شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
نماذج من الكحوليين العرب

نماذج من الكحوليين العرب

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

السبت 23 يوليو 201603:21 م

ليس كل شارب للخمر بكحولي، وليس كل كحولي بشرِّيب، فشرب الكحول يحتاج إلى "معلميّة"، وإلى رأس لا يدور. لذلك هناك أنواع من الكحوليين، من أشهرهم ذلك السكير التقليدي الذي يخرج إلى الشوارع مترنحاً ويشتم ما تيسر له شتمه من مارة، أو مجهولاً غائباً لا أحد يعرف من هو وما علاقة صاحبنا به. يواجه هؤلاء عادة المتاعب، ويزج بهم في نظارات المخافر بتهمة السكر العلني إذا لم يكن هناك شجار محدد مع أحد ما، أو بتهمة المشاجرة في حال التحم السكران مع أحد ما.

تبقى هذه الشخصية من أكثر الشخصيات التي يُعرَّف بها السكر بالنسبة للشارع، لكن ما يحدث في المطاعم والبارات لا يشبه ما يحدث في الشارع. ففي المطاعم يرمى السكران خارجاً سواءً بالقوة، أو بمعية أصدقائه الساهرين معه، وخاصة إذا كان المطعم أو البار من الدرجة الراقية. أما في البارات الشعبية فربما يدخل السكران في عراك مع زبون آخر، أو مع نادل عصبي، وينتهي الأمر بمشاجرة داخلية قد تأتي الشرطة على أثرها وقد لا تأتي، وقد تحل إدارياً مع تبويس شوارب أو بدونها في حال كان المكان من النوع المسيطَر عليه من قبل عمّاله.

ومن هذه الأمكنة تبرز الكباريهات، فعامل الكباريه هو أقرب إلى "البادي غارد"، على الرغم من وجود أكثر من واحد هناك، إضافة إلى العيون الساهرة أو رجال الشرطة الذين يحومون حول الكباريه كما لو أنهم موظفون فيه لقاء إكراميات من صاحب الكباريه ومن الزبائن على السواء. في الكباريه تبرز شخصية الخاروف، وعادة يكون من الخليجيين الذين يأتون إلى سوريا حبّاً بالسياحة الليلية حصراً، فتراهم حالما يسكرون يبدأون برش الأموال على المطربة الغجرية.

المطربات والراقصات الغجريات في كباريهات سوريا يسمين بالحجيَّات، وهن ينتشرن على كل بقاع اللهو الليلي في سوريا، ولهن في الرقة بؤر للسهر في خيام البدو يأتيها السيّاح الخليجيون خصيصاً كل عام. يرشون المال على المطربات والراقصات بانتشاء عجيب وهم يرسلون مع كل رزمة مالية التحيات بدءاً بالمطربة وانتهاء بالملوك والأمراء وفلسطين، وكثيراً ما يتسابق مواطنو هذه الدولة مع مواطني تلك الدولة في توجيه التحيات إلى أمير البلاد التي أتوا منها إلى هذا المكان. وهؤلاء بالضرورة من الفاشلين في التعامل مع الكحول، فرؤوسهم تدور من أول كأس، وجيوبهم تفرغ عند الكأس الثالثة. لذلك يسمّون بالخواريف، لأن القائمين على المحلّ يسلخون جلودهم عن عظامهم ويذبحونهم ذبحاً بلا رحمة على مستوى المال.

وهؤلاء ليسوا بمدمنين على الكحول في الحقيقة، وإنما هم من المدمنين على هذا النوع من السهر، ولهم في أوروبا وأمريكا أيضاً صولات وجولات في رشّ المال على طاولات الروليت وشتى أنواع القمار. إنهم مدمنون على رمي المال والتباهي بتلك اللحظات أمام المعجبات، ولا يشبهون بأي شكل من الأشكال الكحوليين الذين يسهرون في الأمكنة نفسها حيث المتمرسون بفن الصبابة والإصطهاج من السوريين. المصطهجون المحليون يأتون إلى الكباريه ويدفعون بدقة حسابهم، ولا يختلف الثمن عن الثمن الذي يمكن أن يدفعوه في مطعم عادي، ذلك أنهم على علم تام بالتسعيرة، وعلى يقظة تامة طوال السهرة وانتباه لأي محاولة خورفة يمكن أن يتعرضوا لها. الكحولي المتمرس صاحٍ مائة بالمائة في هذا النوع من السهرات، ولا يحيد عن ذلك الكحوليون من مرتادي الأماكن العادية من مطاعم وبارات، فهم يدخلون ويخرجون بشكل طبيعي دون أية مشكلة تذكر، مهما كانت درجة الصخب والسكر، لكن من الممكن أن يتشاجروا مع رجل غيور على امرأة ترافقه، بسبب نظرة حالمة، أو إشارة خاطئة.

وهناك نوع من الكحوليين يتوقفون عن الشرب في رمضان، بل يصومون ويصلّون الشهر كاملاً، وينتشر هذا النوع في تونس والجزائر والمغرب، فهم من المواظبين على شرب الكحول يومياً باستثناء أيام شهر رمضان. ومن الغريب تلك القدرة التي يمتلكونها في مواجهة الكحول طوال الشهر الفضيل على الرغم أن بعضهم من صنف التصبحجية. والتصبحجية هم الكحوليون الذين يتناولون الكحول منذ الصباح، ومعظم هؤلاء لا يتمكنون من فعل ذلك في بيوتهم نظراً للرقابة التي يمارسها أهاليهم كي يخلصوهم من الإدمان، فتراهم يجلسون منذ الصباح على أبواب الخمارات التي كثيراً ما يداومون فيها بانتظار الساقي الذي سيفتح أبواب الخمر أمامهم، وقبل أن يفعلوا أي شيء يتناولون الكونياك الفلت، أو الكونياك الوطني على جرعات سريعة كي يتوقف الرجفان الذي يعانون منه. وبعد ذلك يطلبون المشروب الذي سيبدأون به نهارهم، وفي معظم جلسات الشرب السورية يعم السلام ولا تحدث المشاجرات عموماً باستثناء الشخصيات التي أوردناها أعلاه. من الممكن أن تكون هناك ملاسنة سريعة الزوال تنتهي بتبويس الشوارب والاعتذارات، في حين لا بد من الشجار في نهاية السكرة العراقية، فالسكرة تبدأ بالمديح الذي يكيله أحدهم إلى الآخر بشكل مبالغ فيه، وتنتهي بتبادل الاتهامات، أقلها جاسوس أو مخبر، ومهما كانت درجة الثقافة التي يتمتعون بها فإن الشجار قادم لا محالة ما دام هناك أكثر من عراقي في السهرة، ومهما كانت درجة علمانية هؤلاء، فإن شجاراتهم تأتي بناءً على الخلفية الطائفية لكل فريق. وصحة.

نشر الموضوع على الموقع في تاريخ 08.01.2014 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard