شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
عن الصحافة والاستبداد، في ذكرى اغتيال سمير قصير

عن الصحافة والاستبداد، في ذكرى اغتيال سمير قصير

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأحد 28 أغسطس 201607:02 م

قبل 10 أعوام كاملة، وفي العاشرة وخمس وأربعين دقيقة صباحاً، انفجرت سيّارة في حي الأشرفية البيروتي بعبوة ناسفة زرعت أسفلها، فأودت بحياة صاحب السيارة، الصحافيّ والكاتب اللبناني، الفلسطيني، السوري: سمير قصير.

كان ذلك ضمن سلسلة من عمليات الاغتيال السياسي التي شهدها لبنان، وإذا كانت تلك العمليات التي تناولت أهل السياسة والصحافة بشكل خاص، أعادت إلى الأذهان صور الحرب الأهلية، فإنّها أعادت أيضاً للصحافة أهمّيتها التي ظُنّ بأنها تلاشت منذ أن استبدت في البلدان العربيّة سلطة "القائد الأوحد".

من حيث المبدأ، لا يستقيم الاستبداد وقول الحقيقة، ذلك أنّه لا يمكن أن يعترف لا بأخطائه، ولا بأصحاب الرأي المختلف. وإذا أردنا للاستدلال على هذا، الرجوع إلى القرن العشرين، فإننا سنجد الصورة الأوضح لحقيقة الخصومة بين الاستبداد والحقيقة، في واقعة السادس من مايو عام 1916، حينما نُصبت أعواد المشانق بأمر من "جمال باشا السفاح" في كل من دمشق وبيروت لعدد من السياسيين والكتاب والصحافيين والشعراء، جرّاء مناهضتهم الاحتلال العثماني، ما جعل البلدين يعتبران هذا اليوم عيداً للشهداء حتى الآن.

لم تنته دلائل الخصومة في لبنان، فبعد الاستقلال، وفي الساعة الأولى من يوم الثامن من شهر مايو عام 1958، دخل مسلّح إلى مكتب "نسيب المتني" رئيس تحرير جريدة "التلغراف" The Telegraph آنذاك، ونقيب المحررين السابق، ليطلق النار عليه فلقي مصرعه، بعد أن كان لأعوامٍ صوتاً جريئاً في وجه السلطات. وذلك منذ أيام الرئيس بشارة الخوري، الذي استقال رضوخاً للرأي العام عقب إضراب استمر لثلاثة أيام استجابةً لدعوة المتني عام 1952. ظلّ المتني محافظاً على نهجه، ووقف بصلابة في وجه حكم الرئيس كميل شمعون إلى حين اغتياله؛ ما أشعل ثورة 1958 في لبنان، ويتّهم باغتياله أنصار شمعون.

في 16 مايو عام 1966، اغتيل قلم صحفي كبير آخر، هو كامل مروّة، مؤسس جريدة الحياة، والتي بدأها من غرفة في مبنى جريدة النهار. كان مروّة واحداً من أبرز الصحافيين وأشجعهم آنذاك، ولعلّ هذه الصفات تجلّت في العنوان الذي اختاره لمقالاته في جريدة الحياة: "قل كلِمتَكَ وامشِ". أسس الراحل إضافة إلى جريدة الحياة جريدتي "ذي ديلي ستار" The Daily Star  و"بيروت ماتان" Beyrouth-Matin، وكان من الذين لهم فضل كبير في ترسيخ حيوية العمل الصحفي العربي بابتكارِه أسلوب المقال الافتتاحي القصير.

ظل مروّة من المدافعين عن قول الحقيقة في الحقبة الناصرية التي وإن تجادل كثرٌ على صواب خيارتها السياسية، لم تكن في الحقيقة سوى "حقبة مخابراتية". وكان أن دخل شاب ناصري يدعى "عدنان سلطاني" إلى مكتب مروّة واغتالهُ فيه.

جاءت الحرب الأهلية اللبنانية بعد ذلك، وحملت معها استمرار الصراع واستهداف مجموعة جديدة من الصحافيين، أبرزهم  "سليم اللوزي"  و"رياض طه". ففي الرابع من مارس 1980 اغتيل الصحافي سليم اللوزي، الذي كان معروفاً بموقفه المناوئ للنظام السوريّ بعدَ احتلاله لبنان.

اللوزي، مؤسس "جريدة الحوادث" عمل بداية كاتباً للتمثيليات الإذاعية في إذاعة الشرق الأدنى عام 1944، ثمّ في مجلة "روز اليوسف" في مصر، قبل أن يعود إلى لبنان ويتابع عمله في الصحافة المكتوبة في جريدة "الصياد"، وبعدها في جريدة "الجمهور الجديد"، كما عمل مراسلاً لمجلّتي "المصوّر" و"الكواكب".

خلال الحرب الأهلية انتقل اللوزي إلى لندن هرباً من تهديدات متكررة طالته وأسرته، ثمّ قرر العودة إلى لبنان ليشارك في تشييع والدته، فاختُطف على طريق المطار وعُثر على جثّته مشوّهة بشكل فظيع بعد ذلك بأيام.

في 23 يوليو من العام نفسه، جاء دور "رياض طه" نقيب الصحافيين اللبنانيين حينها، حيث أطلق مسلحون عشرات الرصاصات باتجاه سيارته في بيروت، وكان "رياض طه" من الصحافيين البارزين في الشرق الأوسط، وأسس مجموعة من المؤسسات الإعلامية كأخبار العالم، والبلاد، والكفاح، وهو صاحب السبق بإنشاء أول وكالة أنباء رسمية عربية "أنباء الشرق". كان "طه" من الأصوات التي تدعو إلى الاعتدال ونبذ الخلافات، وعُرف عنه أنه صاحب مبادرات للتوفيق بين أطراف النزاع في لبنان أثناء الحرب، الأمر الذي من المتوقّع أنه أدّى لاغتياله.

انتهت الحرب اللبنانية أخيراً، لكنّ الصراع بين الصحافة وسلطة الأحزاب - العصابات لم ينته، ففي العام 2005، عادت الاغتيالات لتتصدر المشهد، وكانت البداية مع سمير قصير، صاحب المقالات اللاذعة والجريئة، التي كانت - إضافة للدور المحوريّ الذي لعبه في صياغة ما سُمّيَ آنذاك انتفاضة الاستقلال - السبب البارز لنزع حياته بشكل وحشيّ. لكنّ قصير لم يكن الأخير، ففي 12 ديسمبر  2005، اغتيل الصحافي "جبران تويني" الحفيد، بتفجير سيارة مفخخة أثناء مرور سيارته في منطقة المكلّس.

يعتبر تويني أحد أهمّ الأسماء التي ناهضت "عهد الوصاية" السورية على لبنان، وهو سليل عائلة إعلاميّة عريقة، فجبران الجدّ أسّس واحدة من أكبر الصحف العربية "جريدة النهار" وكان من الأقلام البارزة آنذاك، وتابع الأب "غسان تويني" المهمة بعد والده وبرز صحافياً وسياسياً ونائباً.

لعلّ من المفارقات الجديرة بالذكر أنّ موقع جريدة النهار اللبنانية أثناء الحرب الأهليّة كان موقعاً فاصلاً بين جبهتي بيروت الشرقية والغربية، في شيء يشبه التأكيدَ على الدور الحيادي الذي يجب أن تلعبه الصحافة في العالم، وهذا ما أكدته كلمات غسان تويني في تشييع ولده جبران حين دعى "إلى دفن الأحقادِ مع ابنه".

لم تنج الصحافة لا في لبنان ولا في غيره من الاستهداف، وإنْ نجا بعض ممتهنيها من محاولات اغتيال أو اختطاف. اليوم وفي ذكرى اغتيال "سمير قصير"، لا تبدو الصورة مختلفة في الصراع الملتهب بين حاملي شعلة الحقيقة وبين السائرين في ظلام الاستبداد.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard