شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
لغة على وشك الانقراض في عصر الـ

لغة على وشك الانقراض في عصر الـ"3arabizi"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الأربعاء 8 أغسطس 201803:17 ص

“كلّما ظهرت قضية اللّغة، أيّاً كان الشكل التي تتّخذه، عدّة مشاكل أخرى تطفو إلى السطح”، هذا القول لأنطونيو غرامشي، يبيّن كيف تشكّل اللغات وطرق التواصل بشكل عام جزءاً هامّاً من الهويّة الشخصيّة. حديثنا مع الطرف الآخر يتخطى الكلمات إذ يتضمن أيضاً تفاوضاً مهمّاً ما بين الذات والحالات الإجتماعية، والثقافية، والجيوغرافية والسياسية التي نوجد فيها. هناك علاقة وطيدة ما بين السلطة واللّغة فالمجتمعات اللّغوية متنوعة الأشكال وديناميكيّة تتأثر بتغيّرات الزمان والمكان. أصبحت هذه النقاشات حول اللّغة أكثر إلحاحاً في عصرنا الرقمي، إذ نجد تعدّداً هائلاً في شبكات التواصل الإجتماعي التي استطاعت تغيير مفهومنا للّغة، مضيفة إليه أبجديّة إلكترونيّة جديدة. في هذا السياق، أعرض الإقتباس الإفتتاحي كردّ على مقالة صدرت مؤخراً عن الموضوع، وفي نفس الوقت كسؤال ملحّ، سياسيّ الطابع و شخصي أيضاً عن حالة اللّغة العربيّة في منطقة جيوغرافيّة تعتبر نفسها موحّدة تحت مظلّة لغويّة. فما هي التحديّات التي تواجهها اللّغة العربية في العصر الرقمي وماذا يمكن استنتاجه عن الهويّة العربية إثر ذلك؟ 

"7ilwe ktir 3leik"، هل أصبح الاستخدام اليومي للغة العربية على مواقع التواصل الاجتماعي لغة جديدة؟
هل ستصمد اللغة الفصحى في سباق تفصيل عبارات على قياس 140 حرفاً؟

العالم العربي ولغته المشتركة

تتميّز اللّغة العربية بتواجدها على ثلاثة أصعدة: لغة القرآن، واللغة العربية الفصحى التي تستخدم في الإعلام والمؤسسات الحكومية، واللّغة العاميّة المفهومة بين الدول وشعوبها أحياناً والمبهمة أحيان أخرى. وفي كل منها، تتشكل علاقة عميقة وحميمة ما بين اللّغة العربية ومفهوم الوطنيّة. يصعب تعريف المصطلح بشكل دقيق أو تحديد جميع المقاييس التي يأخذها بعين الإعتبار، لكنّنا نستطيع رسم خريطة لتأثيره عبر الـ22 بلداً الذين يعتبرون العربيّة لغتهم الأم. يبقى مفهوم القوميّة العربيّة جزءاً لا يتجزأ من هويّات الكثير من الشعوب والمواطنين الذين يعرفون عن أنفسهم كعرب، إنْ قالوها بحسرة أو بفخر. نرى الدور الإجتماعي والسياسي والثقافي للّغة العربية في عدّة لحظات تاريخية. كانت العربية في الزمن ما قبل العصر الحديث (قبل غزو نابوليون لمصر عام 1798) رمزاً للهويّة الجماعية، في عدّة نطاقات مختلفة. نزول القرآن باللّغة العربيّة وانتشار الدين الإسلامي وطّد علاقة اللّغة بالهويّة وأعطى العربيّة مكانة استثنائثة. يشير القرآن بشكل واضح إلى أهميّة اللّغة في سورة يوسف: "إنّ أنزلناه قرآنا عربيّا لعلّكم تعقلون"، مسلطاً الضوء على علاقة اللّغة بالمجتمع في صورة إبراهيم : "وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وهو العزيز الحكيم". وهكذا تثبتت العربيّة واكتسبت علاقة اللّغة وقومها شرعيّة دينيّة واجتماعية.

رغم الفرق النحوي ما بين لغة القرآن واللّغة العربية الفصحى، لعب الدين الإسلامي دوراً هاماً في نشر الفصحى كلغة الفن والأدب الثقافة والسياسة في العالم العربي أثناء تشكيله. قال اللغوي المصري إبراهيم أنيس أنّ اللغة في أوائل العصر الإسلامي، حدّدت "تخوم" القوميّة العربيّة فأينما "ترسّخت اللّغة، ترسّخت أيضاً القوميّة العربيّة". و هكذا تأُسّس مجتمع متخيّل مبني على الكلمة. خلق الاستعمار في العالم العربي- ابتداء من غزو نابوليون لمصر في آواخر القرن الـ18- لحظة تاريخية مميّزة حدّدت المستعمر كقوّة خارجيّة مُهدِّدة لأمن وأمان وثقافة العالم العربي. بدأت تتطور أيديلوجيات قومية عربية مع تفكك الإمبراطورية العثمانية الذي بدأ عام 1918، في البلاد العربيّة، وكان على رأسها سوريا ولبنان، حيث بدأت كفاحها ضد العثمانيين، مستخدمة الصحافة المطبوعة واللغة العربيّة كسلاح فكري موحّد. بحسب المفكّر السوري والعثماني ساطح الحصري (1880_1968)، فإنّ جذور القوميّة مزروعة في الشخص ذاته، وبرأيه أنّ كلّ من تكلّم العربيّة فهو عربي، بغض النظر عن آرائه تجاه ذلك، ويشكّل انتمائه الثقافيّ للدولة العربيّة جزءاً مهمّاً من هويته. تبلورت النداءات الهوياتية التي بدأت في العصر العثماني مع قدوم القائد المصري جمال عبدالناصر. ففي عهده، ربطت الأناشيد ودعوات الوحدة العربية بتخيّلات لزمن مضى و"نوستالجيا" لتاريخ رسّخته اللّغة العربيّة. أضفى غنى اللغة العربية وجمالها الأسلوبي تأثيراً عاطفياً على الخطابات السياسيّة، استطاع توحيد الناس تحت راية العروبة.

لغة على وشك الإنقراض؟

بالرغم من ذلك، لا يمكننا إعتبار اللّغة مفهوماً ثابتاً أو متجانساً فالعلاقة الوطيدة بين العربيّة والقوميّة عرضة للتأثر والتأثير بقوى مختلفة كالتكنولوجيا والعولمة. الفضاء الإعلامي المتغيّر، والواقع المتداخل التأثيرات، وبالأخص عند الشباب، والتقنيّات الرقميّة العديدة للتواصل خلقت تغيرات في اللّغة العربيّة شكلاً ومضموناً. انقسام اللّغة العربيّة على ثلاثة أصعدة جعلها أكثر نجاوباً مع التغييرات الجيوغرافية والسياسية في العالم، وبذلك خلقت شقاً يتوسع تدريجياً ما بين الخطاب اليومي أو الشعبي والفصحى. ومن هنا أصبحت اللغة العربية لغة صعبة الاستخدام على مواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي، خاصة في الفضاء الرقمي الذي يستلزم أفكاراً مفصّلة على قياس 140 حرفاً وتعليقات قصيرة على الفيسبوك والإنستغرام. خلقت الفجوة الفعلية والفكرية ما بين الفصحى والعامية طريقة كتابة جديدة تسمّى الـ”3arabizi”، حيث أنّ مستخدمي هذه اللغة الرقمية يكتبون باللغة الإنكليزية، ويستبدلون الأحرف العربية بأرقام تدلّ على طريقة لفظها؛ فمثلاً حرف العين يصبح الرقم 3 والهمزة تتحوّل إلى 2، والحاء 7.

لم تكن هذه الظاهرة قصيرة الأمد بل زادت شعبيتها وسط العرب وبالأخص الشباب فأصبحت اليوم تستخدم بشكل واسع، حتى أنّ بعض مستخدميها فضلوها على الفصحى أو الكتابة بأحرف عربيّة عبر شبكات التواصل الرقميّة. فماذا نفعل بهذا التحوّل اللغوي الملحوظ؟ هل يجب علينا نعي اللغة العربية الفصحى أم من الأفضل ننظر إلى الـ3ربيزي من وجهة نظر إيجابية؟ هل نكرّس جهودنا للبحث عن السبب لهذا التحوّل اللغوي أم نكتفي بإلقاء اللوم على السوشال ميديا وتطبيقات التواصل الإجتماعي؟ لغزنا اللغوي معقد، فها هو ينتج أسئلة كثيرة بلا أجوبة واضحة. تعكس ظاهرة العربيزي تغييراً جذرياً وعالمياً في كيفيّة خلق وفهم اللغات والثقافات والهويّات.

ربما أخطأنا باعتبار اللغة العربية وما أنتجته من الفصحى والعامية كياناً ثابتاً لا يمسّه التغيير. اللغة العربية، ككافة اللغات والظواهر الثقافيّة تغير شكلها وألوانها بحسب المكان والظروف. بحسب بعض المعلقين، تشير التغييرات من العربية الفصحى إلى "الـ3ربيزي" إلى نقلة نوعية من مفهوم عروبة متجانسة لمفهوم محليّ للمصطلح. ولكن هذه الفكرة تفترض وجود تعريف موحد للعروبة، كما أنّها تقترض وجود هذا التصور للعروبة في الماضي، مع أنها لم تتبلور كمفهوم سياسي واضح، إلا في القرن العشرين. من ناحية، نستطيع قراءة "الـ3ربيزي" كإنتاج لغوي لإمكانات مدفونة، بدلاً من النظر إليه كتغيير في مركز العروبة الفكري واللغوي. فيمكن النظر إليها على أنّها تعبير عن “عروبات” محليّة مختلفة موجودة منذ زمن، تظهر في لحظات تاريخية معيّنة.

الـ "3ربيزي"، هي مثال للامكانات والاحتمالات التي أتاحتها لنا التكنولوجيا الرقمية، بالإضافة إلى “هيبردة” المواطن العربي، التي ساعدت في خلق نموذج لغوي جديد. يجدر لفت الإنتباه، ولو بشكل موجز، إلى الدور الذي يلعبه العلم في خلق ظاهرة الـ3ربيزي. في العالم العربي نسبة عالية من المواطنين الشباب، والمناهج الدراسية في الكثير من البلاد العربية تركز بشكل غير متجانس على تعليم اللغات الأجنبية، وعلى رأسها اللغة الإنجليزية والفرنسية.  حتّى المدارس العامّة التي تعتمد التعليم باللغة العربية الفصحى، تواجه صعوبات في إقناع طلابها بأهمية اللغة الفصحى، فأغلبية ما يتابعونه على التلفاز هو منتجات ثقافية بالعاميّة أو باللغة الإنجليزية. كما أنّ متطلبات الدراسات العلية أو سوق العمل العالمي تفرض على أكثرية الطلاب البراعة في لغة أجنبية. وما يزيد من حدّة المشكلة أنّ تعليم اللغة العربية الفصحى في غالب الأوقات، يتبع مناهج جامدة، لا تتماشى مع روح العصر التي طالت كلّ شيء، ولا يدعم روح التفكير النقدي.

الفصحى والـ3ربيزي

الفصحى والـ3ربيزي هما "بنات عمّ"، أبعدهما الزمن عن بعضهما البعض، ولو أنّ الـ3عربيزي" أكثر شعبية من قريبتها. ما يجعل الـ3عربيزي لغة جذابة للشباب (بشكل أكبر) هي قدرتها على التجاوب والتفاعل مع الجوانب المتعدّدة لهوياتهم: فهي تمزج ما بين الجانب "الأجنبي" من شخصيتهم، والجانب الآخر المحلي، في طريقة تقارب استخدامهم اليومي للّغة العربيّة. تتناغم الـ3ربيزي مع الواقع الشبابي العربي وتفتح مجالاً لمناقشة الهويّة على مستويات عدّة. فالـ3عربيزي لغة واقعية، تعطي متنفساً للشباب، وهي لغة جديدة في طريقة استعمالها على شبكات التواصل الاجتماعي ولكنّها في نفس الوقت علامة للفارق التاريخي بين الفصحى والعاميّة، والأزمة التاريخية الكامنة في مفهوم العروبة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard