شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
السبيليات: سرّ قرية لم

السبيليات: سرّ قرية لم "تقتلها" الحرب العراقية الإيرانية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الثلاثاء 2 مايو 201704:05 م
يعود الكاتب الكويتي "إسماعيل فهد إسماعيل" في روايته الأخيرة "السبيليات" إلى الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988) ليقدّم حكاية تجري أحداثها في هذه الفترة، في قرية صغيرة تقع جنوب مدينة البصرة العراقية تدعى "السبيليات". تبدأ أحداث الرواية مع إصدار القيادة العراقية بياناً تطلب فيه من القاطنين في القرى والبلدات القريبة من ساحات المعارك مغادرة أماكن سكنهم إلى مناطق أكثر أمناً. "مطلوب من الأهالي كافة إخلاء مساكنهم خلال مدة أقصاها ثلاثة أيام. فإن تساءل أحدهم. إلى أين. تلقى إجابة. المحافظات العراقية الأخرى مؤهلة لاستيعاب المهجّرين من محافظة البصرة. يصار إلى إلحاق الرد بكلمات مطمئنة. حالة الاستنفار الراهنة لن تستغرق أكثر من ثلاثة أشهر ثم تعود الأوضاع إلى ما كانت عليه. تمثّل اليوم الأول للمهلة بحالة توهان. كيف يتسنى لنا أن نغادر تاركين شكل ارتباطنا بالمكان". هكذا، تجد "أم قاسم" وعائلتها أنفسهم مجبرين على الرحيل عن القرية التي لم يعرفوا غيرها طوال حياتهم، وفي طريق مسيرهم سيدفنون الأب "أبو قاسم" الذي لم يحتمل مشاق السفر فتوفي في الليلة الثانية لهجرتهم تلك. تناقش الرواية التعلّق بالمكان الذي ينتمي إليه الإنسان، وحالة الاغتراب التي يعيشها بعيداً عنه، ومشاعر الفقد التي تتلبسه، وكيف أن الحنين ينهش روحه ويقضّ مضجعه فلا يستطيع عيشاً أو راحةً وهو بعيد. هذه المشاعر كلها تتجسد في شخصية "أم قاسم" بطلة الرواية التي تقرر بعد شهور على بدء الحرب، دون إشارات لزمن انتهائها، أن تعود إلى منزلها في قرية "السبيليات"، فتخطط لذلك دون أن تخبر أحداً من أولادها، تأخذ الحمار الأحب إلى قلبها "قدم خير" وتمضي غير آبهةٍ بالصعوبات التي ستواجهها، مقررةً أن تنبش القبر الذي دفنوا فيه زوجها لتأخذ عظامه وتعيد دفنها في مسقط رأسه. يرسم الكاتب هذه الشخصية ببراعة لافتة، هي الشخصية المحورية في العمل، وكل الشخصيات الأخرى تدور في فلكها، وكأن وظيفتها الأساسية هي الإضاءة على جوانب من شخصية "أم قاسم" فقط، وحتى تفاصيل الحرب العراقية الإيرانية، ويومياتها ووحشيتها، وما فعلته من دمار وخراب وموت، كل ذلك نراه بعينيها هي، ونقرؤه بتفاعلها معه ومعايشتها له.
لماذا ظلت قرية السبيليات وحدها خضراء في محيط من قرى صفراء ماتت نباتاتها وأشجارها بسبب الحرب؟ اكتشفوا السر
"لا تدري ما الذي سيكون عليه رد فعل العسكر لدى اكتشافهم حضورها بينهم، مع استبعادها احتمال إطلاق نار، مع إرجاء فكرة اعتقال فوري، يبقى عذرها... أنا في بيتي. على افتراض أنهم أصغوا لها ثم حاجّوها. وجودك داخل منطقة عمليات عسكرية يمثّل مخاطرة على حياتك، ستردهم قائلة: الله الحافظ. فإن وجدت لديهم استعداداً لسماع المزيد، أضافت: حياة امرأة متقدمة في السن ليست أثمن من حياة شباب أمثالكم". تطرح الرواية الكثير من الأسئلة عن جدوى الحروب ومعناها، وتترك المجال واسعاً أمام التأملات التي ترافق "أم قاسم" وهي تتجول في أرجاء القرية لتعاين البيوت التي هجرها أصحابها وترى ماذا فعلت الحرب فيها. لا أحداث كثيرة وكبيرة إذاً، هي رواية جديدة تضاف للروايات التي كتبت عن الحروب وآثارها، ويبقى الاختلاف في الحكاية التي تروي هذه الحرب وفي مصائر البشر الذين يشكلون حبكة الحكاية، وفي ذاكرة المكان التي تختزن كل ذلك، وهنا في هذه الرواية للمكان حضوره القوي والفعّال. الرواية كلها تنبني على شكل إجابةٍ عن سؤال يطرحه الراوي/ الكاتب بعد أن يذهب في جولة استطلاعية عقب انتهاء الحرب العراقية الإيرانية للاطلاع على الدمار الذي خلفته الحرب، وهذا السؤال هو: لماذا ظلت قرية "السبيليات" وحدها خضراء في محيطٍ من قرى صفراء ماتت نباتاتها وأشجارها بعد أن توقف وصول الماء إليها إثر قيام القوات العراقية بإغلاق جميع مداخل الأنهار المتفرعة عن شط العرب بالتراب خوفاً من تسلل العدو منها؟ "ذهلنا لمشاهدة غابات نخيل أصابها الذبول، تحوّل سعفها للون أصفر فاقع، الحرب التي دامت ثمانية أعوام بآثارها المدمرة على الطبيعة. فجأة غاب اللون الأصفر، كنا نحلق فوق أرض مزحومة بالأخضر، أشبه بواحة غناء، (...) تساءلت مشيراً صوب الشريط الأخضر: لماذا هذه الأرض وحدها... لم أتلق إجابة ترضي فضولي، اكتفى أحد الأدلاء المرافقين، قال: هذه قرية السبيليات. بصفتها مسقط رأسك يلزمك أن تكتشف السر". إسماعيل فهد إسماعيل، كاتب وروائي كويتي من مواليد عام 1940. يعدّ المؤسس لفن الرواية في الكويت. حاصل على بكالوريوس أدب ونقد من المعهد العالي للفنون المسرحية في الكويت. عمل في مجال التدريس وإدارة الوسائل التعليمية، وتفرغ للكتابة منذ عام 1985. حصل على جائزة الدولة التشجيعية في مجال الرواية عام 1989، وجائزة الدولة التقديرية عام 2004. له عدة مجموعات قصصية وعدة مسرحيات ومجموعة من الكتب النقدية، كما أصدر سبعاً وعشرين رواية، من أبرزها: "كانت السماء زرقاء"، ثلاثية "النيل يجري شمالاً"، سباعية "إحداثيات زمن العزلة"، "سماء نائية"، "في حضرة العنقاء والخل الوفي" التي وصلت إلى القائمة الطويلة لجائزة البوكر العربية عام 2014، "طيور التاجي"، "الظهور الثاني لابن لعبون"، وأخيراً "السبيليات" التي وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية عام 2017. الناشر: نوفابلس للنشر/ الكويت عدد الصفحات: 160 الطبعة الأولى: 2016 يمكن شراء الرواية من موقع النيل والفرات.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard