شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
رواية

رواية "أصل العالم": رجل قتيل وامرأة نصف عارية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الاثنين 10 أبريل 201706:33 م
"لقد قتلت رجلاً، غادر المكان بسرعة. يقف على مفترق الطرق، خلفه البلدة القديمة تميل شمسها نحو الغرب، والطريق الجنوبي ما زال خالياً من المارة. هيا، بسرعة. ماذا تنتظر؟ اهرب قبل أن يمر أحدهم ويرى الجريمة، وعندها إن لم تفقد حياتك، ستفقد حريتك إلى الأبد". هكذا، يبدأ "وليد السابق" روايته الأولى "أصل العالم"، لتبدأ من بعدها سلسلة مصادفات غريبة تغيّر حياة بطله "يوسف" إلى الأبد، إذ يتعرض لقاطع طريق يحاول سرقته فيقتله دفاعاً عن النفس، لكنه يخشى ألا يصدّقه أحد، فيقرّر الهروب، ولكن كيف؟ وإلى أين؟ تساعده المصادفة ومهنته كحارس لمقبرة البلدة في ذلك، ففي اليوم نفسه، تدفن جثة رجل شديد الشبه به. ينتظر هبوط الليل ليُخرج الميت من قبره، يقص شعره ويخفف شعر ذقنه ويغيّر له ملابسه ليصبح مطابقاً له، ثم يضعه على الكرسي في غرفة عمله كي يظن الناس أنه هو، وأنه مات، ثم يلوذ بالفرار إلى مدينة غريبة، هناك، حيث سيعاني من أنه لا يملك أي بطاقة هوية فهو ميت في نظر الدولة. يشتغل الكاتب على بناء الشخصية من الداخل، فقد اختار شخصية مهزوزة نفسياً، عاشت حياة هامشية في بلدة معزولة، حياته كانت كما موته، لا يثيران أحداً. فجأة يجد نفسه وقد انهار عالمه الذي اعتاد عليه، والأكثر من ذلك أنه أصبح متورطاً بجريمة قتل وجريمة تزوير. يدخل الروائي إلى أعماق هذه الشخصية، لينقل لنا الصراع الداخل الذي تعيشه وعذاب الضمير الذي لا يتركها، كما يصوّر شعوره تجاه العالم الذي يعيش فيه، هذا العالم المليء بالتفاوتات الطبقية التي يراها في المدينة بين الأحياء الفقيرة والغنية، والمليء بالشك والريبة والخوف من طرح الأسئلة حتى البسيطة منها.
تأملات كثيرة في الجسد الأنثوي في هذه الرواية التي تحمل اسم لوحة شهيرة تصوّر امرأة بنصف جسدها السفلي العاري
يختار الروائي لبطله أن يكون عاشقاً للطبيعة وباحثاً عن الاكتمال الأصلي عبر التوحد معها، لذلك فإنه يدير على امتداد النص حوارات ليوسف معها، وتأملات له فيها، فالنجوم والمياه والأشجار والتراب والشمس والنهر... كلها تتحوّل إلى مصدر للأسئلة الوجودية والفلسفية، كما تتحوّل إلى رفيقةٍ له يبثها همومه وأفكاره. "أخبريني أيتها المياه الأزلية، كيف تركت البلدة القديمة؟ هل بكت البلدة يوسف الفقير، أم أنها كعادتها، رمته في النسيان مع شروق شمس اليوم التالي. كيف هي الطرقات والأشجار ومنازل الفقراء. كيف هو الزرع والطير وندى الصباح؟ أخبريني أيتها المياه، كيف هي رائحة الخبز في صباحات البيوت الصامتات عن الفجر؟ أيتها المياه الأزلية، أنا قد فقدتُ روحاً حين فقدت البلدة القديمة". لا أحداث كبيرة في الرواية بعد حادثة القتل ومحاولة الهروب منها، بل تمضي صفحاتها في تبعات هذا الفعل ومحاولات "يوسف" للخلاص منه، وفي أحلام وهواجس ترافقه، كما في أفكار متخيلة تمر في رأسه وهو يفكر في حلول للمآزق التي يجد نفسه فيها. كيف يعيش وهو لا يملك بطاقة هوية؟ هل اكتشف أحد جريمتيه أم لا؟ هل الرجل الذي قتله قد مات فعلاً، أم أنه توهّم ذلك؟ والسؤال الأكثر طرقاً في رأسه: ما سبب تعلقه بتلك المرأة نصف العارية التي رآها في قصر الرجل الثري الذي أخرجه من قبره؟ ولماذا يجد نفسه منساقاً لزيارة القصر كل يوم كي يراها للمحةٍ خاطفة؟ تشكّل هذه العلاقة الغامضة بين يوسف والمرأة نصف العارية مساحةً واسعةً في الرواية، وتفتح المجال واسعاً لتأملات كثيرة في الجسد الأنثوي، وفي العلاقة بين هذا الجسد والرجل الذي عاش حياته كلها مهمشاً كقتيل. تكتسب الرواية اسمها بسبب هذه العلاقة، إذ يختار الكاتب اسم لوحة "أصل العالم" للفنان الفرنسي "غوستاف كوربيه" كعنوان للرواية، وهي لوحة تصوّر امرأة بنصف جسدها السفلي العاري، ولهذا دلالته العميقة في ما تريد الرواية قوله. "لم يحتج يوسف لأكثر من نظرة واحدة، ليدرك أن المرأة النائمة هنا، في غرفة النوم الملكية، هي المرأة نصف العارية عينها. كانت المرأة ترقد مائلة قليلاً على جانبها الأيمن، تتمدد رجلها اليمنى بالكامل، فيما تنحني اليسرى فوقها لتشكّل مثلثاً قائماً، تكون فيه الركبة اليسرى، زاوية رأس، فيما تشكل العانة والتقاء القدمين الزاويتين الحادتين". وليد السابق، كاتب سوري مقيم في مونتريال. "أصل العالم" هي روايته الأولى. الناشر: دار الآداب/ بيروت عدد الصفحات: 224 الطبعة الأولى: 2016 يمكن شراء هذه الرواية من موقع النيل والفرات.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard