شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
ما الذي قد يحصل إذا حلقنا شوارب الزعماء؟

ما الذي قد يحصل إذا حلقنا شوارب الزعماء؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 30 أغسطس 201606:02 م

كتلة الشعر البطريركية بين الأنف والفم، التي ترمز للرجولة في العالم العربي، كتلة شعر، إذا خفّت سماكتها بإمكانها أن تستفز قوماً، وإذا سمكت قد ترعب جيشاً. من بشار الأسد، بطلة شارب خفيفة منذ اندلاع الثورة السورية، إلى عبد ربه منصور هادي الذي تولى السلطة من دون الوقوف خلف شاربٍ سميك، مروراً بدريد لحام وشوشو... هذه هي قصة الشوارب في ثقافتنا العربية.

شكراً تركيا

بعد زيارة الأمبراطور الألماني فيلهيلم الثاني صاحب الشنب الكبير، لمدينة اسطنبول أواخر القرن التاسع عشر، انتشرت موضة الشوارب في تركيا. إذ أعجب الأتراك بشارب الامبراطور وأطلقوا العنان لشواربهم، على اعتبار أن الشنب يعدّ رمزاً للرجولة والفخر. وفي عصر المماليك، كان السلطان حين يصدر حكماً قاسياً على أحد المدنيين، يأمر بحلق شاربه أو نصف شاربه كنوع من الإذلال والسخرية. وكون تركيا كانت تحكم سيطرتها على معظم دول الشرق الأوسط، انتقل الشنب كعادة ومظهر مميز وأساسي للرجال العرب في الشرق الأوسط. فبات الشارب بالنسبة إلى العرب رمزاً للرجولة والفخر. ومن المتعارف عليه في المجتمعات الشرقية، أن يمسك الرجل شاربه ويقسم به. حتى أنه كان في الماضي يدخل في المعاملات التجارية، إذ كان الرجل يرهن خصلات من شعره لأجل الوفاء بدينه، وإذا وعد نفّذ، فهذا تعهد منه لا يقبل الدحض والجدل. فتأتي قدسية القسم هنا من مقام الشارب كثقافة اجتماعية عالية المستوى، تناوبت الأجيال للحفاظ عليها.

الشارب الديبلوماسي

من هتلر وستالين إلى كاسترو وصدام حسين، كتبت شوارب الزعماء فصولاً من تاريخ الشعوب، وكشفت خفايا دهاليز السياسة والحكم والسلطة. وتركت بصمات واضحة على القيم الثقافية والحضارية السائدة في المجتمع. نشرت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية دراسة عن شوارب الزعماء العرب، واهتمت بشكل خاص بشوارب جمال عبد الناصر، وحافظ وبشار الأسد، وصدام حسين ومحمود عباس، وقارنت بين مدى اهتمام العرب بشواربهم وشوارب الإسرائيليين. وأهم ما جاء فيها، أن شوارب رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، تجعله يبدو وكأنه "موظف في مكتب بريد"، زاعمة أن شاربه لا يضفي عليه أي هيبة أو وقار. واعتبرت أن الرئيس ياسر عرفات كان دائم الحرص على الظهور بهيئة الثوري، لذا بدا شاربه ولحيته أقرب "لتجمعات استيطانية". أما لقب "أفضل شارب"، فقد أعطته الصحيفة للرئيس العراقي صدام حسين، مشيرةً إلى أنه عقب اعتقاله، أطلق لحيته ليبدو مثل "جد عراقي طيب"، في حين أنه حين كان في قمة سطوته كان يطلق شارباً أسود كالفحم أضفى عليه هيئة صارمة. كما اعتبرت الصحيفة أن شوارب صدام تعبّر عن تراجيديا الشوارب في العالم العربي.

يتحدث الكاتب أدام بارون في موقع "يور ميدل إيست"، عن العلاقة الخفية بين الشارب وبعض الحكام في العالم العربي. فيشير إلى أن الرئيس اليمني علي عبدالله صالح، ظهر بشارب خفيف عقب زيارته إلى السعودية لتلقي العلاج، بعد محاولة اغتياله، ما جعل البعض يعتبر أن التغيير الذي طرأ على شاربه دليل على ضعف سلطته. أما الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، فلفت "براون" إلى أنه بات مصدراً للسخرية حين تولى مقاليد الحكم، بسبب غياب شاربه. حتى أن البعض قام بتشويه صوره ورسم شوارب فوق فمه، واعتبر بعض اليمنيين أن شكل الرئيس من دون شوارب يعكس شخصيته الضعيفة. كما قام آلان بيتركان في كتابه "ألف شارب: التاريخ الثقافي للشارب"، بتحليل تطور الشارب لدى الرئيس السوري بشار الأسد، معتبراً أن شارب الرئيس تحوّل مع مرور الزمن. فكان في فترة سميكاً ومتمركزاً في الوسط كشارب هتلر، في حين أنه في 30 مارس 2011، عقب الانتفاضة الشعبية في بلاده، ظهر الرئيس السوري بشار الأسد، للمرة الأولى في حياته السياسية، من دون شارب. وقد رأى البعض في هذه الخطوة محاولة من الرئيس للتخلص من صورة الديكتاتور، الذي حاول النّقاد حصره بها.

عن العلاقة الخفية بين الشارب وبعض الحكام في العالم العربي...
وإنطلاقاً مما سبق، ولمحاولة اكتشاف الرابط بين الدكتاتورية والشارب، قام موقع سلايت بدراسة 147 شخصية دكتاتورية، وتبيّن أن من بين هؤلاء، نحو 62 شخصاً لديهم شارب، أي نسبة 42.2% تقريباً من الدكتاتوريين في القرن التاسع عشر والعشرين. واعتبر الموقع أن لكل بلد حكايته مع الشارب في السياسة، وخلص إلى النتائج التالية: في أمريكا، 50% من الحكام الدكتاتوريين لديهم شارب، في أوروبا تنخفض النسبة إلى 47.8%، وفي أفريقيا، النسبة هي 42.3%، أما في آسيا فالنسبة هي الأدنى مع 31.6% (علماً أن الدكتاتوريين في الشرق الأوسط الذين لديهم شوارب يحتلون نسبة 66.6%).

الشنب على الشاشة العربية

يدخل الشارب أيضاً في صلب المجتمع العربي، ويعد مثلاً جزءاً من الفولكلور السوري، إذ ينظر إليه على أنه رمز للرجولة ورباطة الجأش. وخير مثال على ذلك مسلسل باب الحارة الذي يعكس خفايا البيت الدمشقي، فرجال الحارة يمتازون بالنخوة والكرامة والشجاعة، ويولون أهمية كبيرة لشواربهم. حتى أن مشاهد كثيرة كانت تشير إلى الزعيم، الذي في أصعب المواقف، يمسك بشاربه ويطلق قسماً معيناً. ومن يغوص أكثر في مضمون المسلسل يستنتج أن المخرج أراد دوماً تصوير البطل بشوارب مفتولة.

وإذا انتقلنا إلى مصر، تحديداً إلى المسلسلات، نجد في معظمها العبارة التالية: "وحياة شنبي"، إذ كان التركيز في ما مضى على البطل ذي الشارب المفتول لأسر قلوب النساء. وفي تاريخ السينما المصرية، عرف العديد من الأبطال بشواربهم، التي استمالت قلوب النساء، مثل رشدي أباظة الرجل الساحر، الذي اتخذ من الشارب صديقاً له في مختلف أعماله الفنية. حاول عدة كتّاب تسليط الضوء على أهمية الشارب ورمزيته لدى الرجل المصري. فمن أهم المشاهد الكوميدية التي عرضت على الشاشة الكبيرة، كان مشهد مرافعة شنب النجعاوي في فيلم "30 يوم في السجن". وفي فيلم الأرض، ألقي القبض على محمود المليجي بدور "أبو سويلم"، وبهدف إذلاله قامت الشرطة بحلق شاربه. بعد تلك الواقعة حاول أبو سويلم إخفاء وجهه خجلاً. جولة سريعة على أبرز شوارب نجوم الصف الأول، تكشف أن الحقبة الذهبية للشارب، كانت في السبعينيات. إذ كان يحرص المشاهير على تربية وتطويل شواربهم، ومن أبرز هؤلاء، الممثل السوري دريد لحام، والممثل ناجي جبر، وفي لبنان، عرف "شوشو" بشواربه الكثيفة، كما الفنان طوني حنا الذي قام بتأدية أغنية "لا تحلّفيني بالشنب". أما في الخليج، فاشتهر الفنان الكويتي عبدالله الرويشد، منذ انطلاقته في الثمانينيات بشاربه الأسود الكثيف، وما زال محتفظاً به كالفنان السعودي عبادي الجوهر، الذي يعتبر من أبرز الفنانين الذين لم يتخلوا عن شواربهم منذ البداية.

فنانات بشوارب أيضاً

مخطىء من يظن أن الشارب حكر على الرجال فقط. فقد حاولت السينما المصرية التركيز على مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة من خلال جعل المرأة تقلّد سلوك الرجل، وتظهر أحياناً بشنب مثله. فسعاد حسني مثلاً، تنكرت في هيئة رجل في فيلم "للرجال فقط"، لتنال وظيفة مهندس بترول في أحد مواقع الحفر. وفي فيلم مراتي مدير عام، يتهم صلاح ذو الفقار زوجته المديرة أنها فقدت أنوثتها وبدأت تتصرف كرجل، حتى أنه يراها ذكراً بشارب، وأمام هذه الصدمة تنظر الزوجة في المرآة فترى نفسها بشارب فعلاً.

وقامت كل من إلهام شاهين ودلال عبد العزيز وبوسي بالتنكر في زي رجال في فيلم بنات حارتنا، ليخرجن عن عادات الحارة المصرية، التي وجدن فيها، كبتاً لأنوثتهن. أما النجمة المصرية ياسمين عبد العزيز، فظهرت أخيراً بشارب من خلال تجسيدها دور عصمت، إحدى ضابطات الشرطة النسائية، التي تتعرض لتحرش جنسي، فتقرر مقاومة ظاهرة التحرش.

حملة الشوارب التوعوية

بالرغم من وجود صلة وثيقة بين الشارب والسلطة، فإن "الشنب"، بحدّ ذاته، خرج من كونه مجرد "زينة وأكسسوار لصاحب السلطة والنفوذ"، واتخذ بعداً أعمق من خلال استخدامه في إطار التوعية والإرشاد. فمنذ نحو 10 سنوات انطلقت حملة موفمبر الخاصة بالرجال في مدينة ملبورن في أستراليا. وبات شهر نوفمبر مخصصاً لمكافحة سرطان البروستات. وشعار الحملة "الشارب"، الذي يعدّ رمزاً للرجولة، وبالتالي يبدأ الرجال بإطالة شواربهم والتقيّد بأهمية هذه الحملة سنوياً. واللافت أن "موفمبر" طالت حتى الشوكولا، فجاءت دعاية سنيكرز مثلاً الداعمة للحملة، من خلال تصوير رجل ينبت له شارب بطريقة طريفة لدى التهام قضمة من الشوكولا. وقامت شركة "توبليرون" بنشر قطعة من الشوكولا على تويتر وفوقها شارب تضامناً مع الحملة. ووصلت أصداء الحملة إلى العالم العربي، فقد سبق أن دعت شركة كبرى متخصصة في تصنيع الحلويات في دبي، الرجال في الإمارات، عبر وسائل التواصل الاجتماعي إلى الاستغناء عن أدوات الحلاقة، وإطلاق شواربهم مقابل تقديم أطباق من الحلوى والمخبوزات مجاناً لكل رجل لا يحلق شاربه. وفي السعودية انتشرت حملة مماثلة عرفت بـ"مشنب"، فبات الشارب مطبوعاً على الملابس النسائية والحقائب، وأغطية الجوالات. ناهيك بتوافد النساء إلى شراء أكسسوارات على شكل شارب. 

وأعربت بعض النجمات العربيات عن تضامنهن مع حملة "موفمبر" من خلال وضع الشنب بطريقة طريفة، أحدثت ضجة على مواقع التواصل الاجتماعي، من بينهن: جيني أسبر، رويدا عطية، سارة سلامة وعلا الفارس.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard