شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
مصائب قوم عند قوم أزياء

مصائب قوم عند قوم أزياء

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 26 يونيو 201702:43 م

بعض الانطباعات غريبة. أحد مديري الأشغال الذين عرفتهم كان يحب رؤية النظارات الطبية على وجوه الموظفين. كان يشعر على الدوام أنّ موظف النظارات ذكي وأكثر جدية والتزاماً بالعمل من غيره. من قوانين العمل اللامكتوبة أنّ الوقائع لا قيمة لها أمام مشاعر مديرك.

لذلك، لم يكن مهماً أنّ موظف النظارات يمضي نصف وقته لاهياً، والنصف الثاني متغيباً، فلديه نظاراته التي تعجب المدير غاية الإعجاب.

على عكس زميله العادي، اللامرئي الذي حرمه القدر من نعمة الدرجات الناقصة في قوة البصر ومن فرصة ارتداء النظارة التي ستجعل المدير سعيداً للغاية. كان بإمكانك التفوه بأية ترهات في اجتماعات العمل، التذرع بأية حجة إذا تأخرت طالما تبتسم بغموض ذكي بنظاراتك ثخينة الإطار في وجه المدير المتيم بها.

مدير إحدى المحطات الفضائية بدوره كان يشارك المدير المذكور هذه الهواية في تجميع الموظفين المرتدين للنظارات. كان يشجع المذيعين على ارتداء النظارات في برامج الحوارات تحديداً، وذلك "لضبع" الضيف وإبهاره بكم الثقافة التي أتلفت بصر هاتين العينين خلف النظارة، ولكن الهدف الأعمق والأسمى من ذلك هو إدمانه على نظرات الإعجاب التي يقابل بها في الحي عندما يتهامس جيرانه بين بعضهم حول امتلاكه لمذيعين أذكياء في تلفزيونه.

لا داعي للنواح على كل حال، ولا حسد موظفي النظارات المدللين أولئك؛ ذلك أبسط تعويض منحتهم إياه الحياة بعد عقود من القهر في الطفولة والمراهقة. دائماً كان الولد لابس النظارة مادة مغرية للتندّر، ولطالما كنا نراه خارجاً من أي عراك، وقد نال الحصة الأكبر من الضرب رغم أنّه كان يتحاشى أن يكون طرفاً في هذه المعارك.

لابد من التنويه أنّ مجرد معرفة المرء لمعلومة كهذه غير كافية لينطلق في عالم الأعمال بنظارة مزيفة. بعض التفاصيل لا يمكن إغفالها. يعرف ذلك من يرتدي النظارات مع سلسلة، إذ يجدون أنفسهم مستثنين من امتيازات غيرهم من واضعي النظارات. السبب هو أنّ أخذ واضع نظارات السلسلة على محمل الجد أمر صعب للغاية، على عكس واضع النظارات العادية، بلا سلسلة، الواثق من نفسه لدرجة أنّه يجوب غمار الحياة دون أن يجعل احتمال سقوط النظارة يعرقل تقدمه.

على اعتبار أنّ ارتداء نظارات طبية بإطار مفرغ، أو بعدسات زجاجية فقط دون الحاجة إليها، قد شاع بين الناس لفترة، نستطيع أن نستنتج أنّ الظاهرة أكثر جدية مما قد تبدو عليه. على كل حال، هذا المزاج الشائع يجب أن يكون خبراً سعيداً للعصابة الصغيرة الشريرة التي تدير عملية غسل الأدمغة البشرية لإقناعها باستهلاك العجائب التي تصنعها دور الأزياء العالمية.

لا تفسير آخر لكون الأحذية المزعجة مدببة المقدمة قد أصبحت يوماً ما أمراً يحب الجميع أن يشتريه! هناك أمثلة كثيرة على الدروس التي يمكن استخلاصها من مثال النظارات الطبية. رباطات معاصم المنتحرين مثلاً، تلك العصابة البيضاء التي تربط حول يد من تمّ إنقاذه من محاولة انتحار بقطع الشريان. إذا كان الكثيرون ينظرون إلى من يرتدي نظارة قائلين: "يبدو أنّه ذكي، يقضي وقته في القراءة والاطلاع مما أتلف نظره" ، فلن يمنعهم أي شيء من النظر إلى من يضع إسوارة الانتحار تلك والتفكير بشيء مثل: "لقد جرب الانتحار. هل هو روح مرهفة عجزت عن تحمل قسوة العالم؟".

العكازات أيضاً، ماذا عن العكازات؟ لابد أنّها ستجد لنفسها مكاناً في باقة الانطباعات هذه: "يستخدم العكاز، لقد أصاب قدمه بطريقة ما. سقط بقوة أو سبح في البيئة الحيوية لأسماك القرش، وهو مغامر في الحالتين. أحب الإنسان المغامر". الجبصين ورباط اليد المكسورة سيغزوان سوق الألبسة بدورهما. صاحب أو صاحبة اليد المجبّرة قد يظهران مسحةً من الضعف والانكسار تغوي العديد من الناس، مستفزة لديهم مشاعر الاحتضان أو الأمومة أو العطف، أو أي من الترهات المشابهة.

للأسف، ولسوء حظ المضطرين لوضع مقوم الأسنان المعدني، يبدو احتمال الاستفادة من هذا الجهاز في إعطاء صورة خلابة بعيداً للغاية، ولا يمكن ربطه بأية خلفية مناسبة، فيستثنى من اللائحة السابقة، ولن يعتبر يوماً إلا اختراقاً معدنياً مزعج المظهر على أسنان المرء.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard