شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
الكراهية تلاحق المتحوّلين دينياً في تونس

الكراهية تلاحق المتحوّلين دينياً في تونس

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

السبت 26 مارس 201611:12 ص
عندما قرّر حسام، 29 عاماً، التحوّل من الإسلام إلى المسيحية، وجد نفسه مشرداً في الشارع. تخلّصت منه عائلته الصغيرة بعد أن جاهر بتحوّله الديني، وكأنّه صار عبئاً عليها. كما تخلّى عنه جميع أقاربه وأصدقائه. حالة حسام ليست يتيمةً ولا شاذة في المجتمع التونسي، بل تمثّل المسار الطبيعي الذي يمرّ به أيّ متحوّل دينياً. مسار طويل من العزل الاجتماعي والكراهية والتمييز سيقطع به كل مَن يقرّر سلوك هذا الدرب.  

الأعراف أقوى من نص القوانين

يضمن القانون التونسي حرية المعتقد لجميع المواطنين دون تحيّز، إذ يشير الفصل السادس من الدستور إلى أن "الدولة كافلة لحرية المعّتقد والضمير"، كما أن القوانين تخلو من أيّة عقوبات تطال المتحولين دينياً أو مذهبياً. إلا أن للمجتمع قوانينه وأعرافه الخاصة لمعاقبة هؤلاء المتحوّلين، من خلال عزلهم وممارسة شتى أنواع التمييز ضدهم. بل إن الأمر يصل في كثير من الأحيان إلى ممارسة العنف، بجميع مستوياته، ضدهم. فقوانين الدولة في واد وأعراف المجتمع في واد ثانٍ. وقال حسام الذي رفض الكشف عن هويته الكاملة خوفاً لرصيف22: "عندما كنت صغيراً كانت أمي تعلّمني القرآن وتلقنني أن الإسلام دين محبة وسلام وأننا نحب جميع الأديان والأنبياء وخاصة سيدنا عيسى. ولكن عندما كبرت واتخذت قراراً بالتحوّل إلى المسيحية، وصفتني بالكافر والزنديق وقالت لي إنني سأخلد في النار وتوعدتني بأنها لن تسامحني. لم أعد أفهم شئياً. هل كل ما تلقيته في طفولتي من العائلة والمجتمع كان وهماً ومجموعة أكاذيب؟".  

العزل الاجتماعي

يتعرض أغلب الذين أقدموا عل تغيير ديانتهم أو مذهبهم في تونس إلى العزل الاجتماعي، وإن كان ذلك بمستويات مختلفة من الشدّة. لذلك يفضّل الكثيرون منهم إخفاء هذا التحول والعيش في نوع من "السرية الإيمانية". لم يكن رضا بن حسين استثناءً. فبعد رحلة طويلة من الشك والتساؤل قرّر الجامعي التونسي التحوّل من ديانته الأصلية، الإسلام، إلى البهائية. وما إن أشهر إيمانه الجديد حتى وجد رفضاً عارماً لقراره من وسطه الاجتماعي. زوجته التي ارتبط بها بعد قصة حب، طلبت الطلاق وحصلت عليه، بعد الاتكاء على فتوى من دار الإفتاء التونسية تجيز لها ذلك بدعوى أن "المرأة المسلمة لا يجوز لها شرعاً الزواج بغير المُسلم". وجد رضا نفسه في النهاية يدفع ثمن اختياره العقائدي غالياً. "كأن المجتمع يريد أن يعاقبني على حرية الاختيار، وعلى إرادة الخروج عن السائد، عن القطيع"، قال. يواجه المتحوّلون دينياً ومذهبياً في تونس، إلى جانب العزل الاجتماعي، تهماً مسبقة وجاهزة، تدور أكثرها حول "المؤامرة التي يتعرض لها الإسلام". وقال حسام إنه دخل في أكثر من مرّة في نقاشات مع شباب وزملاء له وكانت أغلبها تنتهي بأن يُتهم بأنه ضحية مؤامرة صليبية أو صهيونية.  

حرية الاعتقاد بعقيدتي أنا

وتابع حسام: "لا يلتفت أحد منهم إلى مسألة حرية اختيار الإنسان لمعتقده، بالرغم من أن الإسلام نفسه حفظ هذا الحق لجميع الناس من خلال العديد من النصوص في القرآن والأحاديث، ولكن الناس تبدو مهووسة بفكرة المؤامرة". وأضاف: "للأسف، يهتم أغلب المسلمين اليوم بإيمان غيرهم، جيرانهم وأصدقائهم وحتى الذين لا يعرفونهم، مع أن الإيمان مسألة شخصية جداً وروحانية وفردية، ولكنّهم في المقابل لا يهتمون بإيمانهم الشخصي. الكثيرون يناقشونك متوهمين الدفاع عن الإسلام ولكن خلال النقاش يشتمونك بألفاظ نابية بل ويسبّون الدين أيضاً. لا أحد يريد أن يستمع إليك وفي الوقت نفسه لا أحد يتركك وشأنك". وكشف تقرير "الحالة الدينية وحرية الضمير" الذي نشره "منتدى العلوم الاجتماعية التطبيقية" في فبراير الماضي، أن "التونسيين عندما نسألهم عن تصوّرهم لحرية الضمير أميل إلى فهمها كاحترام عقائد الآخرين (39%) أو حرية الاعتقاد (33%) من تعريفها بحرية تغيير العقيدة (28%). فلئن كان لدى التونسي تسامح إزاء وجود أديان ومعتقدات مختلفة عمّا يدين به وتقبّل مبدأ حرية العقيدة إلا أنه لا يتسامح إزاء تغيير العقيدة، والمقصود بدون شك عقيدته هو". وأضاف التقرير أن "هذا ليس مجرد انطباع إذ يتأكد هذا الموقف عندما يجيب التونسيون عن أسئلة تتعلق بالانتماء للمذهب الشيعي أو اعتناق المسيحية أو البهائية. فهناك نحو 54% لا يوافقون على أن يكون التونسي منتمياً إلى العقيدة الشيعية مقابل 46% يرون في ذلك أمراً عادياً أو حرية شخصية. إلاّ أن الطابع النسبي للرفض يتحوّل إلى رفض شديد وبنسبة عالية 88% عندما تستيقظ الهويات التاريخية والخصومات القديمة". وأشار التقرير إلى "أن 90% من أفراد العينة يقبلون بالدعوة للإسلام في بلدان غير مسلمة ومنها البلدان المسيحية، ولكن نسبة مماثلة وبالتالي أغلبية ساحقة ترفض قيام مبشرين بالدعوة للمسيحية في تونس، وكذلك الشأن بخصوص البهائية، إذ يؤكد 95% من المستجوبين عدم قبولهم تحول التونسي المسلم إلى البهائية". وهذا يكشف أن التونسي يخفي، خلف تسامحه مع وجود الأديان، كراهية تجاه كل مَن يتحوّل من الإسلام، دين الأغلبية، إلى ديانة أخرى، على الرغم من أنه يظهر فرحه بمجرد تحول أمريكي أو أوروبي إلى الإسلام من خلال تناقل منشورات على وسائل التواصل الاجتماعية تبتهج بذلك وتردّد عبارة "لا تدعها تقف عندك. أنشرها ولك الأجر".  

التكفير السياسي

محمد يحيى تحوّل منذ سنوات إلى المذهب الشيعي، ولم يجد أيّة صعوبات اجتماعية ولم يواجه مشاكل في وسطه العائلي. وقال لرصيف22: "بالعكس وجدت تفهماً كبيراً داخل عائلتي ودخلت في محاورات مثمرة مع أصدقائي مع احترام متبادل لمعتقدات كل واحد فينا". لكنّ محمد وكثيرين تحوّلوا للمذهب الشيعي في تونس يعانون اليوم من ظاهرة "التكفير السياسي". لا ينفي محمد أن بعض هؤلاء يحملون أفكاراً سياسية و"لكن ذلك لا يعني أن الجميع يشتغل بالسياسية أو يرمي من تحوله إلى أهداف ​سياسية". فالظاهرة السائدة اليوم، والتي تغذّيها خطابات الجماعات الإسلامية وبعض الأحزاب السياسية، هي أن كل شيعي "خائن ويمثل مؤامرة إيرانية صفوية". كما تلعب الصراعات القائمة في الشرق الأوسط دوراً كبيراً في تغذية هذا الخطاب العنصري. لكن في المقابل لا يحاول الكثيرون محاورة هؤلاء المتحولين مذهبياً والسؤال عن أسباب تحوّلهم. الجميع يمترّس خلف "كليشيهات" سائدة في مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام العربية مركزاً على "المؤامرة". وقد أشار تقرير الحالة الدينية إلى "أن 54% من التونسيين مناهضين لعملية التحوّل من المذهب السنّي إلى المذهب الشيعي. بل إن 73% يرفضون أن يكون لهم أصدقاء شيعة". هذا ما أوصلت إليه حملات الشحن الطائفي في الخطب الإعلامية والسياسية.  

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard