شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
حوار مع

حوار مع "موسى" صاحب كاريكاتير "الجنة" الذي أودى بحياة حتر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 28 ديسمبر 201605:35 م
ثار اهتمام الرأي العام الأردني، والعربي أيضاً، بحادثة اغتيال الكاتب والصحفي الأردني ناهض حتر في وضح النهار. وقد اختلف المجتمع العربي بين مؤيد ومعارض لقتله، سيما أن أراء حتر السياسية مثيرة للجدل بشكل عام بسبب تأييده للنظام السوري وانتقاده اللاذع والقاسي لبعض اللاجئين في الأردن. ويعرف المتابعون للحادثة أن السبب وراء قتله بثلاث رصاصات قاضية أمام المحكمة بعمان هو كاريكاتير اتهم بإلاساءة للدين الإسلامي. وقد ظن الكثيرون أنه هو صاحب الرسم، لكن حتر لم يرسم الكاريكاتير، بل اكتفى بإعادة نشره على صفحته في الفيسبوك، فثارت ثائرة المتدينين في الأردن، واتهم بازدراء الأديان. في ظل اللغط والفاجعة اللذين تركتهما الحادثة، نسي الناس صاحب الكاريكاتير نفسه. من هو؟ وما السبب الذي جعله يرسم تلك الرسمة؟

أنا موسى

"أنا لاديني عربي، مثل آلاف غيري، قضيت فترة أقرأ وأجادل وأكتب عن الأديان وعندي مدونة صغيرة، ولأني أهوى الرسم، الكاريكاتور، قررت نقد الأديان بهذه الطريقة، ولهذا أنشأت صفحتي الخاصة. بالطبع لا أفشي معلومات شخصية خوفاً على حياتي" هكذا يبدأ رسام الكاريكاتور حديثه مع رصيف22، بعد أن تواصلنا معه عبر صفحته على فيسبوك. اسمه موسى، وهو مصري الجنسية، وعمره 36 عاماً. الافصاح عن أكثر من هذه المعلومات قد يعرضه للخطر ويجعله فريسة سهلة لمحبي الانتقام بالقتل. وهو يعرف حساسية ما يقوم به، فيحذر من يود إجراء مقابلة معه قائلاً "أتمنى أن تكون محافظاً على أمنك الشخصي، مجرد كتابتك عن شيء كهذا قد يسبب لك إزعاجاً، تعلم ذلك طبعاً!".

"الجنة الإسلامية" والحتر

موضوع كاريكاتير "الجنة الإسلامية" الذي قتل على أثره حتر هو سؤال فلسفي طريف، بحسب موسى. "بعد أن يحاسب الله الناس، ماذا سيفعل؟ ما دوره؟ الفكرة فلسفية معناها أن الله كأنه مخلوق من أجلنا، اسمه خالق لأنه يخلقنا نحن، رزاق لأنه يرزقنا نحن، عادل رحيم لأنه يعدل ويرحم معنا نحن، ولكن قبل الخلق ماذا كان يفعل؟ وبعد الحساب ماذا سيفعل؟". ويرى رسام الكاريكاتير الذي لا يعرف حتر شخصياً ولكن يسمع عنه وعن كتاباته السياسية، بأنه كان "ضحية" رأي، وعلق على آراء الناس مستغرباً "لما قتل الحتر، كانت غالبية التعليقات تعبر عن سعادتهم وتأييدهم للقتل، إضافة إلى انزعاجهم من الكاريكاتير، بمعنى أن الكاريكاتير وهو مجرد رسمة أصبح عندهم أبشع من قتل إنسان وتحطيم قلوب أسرته". يقول موسى إن الكاريكاتور ربط إجابات أسئلته الفلسفية بعضها ببعض. وما أن شاهدها حتر وأعاد نشرها حتى بدأت المشاكل بملاحقته. فتم القبض عليه في اليوم التالي، قضى على أثره أسبوعين في السجن حتى أفرج عنه بكفالة مالية، ثم جاء إلى المحكمة يوم الأحد، فاغتاله أحد الغاضبين.

من هو M80؟

لا يترك موسى اسم على رسوماته، بل يترك توقيعاً غامضاً وهو "M80". بعد بعض البحث على محرك جوجل، نصل إلى صفحته الخاصة على الفيسبوك، التي تحمل اسم "رسومات دينية ساخرة – M80"، وقد أغلقها فيسبوك أخيراً بعدما أبلغ عنها عدد كبير من الناس. مقدمة الصفحة تظهر محتواها مباشرة، فهو يبدأ بتحذير المتابع لها قائلاً "هذه الصفحة غير مناسبة لذوي المشاعر الدينية المرهفة - كما هو واضح من العنوان فالموضوع هو الأديان والهدف هو السخرية". يهوى موسى الرسم والقراءة عن الأديان، وقد جمع بين الأمرين قبل قرابة العامين حين بدأ انتقاد التطرف بطريقة ساخرة من خلال رسوماته. ويقول "أعتقد أن الفكر الديني في بلادنا ضرره على الجميع، لهذا يتكلمون عن إصلاح ديني، فالدين أصبح يخرج جهلة وإرهابيين ومتعصبين، وأصبحت مساجدنا ومدارسنا ومنازلنا تنتج دواعش".

حرية شخصية

لا تعطي الأديان الحريات الكاملة في التفكير والتبحر في نصوصها. لكن موسى يرى أن ما يقوم به هو حرية شخصية، وليس هدفه إيذاء مشاعر الآخرين، ويقول "لا أدّعي أنني أحمل رسالة أو أنني أصلح الوجود، رسوماتي هي تعبير عن النفس لا أكثر، أي هواية أشاركها مع من يهتم". ويعتقد بأن رسوماته غير مبتذلة، وإنما هي انتقاد للأفكار والسلوكيات الواقعية بشكل ساخر، دون استخدام الشتم أو الألفاظ النابية. لكن المشكلة برأيه تكمن في أن "الفكر الديني يطلب لنفسه قداسة، وحصانة، ورجل الدين له هيبة تمنعنا من مناقشته. “السخرية أداة رائعة لإزالة الهيبة لا أكثر، ولهذا تزعجهم" يقول موسى.

كل الأديان عند "موسى" سواء، ولكن...

جولة سريعة على رسومات موسى تبين أته لا ينتقد الإسلام فقط وإنما يتناول جميع الأديان السماوية بطريقته الساخرة”. وقد كتب سلسة من المقالات على مدونته ينتقد فيها المسيحية وتناقضات الكتاب المقدس إحداها بعنوان "المسيح، رسول من الجحيم". ويوضح موسى أن السبب الأساسي لتناوله الدين الإسلامي ورموزه أنه من خلفية مسلمة، أي أن دينه في الأصل هو الإسلام قبل أن ينفصل عنه، ولو كان مسيحي الأصل لكان تركيزه على الدين المسيحي، مضيفاً "الإسلام هو الدين الوحيد الذي يؤثر في حياتنا بشكل سلبي، فالمسيحية لا تحاول الوصول إلى الحكم في بلادنا، وليس لدى المسيحيين شريعة يطبقونها علينا، لا يطالبون بالجهاد والغزو، لا أذكر متى آخر مرة سمعت عن إرهابي باسم المسيحية على الأقل في بلادنا، وليس عندهم حد الردة". ويؤكد بأنه انتقد المسيحية كثيراً ولكنه لم يتلقَّ أيَّ رسالة تهديد بالقتل، ولكن بعد تناوله الدين الإسلامي في رسوماته أصبح يتلقى يومياً عدة تهديدات بالقتل من مسلمين، الأمر الذي يجعله حذراً في الإفصاح عن شخصيته، مع تناوله لهذا الموضوع في أحد كاريكاتيراته بطريقة ساخرة أيضاً. يتساءل موسى "هل المسلمون يقبلون سماع النقد بطريقة محترمة؟ وأقصد الأزهر الشريف مثلاً أو حكوماتنا الإسلامية أو حتى إعلامنا؟"، ويتابع "لكن سب المشركين واليهود والمسيحيين والشيوعيين والليبراليين والعلمانيين حلال عند المسلم. أحاول فقط دفع المسلم ليضع نفسه مكان الآخرين، وعندما ينزعج من أسلوبي، عليه أن ينتبه بأن كلامه أيضاً يزعج الآخرين"، مستشهداً بدعوة أئمة بعض المساجد المتشددين على اليهود والنصارى في خطبهم. ورغم التهديدات التي تطاله يومياً، وآخرها يوم الإثنين، أي بعد ساعات من إجراء حديثنا معه، أُغلقت صفحة موسى على فيسبوك بسبب تعدد البلاغات التي وصلت ضده. لكن موسى غير متشبث برأيه وليس جامداً في معتقداته، فهو لا يجزم أنه لن يغير أراءه في المستقبل، شرط أن يكون هناك أدلة قوية تجبره على تغيير الأفكار وليس الاعتماد على العاطفة والتخويف.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard