شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
البهائيون العرب... اتفاق على القمع

البهائيون العرب... اتفاق على القمع

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 19 مارس 201503:20 م

يضيع القارئ في زحمة الدراسات والأبحاث التي تناولت فرقة البهائيين وأركانها ورموزها ومواطن نشأتها وانتشارها ومصادر عقيدتها، ولا شك أن كثرة الآراء والتفسيرات حول البهائية جعلتها لغزاً مثل الحركة "الماسونية"، فهناك من يحدثنا عن خطرها وتطرفها، وهناك من يعتبرها مصدراً للتسامح والسلام، لكون أفكارها تشبه مضمون ميثاق الأمم المتحدة.

يبقى المشترك في معظم الأبحاث، أن البهائية عقيدة دعا إليها ميرزا حسين علي نوري الذي كان يلقب بـ "بهاء الله". وتعود جذور هذه العقيدة إلى البابيّة التي تأسست عام 1844 على يد ميرزا علي محمد الشيرازي الذي نشأ في بلاد فارس في وسط "باطنيّ حلوليّ متصوّف"، وأعطى لنفسه الحق في أن يكون هو "باب المهدي المنتظر".

لذلك، اعتبرت البهائية فرقة خارجة على الإسلام (الشيعي تحديداً)، وهي بحسب الباحث العراقي محمد حسن الأعظمي "مذهب مصنوع من ديانات ونِحل وآراء فلسفية (...) ومزيج من أخلاط البوذية، والبرهمية، والوثنية، والزاردشتية، واليهودية، والمسيحية، والإسلامية، ومن اعتقادات الصوفية والباطنية (كتابُ البهائية والقاديانية). ويفيد الباحث المصري عبد الوهاب المسيري أن ثمة تماثلاً بنيوياً "بين البهائية واليهودية في جانبها الحلولي" حسب كتاب "الجمعيات السرية في العالم".

يعتقد البهائيون أنَّ "المهدي المنتظر" قد عاد في الواقع في هيئة مؤسس دينهم. وهذا الرأي يمثِّل انتهاكاً لمحرمات الإسلام الشيعي التي تتمحور عقيدتها الرئيسية حول الإيمان بعودة المهدي، وعليه، تعرَّض "الباب" وأتباعه إلى الاضطهاد والملاحقة والسجن والقتل، وفي فترة يسيرة أُعدم ما لا يقل عن 20 ألفاً من أتباعه.

في عام 1852  قُتلت "قرة العين" وهي من أركان الدين البهائي، وكانوا يلقبونها بـ"الطاهرة" وقد نادت بحرية المرأة ومساواتها وخلعت الحجاب، وتعتبر بذلك أول امرأة (مسلمة) أقامت الإمامة وصعدت المنبر في المسجد، وكتبت عنها بعض الروايات والقصائد والأبحاث، من أشهرها بالعربية للباحث العراقي علي الوردي بحث بعنوان "هكذا قتلوا قرة عين" إلى جانب العديد من الروايات الأجنبية والعربية منها رواية "كاريزما" للروائية اللبنانية هالة كوثراني التي صدرت أخيراً عن دار الساقي.

وعلى نحو ما، ثمة روايات عدة حول أصول البهائية وارتباطاتها، يكتنفها الغموض وصعوبة التحديد في البلدان العربية والإسلامية بسبب عدم دقة الإحصاء السكاني، لأن البهائيين غير مسجلين كأتباع لهذه الديانة، وهم تعرضوا ويتعرضون للقمع بأشكال مختلفة في بعض البلدان.

إيران

ففي إيران، كانت البداية حين سجنت السلطات بهاء الله، ثم نفته وعائلته إلى بغداد، ثم نقلته السلطات العثمانية إلى اسطنبول، ثم أدرنة، ثم انتهى به المطاف عام 1868، إلى مدينة عكا الفلسطينية لتصبح منفاه الأخير وقبلة أتباعه ومقرهم العالمي الذي يشتهر بهندسته المميزة وحديقته الخلابة.

والملاحظ أن قمع البهائيين تجلى بقوة في زمن الثورات والانقلابات، فمنذ قيام "الثورة الإسلامية الخمينية" قبل 35 عاماً، ازداد وضع البهائيين سوءاً في إيران فأُغلقت جميع محافلهم ومؤسساتهم، ومنعوا من ممارسة وتدريس ديانتهم، وقد كثفت وسائل الإعلام الإيرانية حملاتها ضدهم.

في أكتوبر 2007، نشر الحرس ثوري تقريراً ذكر فيه بأن البهائية تشكل "خطراً على النظام الإيراني". وحتى في ظل تولي الرئيس المعتدل حسن روحاني مقاليد الرئاسة لا يزال البهائيون يتعرضون للاعتقال.

العراق

لا يختلف مسار البهائيين في العراق عن إيران، ففيه قضى مؤسّسها "بهاء الله" 10 سنوات وأعلن دعوته، وفي هذا البلد، قتل كثيرون من أتباع البهائية وهدّمت أماكنهم المقدّسة. وكان البهائيّون قد تمكّنوا من الإعلان عن هويّتهم بشكل رسمي في العهد الملكي، وبدأ تضييق الخناق يشتدّ عليهم بعد سقوط الملكيّة في نهاية الخمسينات وقيام النظام الثوري العروبي القومي، إذ أصدر نظام حزب البعث عام 1970 مجموعة قرارات ضدّ البهائيّين. وبموجب هذه القرارات، أصبحت الديانة البهائيّة محظورة رسمياً، وجُرّد المنتمون إليها من جميع ممتلكاتهم ومُنعوا من حقوقهم المدنية وتعرضوا للسجن والقتل.

طوال مرحلة الحكم الصدّامية وبسبب القمع المتمادي، عاش البهائيّون العراقيون نوعاً من الانغلاق التام أو غادروا البلاد إلى المنفى.

وعلى الرغم من "الانفتاح" الحاصل بعد سقوط صدّام حسين عام 2003، إلا أن البهائيّين في العراق ما زالوا في الظلّ، يعانون خوفاً اجتماعياً، ويفضّلون الابتعاد عن ممارسة شعائرهم وطقوسهم، فوق ذلك يسمعون أخباراً غير طيبة عن ممتلكاتهم، ففي 19 يوليو 2013 علم البهائيون بقيام بعض المجهولين بهدم بيت "بهاء الله" في بغداد في حي الطلائع الذي كان قد تم تحويله إلى حسينية!

مصر

يعتبر واقع البهائيين في مصر الأكثر صخباً ومعمعة في هذه الأيام. بدأت مشكلتهم عام 1960، حين صدر قرار جمهوري (ناصري) قضى بإغلاق المحافل والمراكز البهائية كافة، على خلفية دعوى جنائية اتهم فيها بعض الأفراد بنشر الدعوى البهائية في مصر. وبقيت قضيتهم تتأرجح بين الانفراج والقمع، بين التسامح معهم والاعتراف بحقوقهم المدنية، وبين اتهامهم بالصهيونية.

عام 2003، أصدر مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر فتوى مفادها أن الإسلام لا يقرّ بأي ديانة أخرى غير ما أمر القرآن باحترامه، مشيراً بذلك إلى الأديان السماوية، ووصف العقيدة البهائية بأنها "من نوعيات الأوبئة الفكرية المدمرة التي يجب أن تجند الدولة كل إمكاناتها لمكافحتها والقضاء عليها".

والبهائيون من وجهة نظر بعض الإعلام المصري يهددون الأمن القومي ومرتدون عن الإسلام، وحتى الآن يتعرضون للقمع كما غيرهم من الأقليات. لم تقدم الثورة المصرية التي أطاحت بنظام حسني مبارك أي حل لمشكلتهم وحرية رأيهم ومعتقدهم، وربما ازداد وضعهم تعقيداً في هذه المرحلة المخاضية.

نستخلص مما ورد أعلاه أن البهائيين عاشوا الحرية قليلاً في الزمن الملكي، وتعرضوا للقمع في الزمن الثوري والانقلابي، بدءاً من النظام الناصري العروبي مروراً بالبعثي العلماني العراقي وصولاً إلى نظام ولاية الفقيه الإيراني.

بلدان أخرى

يتواجد البهائيون في أكثر من بلد عربي، كالأردن والمغرب والكويت والإمارات وسوريا والبحرين، وتتشابه أوضاعهم في هذه البلدان، فلا يعترف بديانتهم ولا بزواجهم، فيما أولادهم يتعلمون في المدارس الإسلامية.

أما في لبنان، ومع أن  حضور البهائيين بدأ منذ أكثر من قرن من الزمن من خلال الدراسة في الجامعة الأميركية في بيروت، لكن عدد البهائيين ما زال قليلاً لا يتجاوز 400 شخص، ينتشرون بين بيروت وجبل لبنان والبقاع (مشغرة تحديداً)، ولديهم بعض المحافل في بلدة بيت مرّي، ومقبرتهم الأساسية في منطقة عرمون.

اللافت أن العدد الأكبر من أبناء هذه الديانة مسجلون في عداد الطوائف الأخرى (شيعة، موارنة وسنة)، ويرجع السبب إلى أن الدولة اللبنانية (بلد الـ 18 طائفة) لا تعترف رسمياً بهم، ويحرمون من الحصول على وظائف حكومية.

من يراجع بعض المواقع الإلكترونية الدينية، يلاحظ حقد بعض رجال الدين المسلمين (سنة وشيعة) على البهائية والبهائيين، فيتهمون أنصارها بالإلحاد والإباحية والزندقة والماسونية والكيسانية والرواندية، وما شابه من تعابير وأسماء فرقٍ، ويكيل بعض الباحثين تهماً للبهائيين في أنهم يعملون لدى وزارة الخارجية الأميركية، وتحرّكهم الصهيونية العالمية، وهذه الاتهامات والتوصيفات تسهل من تشويه صورتهم، وتساهم في نبذهم والتضييق عليهم دون وجه حق.

تم نشر هذا المقال على الموقع في تاريخ 10.03.2014


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard