شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
الخمور تنافس السلاح في العالم العربي

الخمور تنافس السلاح في العالم العربي

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأحد 22 مايو 201602:49 ص

تشهد البلاد العربية ازدهاراً في صناعة وتهريب الخمور من وإلى عواصمها. أرقام هائلة تضعها أحياناً على رأس قائمة الدول الأكثر استهلاكاً للكحول في العالم. مافيات تقتل بعضها باسم الدين لتحمي تجارة الكحول السرية المربحة وتحتكر سوقها الواسع، شركات عالمية هدفها الأول اجتياح الأسواق العربية بسبب ارتفاع أسعار الخمور فيها، معامل محلية تصنع الخمور تحت سقف القانون، وخمر قد يقتل الإنسان في بعض الأحيان. كيف أعادت لتلك الأنظمة والمافيات العربية إحياء أسطورة آل كابوني بعد أن سقط قناعه منذ عقود؟

التشدد الديني الذي يجتاح مختلف الدول العربية، وتنامي الفكر الجهادي في المنطقة يرافقه ازدياد ملحوظ في استهلاك المشروبات الكحولية المحرمة. في العقد الأخير سجّلت المنطقة العربية ارتفاعاً بنسبة 72% في استهلاك الخمور، بينما ارتفعت بنسبة 30% فقط في العالم أجمع. رقم خيالي ربما ساهم في تحقيقه توافد الأجانب إلى الدول العربية، ولكن حتى بعد هروبهم من الحروب التي مزقت المنطقة، لم تتوقف صناعة الخمور في المنازل وبيعها في الشوارع. شركة Diageo في لندن التي تصنع ويسكي Jhonnie Walker وفودكا Smirnoff، سجلت بمفردها في العام 2010 ارتفاعاً بنسبة 16% كربح صاف من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، الدول العربية وحدها استهلكت 44% من إنتاج الشركة في المنطقة، بالأخص في السوق اللبناني والإماراتي. كيف تتم صناعة الكحول محلياً، وما هي الأرقام التي سجلتها مؤخراً الدول الأكثر تشدداً في العالم؟

المملكة العربية السعودية

وسط العاصمة الرياض، سوق سوداء مربحة لبيع الكحول من الباب الأول، وأحياناً بشكل مفضوح في زجاجات مياه معدنية، بسعر يتجاوز 250$ للزجاجة الواحدة، لإرضاء زبائن محليين وأجانب يتكاثرون بشكلٍ ملحوظ. البائع، في أغلب الأحوال، مهاجر غير شرعي من دول إفريقية وآسيوية، يكون مصدر رزقه الخطير خياره الوحيد. "العرق السعودي"، الملقب بـ"صديقي" أو بـ"الماء الحار" أو بـ "سائل البهجة"، التسمية الرسمية لمشروب كحولي في السعودية، والكلمة المفتاح للتمكن من ملاحقة الخارجين عن القانون. على صفحات غوغل، الأسئلة تتكاثر حول كيفية صنع الخمر في المنزل، والأجوبة تأتي واضحة.

المصادر تعترف أن ملف مصانع الخمور في السعودية خطير والمواد التي تستخدمها أخطر بعد، وأرقامها تتزايد بالأخص في الرياض وجدة وأبها. تم مداهمة 50 مصنعاً في جنوب الرياض خلال شهرين فقط العام الماضي، ووجدت في الخمور المصنعة مواد سامة وحشرات وجرذان ومواد من مياه المجاري.

ليبيا

مافيات الخمر قوية على الساحة الليبية، وعزيمتها تدفعها إلى خوض معارك بالأسلحة الرشاشة ضد الميليشيات الدينية إذا اقتضى الأمر. بعد سقوط القذافي، كثرت المتاجرة غير الشرعية بالكحول لدرجة انخفاض سعر زجاجة الويسكي أو الفودكا 3 مرات أقل من الماضي، ليصبح سعرها 93 $ فقط في بلاد الممنوعات. ولكن ما أن وضعت الميليشيات الدينية يدها على الشاحنات المحملة بكميات هائلة من الكحول قادمة من تونس، عادت لترتفع أسعار الكحول إلى ما سبق زمن "الثورة"، وعادت لترتفع أيضاً معه المعارك الدموية باسم الكحول، واستهداف "زعماء" تجارة الكحول في طرابلس الليبية. يؤكد الصحافي الليبي وليد الحراري أن أساس المعارك التي اندلعت بين قبائل التبو والزويّات منذ بضعة أعوام، هو أن نظام القذافي كان يحمي الزويّات (أقلية) ويعطيهم الدعم الأمني لتجارة الخمور، وهو أمر لم تتمتع به أغلبية التبو. الميليشيات الدينية خاضت محاولات عدة لاقتحام قرقراش في طرابلس وقمع تجار الكحول فيها، لأسباب مادية أكثر مما هي دينية، ولكن وجدوا أنفسهم بمواجهة مع عصابات مسلحة، لن ترضخ لمن يمس لا بمصدر رزقها ولا بمستوى الكحول الذي تصنعه وتتاجر به.

قرقارش، المنطقة المصدرة الرئيسية لتهريب الكحول إلى كافة أنحاء البلاد، يتمركز فيها أخطر تجار الكحول في المنطقة، يبيعون ويسكي Black Label، Jack Daniels، فودكا Absolute وبعض أنواع Gin، بأسعار تتراوح بين 77 و155$. البوخة المصنوعة محلياً متواجدة بكثرة ولم يتأثر سعرها بالأحداث، ولكن صناعتها خطيرة جداً، إذ يستخدم بعض التجار مواد سامة فيها قد تؤدي إلى الموت، فمن الضروري أن يكون المستهلك واثقاً بالتاجر وببضاعته، ليستمتع على الأقل بالكأس الذي يدفع ثمنه.

العراق

باعة المشروبات الكحولية في مرمى النيران من جديد. هذا هو العنوان الذي تصدّر الصحف العراقية العام الماضي، رغم أن قانون السياحة العراقي قبل 2003 يتيح لغير المسلمين العمل في هذه التجارة، ولم يقم المشرعون العراقيون منذ سقوط نظام صدام حسين بتعديل هذا البند. تجار الكحول في العراق هم من الطائفة الإيزيدية وهي أقلية تابعة لديانة شرقية قديمة، يهاجر أغلب شبابها إلى العاصمة بغداد للعمل في تلك التجارة. تكاثرت مؤخراً الحوادث المميتة، حيث يهاجم شبان مسلحون في وفد سيارات شوارع العاصمة ويطلقون النار والقنابل على الشبان الواقفين في محال لبيع الكحول، فيقتلون التاجر والمستهلك ومن يقترب من تلك التجارة المعيبة عليهم. أمر أثر على تجارة الكحول في بغداد، واضطر تجارها إلى دفع مبالغ مالية لوحدات من الجيش العراقي لتوفير الحماية لهم، إذا ما توفرت الحماية. عوضاً عن الاقتحامات التي تقوم بها القوات الأمنية للنوادي الليلية، وطرد روادها وتحطيم قاعاتها، قبل أن تغلق نهائياً، ظناً منهم أن منع ممارسة هذه التجارة سيحد من الهجمات المسلحة وينقذ بعض الأرواح. هكذا تبنى التجار خيار البيع السري في السوق السوداء تجنباً لتهديدات الأصوليين.

الخمور في العالم العربي - الخمور في العراق

المغرب

المعلومات تتضارب بعض الشيء بما يخص ملف الخمر في المغرب، فمن جهة تقول دراسة قدمتها وكالة رويترز أكتوبر الماضي، أن المغاربة يستهلكون الخمر أكثر من الحليب. 131 مليون لتر في العام الواحد تشمل 400 مليون قنينة بيرة و38 مليون قنينة نبيذ، و1.5 مليون قنينة ويسكي، ومليون قنينة فودكا، و140 ألف قنينة شامبانيا. عوضاً عن أن المغرب هو أكبر مصدر للخمور في العالم العربي، رغم وصول حزب العدالة والتنمية الإسلامي إلى السلطة في المغرب. يعتبر الشعب أن تزايد استهلاك الخمور وإنتاجها في ظل حكم الإسلاميين يدل على منافقة هؤلاء. يتلاعبون بعقول الأفراد من خلال التزمت من جهة، ويبحثون عن رضى النافذين في السلطة من جهة أخرى، مع العلم أن أشهر الخمارات في المغرب التي تنتج 27 مليون زجاجة نبيذ وحدها سنوياً، "أقبية مكناس"، يملكها مستشار سابق للملك حسن الثاني، ومع الأخذ بعين الاعتبار أن صناعة الخمور تضخ موارد مالية هامة في الخزينة، مع ضرائب تقدر بـ130 مليون يورو، وتشغل حوالي 20 ألف عامل محلي. من جهة أخرى، تقدم Euromonitor International دراسة تؤكد أن السوق المحلي للخمر في المغرب في تدن ملحوظ، متأثراً بالضرائب التي تفرضها الدولة على منتجي الخمور. تدهورت حركة البيع أيضاً بعد أن قررت بعض المتاجر الكبيرة حرمانها بيع الكحول، ما يدخل المغرب في حلقة ضيقة من الحيرة، قد تفتح الأبواب على السوق السوداء.

لبنان

بيروت، لا حاجة للتعريف، عاصمة استهلاك الكحول بامتياز، في البار، في المنزل، في الطرقات، في السيارات، في أيّ مكان! حوالي 8.5 مليون زجاجة نبيذ صنعها لبنان العام الماضي، للاستهلاك داخل الأراضي اللبنانية وللمتاجرة بها خارجاً. يقدر استهلاك الفرد اللبناني من المشروبات الكحولية بنحو 5 ليترات سنوياً، معدل مرتفع جداً لنسبة استهلاك الفرد الواحد في الدول العربية، وفق موقع Business Monitor .

ولكن شهد لبنان العام الماضي اعتداءات متطرفة في مناطقه الجنوبية، وانفجرت العبوات الناسفة في محال بيع الكحول، لم تشهد مشاكل مماثلة منذ عشرات الأعوام على افتتاحها. تلك التفجيرات دفعت عدداً من المطاعم والمحال إلى تعليق لافتات على أبوابها تعتذر فيها عن تقديم الكحول، مؤثرة بذلك على السياحة في عدة مناطق من الجنوب. ترى، هل من المفضل تجارة العبوات على تجارة الكحول؟!

الخمور في العالم العربي - مطعم في مدينة صور

سوريا

ازداد الطلب على الخمور في سوريا مع اندلاع الحرب، ما أدى إلى استراد الكحول من البلاد المجاورة، بالأخص لبنان، في وقت تراجعت فيه الصناعة المحلية بشكل ملحوظ، حدّ أن مسؤولين اتهموا بعض التجار المحليين والأجانب بخلطَ الكحول بسموم مميتة، بهدف تسجيل الخسائر في صفوف السوريين. يسمّونه سلاحاً جديداً فتاكاً في سوريا، الخمر الذي يقتل بظرف ساعات قليلة. تحتوي تلك المادة الكحولية على الميتانول السام بدل الإيتانول، ويكون من الصعب أن تدسّ بغية الغش، فالموت حينها أمر مرجّح عند تناولها، عدا عن عقوبات تفرضها الجماعات المتشددة المتكاثرة اليوم في سوريا، والتي تعمل على منع المشروبات الكحولية، وتقيم على من يتناولها "الحدّ" الذي يصل إلى الجلد أو الحبس.

الإمارات العربية المتحدة

منذ أيام قليلة، حققت الإمارات إنجازاً عربياً وعالمياً، بعد أن صنفت في المركز الأول في العالم في استهلاكها للويسكي، ومن أنواع فاخرة كالـ Blue Label، مع رقم يصل إلى 10 ملايين ليتر في العام الواحد، مبعدة فرنسا إلى المرتبة الثانية. بعد ساعات من نشر الخبر، حذفت صحيفة Arabian Business تلك المعلومة من محتوى صفحاتها نظراً للرقابة المتشددة التي تمارسها الإمارات على الوسائل الإعلامية. السوق السوداء قد تجتاح أحياناً الواقع بأكمله، لتلبس الحقيقة قناعاً زائفاً، أمام أعين العالم أجمع.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard