شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
ما الذي منحه الغرب للنساء العربيات وعجزت عنه حكومات المنطقة؟

ما الذي منحه الغرب للنساء العربيات وعجزت عنه حكومات المنطقة؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 25 يوليو 201611:21 ص
تبحث نمارق على الانترنت لساعات عن معلومات وخرائط عن بغداد، تفيدها في رسالة الماجستير، التي تحضّر لها منذ نحو ثلاثة أشهر. نمارق الراوي، عراقية في منتصف العشرين من العمر تكمل دراستها في ألمانيا، في الدراسات الحضرية والتصميم المستدام. أصرّت نمارق أن يكون بحث أطروحتها عن بغداد، رغم عدم تمكّنها من زيارة العراق لإجراء بحثها الميداني. تحاول نمارق اليوم في أطروحتها، أن تربط بين الأوضاع الأمنية، التي فرضت على بلدها منذ عام 2003، وإنشاء المنطقة الخضراء في بغداد مع اندثار المساحات الخضراء في العاصمة. تخبر نمارق عن صعوبة جمّة في الحصول على معلومات دقيقة وخرائط، كون السلطات المحليّة في العاصمة العراقية تتشدّد في نشر خرائط ومعلومات لأسباب أمنية، ما يساهم في عرقلة البحث أكثر وأكثر. [h1]في ألمانيا، نمارق بخير[/h1] تسكن نمارق في ألمانيا منذ عام 2014، بعد نحو 9 سنوات من السكن في عمّان مع العائلة، لإكمال دراستها. تفوقها في دراسة الهندسة المعمارية في الجامعة الألمانية في عمّان، ساعدها في الحصول على منحة من "الهيئة الألمانية للتبادل الثقافي"، التي تكفّلت بمصاريف سكنها ومعيشتها. تقول: "كان من الصعب أن أجد عملاً في عمّان بعد انتهائي من دراستي". تعتبر نمارق، على الرغم من تفهّمها أحياناً، أن حظوظها في العمل كعراقية هناك كانت أقل بكثير من زملائها الأردنيين، كما أن شروط العمل في حال توّفرت، كانت دون ما يعطى لغيرها من الأردنيين. [h1]تهجير قسري على وقع التهديدات[/h1] في عمّان، بدأ كل شيئ بالصدفة من دون أي تخطيط، فمشروع العطلة الصيفية عام 2005 أصبح بين ليلة وضحاها مشروع سكنٍ دائم، بعد تعذّر العودة على وقع التهديدات والتفجيرات في العراق. تضيف نمارق: "بقيت ثيابي وكتبي ومقتناياتي في بيتنا في بغداد، لم يتسن لي أن أودع أصدقاء كثر وأقرباء، بعضهم ما زلت على اتصال بهم وبعض آخر فقدتهم في تفجير انتحاري خريف عام 2014". يوم التفجير، وجِدَتْ نمارق في الحديقة الخلفية من سكن الطلاب الواقع شرق مدينة شتوتغرات الألمانية، حيث كان سكنها، بعد نحو ساعة من البحث المكثّف عنها، ومحاولات الاتصال الهاتفي المتكررّة بها. كانت علامات الصدمة ظاهرة عليها بقوة، فلا تحرّك ساكناً مخبِأةً وجهها بين جسدها الهزيل، الذي يرجتف من الصقيع في الخارج. الخبر كان صاعقاً عليها، فلم يكن مضى على وصولها إلى ألمانيا بضعة أسابيع، قبل أن يودي تفجير انتحاري بحياة 18 شخصاً من أقربائها. بقيت نمارق حينها نحو أسبوع تحت تأثير الصدمة، ولم تتخط الموضوع حتى اليوم.
"الأهم من هذا كله أنني تحررت من لقب لاجئة، أصبحت مقيمة في ألمانيا، بعد أن كنت لاجئة في الأردن"...
وكما اسمها الذي يعني الوسائد التي يُتكأ عليها، تطمح نمارق أن تكون النمرق الذي يمكن للعراق الاتكاء عليه مستقبلاً
[h1]اللّاجئة السابقة في الأردن هي نفسها المقيمة الحالية في ألمانيا[/h1] ترى نمارق أن أموراً كثيرة تغيرت في حياتها، بعد انتقالها إلى ألمانيا، فهنا، حيث هي الآن، تحررت من ثقل تكهنات المجتمع والأحكام المسبقة، كما من المحسوبيات والوساطات. تقول: "الأهم من هذا كله أنني تحررت من لقب لاجئة، أصبحت مقيمة في ألمانيا، بعد أن كنت لاجئة في الأردن". لا تنفي نمارق أن الأردن أمّنت لها الملاذ الآمن ودفئ العائلة، التي ما زالت تحتاج إليه. فهناك في عمّان، ذكريات المراهقة والدراسة في الجامعة. ولكن أيضاً التمييز، سواء بسبب اللهجة أو الجنسية. تميّز نمارق ومستواها اللغوي الألماني المتقدم، كانا حافزاً لها في التواصل مع الألمان، واطّلاعها على ثقافات خارج الثقافات العربية، في العراق والأردن، ما ساهم بشكلٍ كبير في نضوجها الفكري والاجتماعي كما العلمي، وفق ما تقول. [h1]القضية المشتركة[/h1] نمارق اليوم، كما يعهدها المقرّبون منها وأصدقاؤها، المتمرّدة والمندفعة في حياتها ودراستها وفنّها، والأهم في حبها ودفاعها المميت عن عراقها، عراقاً لم تتطئ قدميها أرضه منذ سنين، لكنه يسكن في وجدانها دوماً كما تقول. تخبر نمارق أنها في الـ16 من عمرها، كانت في الأردن، علِمت من نشرات الأخبار بمشروع تقسيمي للعراق كان يحضّر له، فقررت يومها البدء بجمع تواقيع عراقيين يسكنون الأردن ضد التقسيم. تقول: "لقد تمكنت يومها من الحصول على نحو 750 توقيع، أرسلتها لاحقاً من خلال شخص نافذ إلى برلماني عراقي، كان بدوره يجمع تواقيع ضد التقسيم. لم يكن من السهل أن ألتقي بعراقيين في الأردن، لكنني يومها لم أر حاجزاً في التواصل مع أناسٍ لا أعرفهم بهدف محاولة إنقاذ وطني". [h1]تحرير الذات في الغربة[/h1] أكثر ما يغيظ نمارق هو ربط اسم بلدها بالإرهاب والجماعات الإرهابية، من القاعدة إلى داعش. واعتبار العراقيين من بعض العرب والأجانب، كأوباش لا يتقنون إلا القتل والدمار. كما في عمر المراهقة في الأردن، سعت نمارق لإبراز دور العراق في حياة المجتمع الألماني، فعمدت في عيد ميلادها عام 2015 إلى إهداء مارّة ألمان صودف مرورهم في الشارع الرئيسي في شتوتغارت ورود وأساور مكتوب عليها رسائل باللغة الألمانية: "هدية من العراق، نحن نحب الحياة، لسنا إرهابيين". كما دأبت منذ وصولها إلى ألمانيا على التواصل مع عراقيي المهجر ولقائهم. كما شاركت في حلقات رسم وتوعية مع مراهقات عراقيات إيزيديات كنّ مختطفات لدى تنظيم داعش. توضح نمارق: "من الصعب جداً أن أصف شعوري عندما كنت أعمل مع هؤلاء الفتيات، فالعمل معهن كان مشوّقاً. وكنت أنتظر بفارغ الصبر ملاقتهن كل أسبوع ولكن في الوقت عينه، كان شاقاّ ومؤلماً، إذ كان من الصعب والمخيف أحياناً الاستماع إلى قصص التعنيف والترهيب والاغتصاب الذي تعرّضن له". [h1]"متمسكة بحقي بمدينتي ولو بعد حين"[/h1] لا تخفي نمارق أنها تستسلم أحياناً، وتشعر بالإحباط، كما حصل بعد سقوط الموصل عام 2014 بيد الإرهابيين، أو بعد تفجير الكرادة في بغداد في يوليو 2016، لكنها تدرك جيداً أن عليها أن تنتفض مجدداً، وتحاول وتسعى لتغيير الواقع الدموي الذي يشهده العراق منذ أكثر من 10 سنوات. فبالنسبة لنمارق، تبقى بغداد ويبقى العراق، المرجع والبيت والوطن، الذي تريد العودة إليه. كل ما سعت إليه سابقاً في عمّان، والآن في ألمانيا، يبقى بهدف العودة إلى "عراقها وبغدادها ودجلتها" كما تحب أن تقول. "أدرك جيداً أن الحياة ستكون مليئة بالمصاعب الاجتماعية والاقتصادية في حال العودة، لكنني متمسكة بحقي بمدينتي ولو بعد حين، تؤكد. وكما اسمها الذي يعني بالعربية الوسائد أو المرافق التي يُتكأ عليها، تطمح نمارق أن تكون النمرق الذي يمكن للعراق الاتكاء عليه مستقبلاً.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard