شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
رواية

رواية "باولو": الوجه الآخر للثورة المصرية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الخميس 1 ديسمبر 201606:54 م
تنضم رواية "باولو" للروائي المصري "يوسف رخا" إلى قائمة روايات ما يمكن أن نسميه "أدب ما بعد ثورة مصر"، فهي تتناول أحداث ثورة يناير 2011 وما حصل بعدها، من خلال وجهة نظر بطلها الرئيسي. الشكل الفني الذي بٰنيت الرواية عليه هو شكل المدونات، إذ إنها عبارة عن تفريغ كامل لمدونة "الأسد على حق" لصاحبها "عامر أبو الليل بغاغو"، والتي تم إنشاؤها في التاريخ نفسه لفضّ اعتصامي رابعة العدوية والنهضة لأنصار الرئيس المعزول محمد مرسي، وهي تتكون من 59 تدوينة، يعرّف صاحبها نفسه بالقول: "من أنا. عامر محمد جلال أبو الليل بغاغو، الشهرة: باولو. فوتوغرافي ومصور فيديو هاوٍ معروف في أوساط وسط البلد والدوائر الثورية. مصري الجنسية ومسلم الديانة. أعزب. مواليد المنوفية 1976. خريج تربية جامعة الأزهر عام 1988. موظف بوزارة التربية والتعليم إدارة شمال الجيزة وفي إجازة بدون مرتب منذ العام 2005. يعمل مدير مكتبة أزمنة المملوكة لممدوح عبد ربه السجيني". مع تتالي التدوينات نعرف أن "باولو" عميل لدى مباحث أمن الدولة، إذ آمن بالثورة في بداياتها، وانخرط فيها، غير أنه تحوّل عن موقفه بعد أن تحالف المجلس العسكري مع الإسلاميين، فشعر باولو بأن الثورة انحرفت عن مسارها وبات مقتنعاً أنها منتهية إلى فشل. هكذا رجع إلى العمل مع المباحث وصار يقدم لهم معلومات وتقارير عن المشاركين في العمل الثوري. تناقش الرواية جانباً سُكت عنه في الحديث عن الثورة المصرية، فبعيداً عن المثاليات والبطولات التي يرددها الجميع، هناك وجهٌ آخر هو الوجه العنيف والشرير والمزيّف لهذه الثورة ونتائجها. فآراء "باولو" تمثّل وجهة نظر شريحة قد لا تكون قليلة من الشارع المصري، وهي وجهة النظر التي لم تقدّس حركات الاحتجاج بحد ذاتها، بل ذهبت أبعد من ذلك لتسأل عن المكونات الفكرية والأخلاقية التي تقف وراء هذا الاحتجاج، ولتسائله في ضوء النتائج التي أفرزها، وتُسائل إخفاق طبقة النخبة في تجاوز تاريخ طويل من القمع والاستبداد. "ثم إنه ثمة دلائل كثيرة على أن الفضيحة المخزية التي يسمونها الثورة بدأت تنكشف. ليس فقط النهاية الفاضحة لاعتصام وزارة الدفاع. جنود الجيش يرقصون مع الأهالي بعد ما طردوا الثوار وكان مات من مات منهم وذبح في الشوارع من ذبح لأن الناس سئمت من احتجاجاتهم والمشاكل التي يجلبونها. المظاهرات نفسها كثرت وتداخلت أهدافها بطريقة عبثية. حتى تصوير المظاهرات يعني كون ناس تموت مجاناً ليكون في المظاهرات دراما بقي أهم من السبب في قيامها". يستخدم "رخا" في روايته لغةً خاصة، هي مزيج من الفصحى والعامية، ويتعمد الركاكة والبذاءة والسخرية في هذه اللغة، لتبدو وكأنها فعلاً مستلّة من إحدى المدونات الشخصية، وفي ذلك ينجح الكاتب في خلق الإحساس لدى القارئ بأن بطله من لحم ودم، لا مجرد شخصية من ورق، كما يقنعه بالأسلوب السردي الذي اختاره في بناء الرواية على شكل تفريغ لمدونة. يمكن القول إن شخصية "باولو" نموذج للإنسان الذي شوّهه القمع والتسلط والعنف المحيط بنا، ونتيجة للصراعات التي تمور داخله في علاقته مع السلطة وتبعيته لها، ولعل أكثر ما يبرز ذلك هو العلاقات الإنسانية التي يعيشها، فهو يرتبط بمن حوله بعلاقات سادو- مازوخية، فهو من جهة يتلذذ في تعذيب قطه أو في تعذيب الناشطين الشباب، ومن جهة أخرى يتلذذ في ممارسة الجنس وهو مستسلم وخاضع لـ"مون" إحدى شريكاته في الجنس، "ثم بدأت تقرص وهي تعض شفتي لحد ما ينزل الدم على أسنانها ثم تشهق وتضحك وأنا أرهز من فوق والوجع والهياج يا متر. اللذة. الواحد يقول لذة لأنه ليس عنده كلمة ثانية. لكن الذي يتكلم عنه شيء أخطر من اللذة بكثير. وهذه أول مرة في حياتي أكتشف هذا الشيء وأنا أتوجع. المهم ليس الوجع في حد ذاته لكن وجود الوجع ثم استسلامي له وهو يهيّج حاجة عميقة وغالية. حاجة مدفونة في جسمي من زمان وأنا لا أعرف". هذه الرواية هي رواية الوجه الآخر للثورة المصرية، الوجه الخفي الذي يفيض عنفاً وزيفاً وكراهية، الوجه الكابوسي الذي قد لا يجرؤ الجميع على الكشف عنه وتعريته كما فعل "باولو" في مدونته التي بدأها للكشف عن جريمة قتل "مون"، وانتهى منها بكشف معلومات لا يتحمل وحده عبء معرفتها! يوسف رخا، كاتب مصري من مواليد عام 1976، حاصل على بكالوريوس آداب من جامعة "هل" البريطانية، ويعمل في الصحافة الثقافية. صدرت له عدة كتب، من بينها: "بيروت شي محل"، "بورقيبة على مضض"، "شمال القاهرة غرب الفليبين"، وديوان "كل أماكننا"، وثلاث روايات: "الطغرى"، "التماسيح"، "باولو". المؤلف: يوسف رخا/ مصر الناشر: دار التنوير/ بيروت - القاهرة - تونس عدد الصفحات: 160 الطبعة الأولى: 2016 يمكن شراء الرواية من موقع الفرات ومتجر جملون.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard