التكاليف، والتطبيقات التي ترشد الأشخاص لأسهل وأقرب وسيلة مواصلات من نقطة إلى أخرى قد تساعد السيدات، كما جميع سكان المدينة.

ومن ضمن العناصر المؤثرة في تخطيط المدن أيضاً المساحات الخضراء، فكلما توفرت مساحات خضراء أكبر، كانت المدينة أكثر راحة لسكانها، ولكن ذلك الاتساع لا يوفر الأمان للسيدات إن اضطررن للسير في الحدائق ليلاً حتى يصلن إلى منازلهن أو أعمالهن، لذا يجب التأكد أن تلك المساحات مضاءة ليلاً أو مراقبة على مدار الساعة.

أمثلة قليلة من قائمة طويلة تتضمن تعديلات وتغييرات قد تقلل من ذكورية المدن حول العالم. وكما تقول أنكيتا راو، فإن تصميم المدينة مع الأخذ بعين الاعتبار نصف سكانها سيخلق بيئة أفضل للمضي قدماً في مشوارنا البطيء نحو المساواة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard