شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
السودان... موسم الهجرة إلى مناطق الذهب

السودان... موسم الهجرة إلى مناطق الذهب

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

اقتصاد

الأربعاء 31 مايو 201706:09 م

بين ليلة وضحاها، تحوّل عبد الهادي (27 عاماً)، من شاب عاطل من العمل إلى متعاقد في شركة إنشاءات وحفريات بعد اكتشافه 5 كيلوغرامات من الذهب في صحارى قبقبة، ولاية نهر النيل، شمالي السودان.

توجّه عبد الهادي إلى قبقبة في رحلة شاقة وعمل في تنقيب الذهب التقليدي متّخذاً من منطقة خلوية موقعاً لعملياته البدائية، وسرعان ما عثر هذا الشاب الذي درس إدارة الأعمال في جامعة الخرطوم ـ كُبرى الجامعات السودانية ـ على بئر يحتوي ذهباً بعد أن أطلق جهاز تنقيب الذهب صافرة الإنذار.

بعد مرور ستة أشهر على تنقيب الذهب التقليدي، اشترى عبد الهادي آليات للحفريات بنحو 20 مليون جنيه سوداني (أي ما يعادل 3.5 ملايين دولار أمريكي) وتحوّل من حالة الفقر المدقع، التي ظلّ يعيشها في بلدته الى متعامل في الانشاءات والحفريات وبات يملك ما يكفي من الأموال لشراء أفخم السيارات.

ولم يتردد هذا الشاب الثري في افتتاح مكتب في مدينة "أبو حمد" القريبة من مناطق التعدين الأهلي (650 كيلومتراً شمالي الخرطوم)، ومكتب آخر في العاصمة السودانية، أوكل إدارته إلى صديقه. وقد نجح الاثنان في شراء أربع آليات ثقيلة ومعدات أخرى مقابل مبالغ طائلة. 

يرى عبد الهادي الذي ينحدر من منطقة المناقل، وسط السودان، في حديثه إلى رصيف22 أنّ سوق الإنشاءات في السودان بات جذاباً وقادراً على تحقيق الكثير من أحلامه. وأضاف "كنت أعاني من البطالة وذات صباح، قرّرت التنقيب عن الذهب في منطقة قبقبة بواسطة شاحنات وتغيّرت حياتي رأساً على عقب".

السودان منجم للذهب تاريخياً

ينتشر الذهب في أغلب مدن  شمال السودان الصحراوي، وتحديداً من أقصى الشمال حتى قرب العاصمة الخرطوم، ومن الساحل الشرقي على البحر الأحمر وسلسلة جبال البحر الأحمر إلى أقصى الغرب، بالقرب من جبل عوينات والطينة في دارفور.

ويقول الباحث السوداني عارف حمدان لرصيف22 إنّ ارتباط السودان بالذهب قديم جدّاً، ذلك أنّ السودان عُرف منذ القدم ببلاد الذهب ويضمّ أكبر مخزون من ثروات المعدن الأصفر غير المكتشف. وقد كان هدف الغزو التركي للسودان في منتصف القرن التاسع عشر، الحصول على الذهب والرجال الأقوياء.

وكان وزير المعادن السوداني محمد صادق الكاروري أكد أن احتياطي السودان من الذهب يتجاوز 1037 طناً لم يتم استخراجها حتى الآن، مشيراً إلى أن اكتشافات الذهب التي قامت بها 19 شركة من أصل 142 شركة حددت احتياطات المعدن في البلاد. 

وتوقع وجود احتياطات ضخمة من الذهب قيد الاكتشاف بعد وصول بقية الشركات، كما كشف عن أكثر من 315 شركة عاملة في مجال التعدين منها 142 شركة كبيرة، و173 شركة صغيرة، مؤكداً أن ما يجري إنتاجه وتصديره من الذهب إلى الخارج لن يؤثر مقارنة بالاحتياطات الضخمة.

رحلة البحث محفوفة بالمخاطر

تشهد مناطق التنقيب الأهلي عن الذهب في مختلف مناطق السودان، الكثير من المعاناة لتنتهي، ربما، بملاعق صغيرة من الذهب. وقد يحالف بعض المعدّنين الحظ  ويظفرون بنحو 5 ـ 10 كيلوغرامات، وقد يصبح بعضهم أيضاً من الأثرياء في حال اكتشاف كميات وافرة من الذهب. لكن أحياناً تنتهي التجربة بمرارة، إذ تتحوّل آبار التنقيب إلى خيبات أمل إن لم تتحوّل في أحيان كثيرة إلى مقابر جماعية. فقد انهارت العديد من آبار الذهب في ما يُعرف بالتعدين الأهلي والسباق المحموم الذي يشهده هذا القطاع.

وخلال فترة زمنية قصيرة، أصبح التنقيب عن الذهب حلمَ الكثير من البسطاء الذين تحاصرهم هموم الحياة وجفاف الصحراء. وبات الأهالي والمنقّبون، داخل أسواق أبو حمد، يتداولون قصصاً وروايات طريفة أقرب إلى الخيال، أثناء أخذهم قسطاً من الراحة بعد مشاوير مضنية.

طرافة الموضوع تبدأ مع صيحات كمساري العربة (البائع الجوال) في أحياء الخرطوم الذي ينادي المتجهين إلى مناطق الذهب قائلاً: هلموّا لتركبوا وتمضوا إلى المال. من يريد الحصول على الأموال الكثيرة فليركب معنا". ثم يعود ويصيح الكمساري عينه للذين لم يحالفهم الحظ قائلاً إن "أهلك قبل أن تهلك... أهلك قبل أن تهلك"؛ وهو رجاء واضح للعودة للأهل بسلام. أمّا المنقّبون عن الذهب، فيطلقون على الكميات التي يستخرجونها أسماء محلية خاصة لا تخلو من الطرافة. فهناك قطع صغيرة تُسمّى "التسالي" وتباع بنحو 40 جنيهاً سودانياً، أي ما يعادل 7 دولارات، وهناك "الناموسة" التي تباع بنحو 80 جنيهاً (14 دولاراً). ويُطلق على الكميّات الأكبر حجماً "الضفضعة" التي يصل وزنها إلى نحو كيلوغرام أو كيلوغرامين.

يتدافع الآلاف للتنقيب غير مبالين بالموت. وبحسب تقارير وزارة المعادن السودانية، يعمل نحو مليون شخص إلى جانب 5 ملايين آخرين في مهن مصاحبة للتعدين ويغطي هذا النشاط 18 ولاية في أكثر من 81 موقعاً.

وأنعش تعدين الذهب أسواق "أبو حمد" بشكل ملحوظ، على نحو انعكس على  الفنادق التي أنشئت فضلاً عن حركة السيارات الفخمة.

ويقدّر اتحاد التعدين الأهلي في محلة أبو حمد، الذي يخدم حوالى 250,000 عضو، عدد العاملين في مجال التعدين في المحلية بـ150 ألف معدّن من كل أنحاء السودان، وعدد الآبار بـ5,400 بئرٍ، ومتوسط العاملين في البئر الواحدة يقدّر بنحو 20 شخصاً، وعدد الطواحين 1,370. كذلك يقدّر عدد العاملين في سوق أبو حمد بنحو 15 ألف شخص وعدد عربات النقل بـ9,800 عربة وعدد العربات نصف نقل بـ14,300، فيما عدد الجرارات بـ4,200 والحفارات بنحو 3,700. وعام 2012، كان عدد وفيات الحوادث والاختناق 165 شخصاً وعدد حالات التسمّم بالزئبق غير محصور.

وتشير بعض التقارير إلى أنّ مخلّفات عمليات التعدين تشمل مواد "الزئبق" و"سيانيد الصوديوم" العالية السمومة، وهي مواد تجد طريقها الى نهر النيل مباشرة وتتسرّب إلى المياه الجوفية، فضلاً عن تطايرها في الهواء العالق جراء طواحين الحجارة المنتشرة هناك. كذلك حذّرت تقارير صحية من تلوث التربة وجعلها غير صالحة لنشاطات الزراعة والرعي والسكن جرّاء مخلفات التعدين إذا لم تتّخذ السلطات إجراءات حازمة بإصدار مواصفة التعدين الأهلي وحظر استخدام الزئبق نهائياً.

وخلال العام الماضي فقط، اضطرت شركة صينية عاملة في مجال التعدين في شمال السودان إلى تعويض الأهالي بعد نفوق ماشيتهم جراء شربها من مياه أمطار ملوثة بسيانيد الصوديوم حملتها الأودية الى قرية "أم سرح"، نحو 30 كيلومتراً جنوبي أبو حمد، شمال السودان.

قيود جديدة

على الرغم من المساهمة الفاعلة التي يضطلع بها قطاع التعدين الأهلي في الاقتصاد السوداني بفضل الموارد المالية الهامة التي يوفرها، فإن الدولة اتّجهت إلى وضع قيود جديدة على المعدّنين. وقد أدخل البرلمان السوداني تعديلات جوهرية على قانون المعادن صادق عليها في يناير 2015 وتتضمّن الكثير من القيود على الراغبين في التعدين.

ويُجرّم القانون أي شخص يقوم بالبحث والاستكشاف عن المعادن من دون أن يكون لديه ترخيص ساري المفعول. ويعاقب بالسجن مدة سنتين الذين يقومون بعمليات استخراج المعادن دون أن يكون لديهم عقد تعدين مدته لا تتجاوز ثلاث سنوات.

وتشمل عقوبة السجن أيضاً أولئك الذين يمتنعون عن تزويد السلطة المختصة بالمعلومات والبيانات بشأن الكميات المنتجة فعلاً من المعادن في مدة لا تتجاوز الخمس سنوات.

وقد أحدثت هذه التعديلات حالة من الاستياء والامتعاض لدى شريحة واسعة من الشباب الساعي لتحسين ظروفه الاقتصادية والمعيشية القاسية، والساعي أيضاً لمجابهة متطلبات الحياة من خلال رحلة البحث والتنقيب عن المعدن النفيس علّ باطن الارض يوفّر ما استعصى على البعض إيجاده خارجها.

تم نشر المقال على الموقع بتاريخ 02.03.2015


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard