شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
رواية

رواية "أنا المنسي": حكايات اليهود المغاربة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الأربعاء 17 أغسطس 201611:05 ص
يقتفي "محمد عز الدين التازي" في روايته الأخيرة "أنا المنسي" أثر يهود المغرب، مرتحلاً في التاريخ عبر عدة سنوات، ناقلاً أحوالهم وحياتهم الاجتماعية وطقوسهم وعاداتهم وتفاصيل عيشهم، وصولاً إلى رحيل معظمهم إلى "أرض الميعاد". يتوزع السرد على عدد كبير جداً من الشخصيات، ولكل منها حكايته الصغيرة، التي تشكّل قطعة من لوحة فسيفساء الرواية، ويكون الجامع لكل تلك الحكايات شخصية "شاوول بن عميثئيل زاز"، شخصية أسطورية برع الكاتب في رسمها وتوظيفها في خدمة روايته، فهو رجل عاش ألف سنة من حياة اليهود، ويمتلك قدرات تمكّنه من العيش في العديد من الأزمنة والأمكنة، فيمكنه في الوقت نفسه، الوجود في المغرب مع من بقوا، والرحيل إلى فلسطين مع من رحلوا، ليكون شاهداً على حياة اليهود المغاربة، "أنا شاوول بن عميثئيل زاز. أحسبوني حياً أو ميتاً، فأنا حي أو ميت، ومن حياتي أو مماتي أرقب ما يحدث للناس من حوادث، وألتقي بهم وهم يحكون لي حكاياتهم. وسواء كنت كائناً أسطورياً كما يُقال عني أم أنني رجل كباقي الناس، أعيش في الواقع كما أرى نفسي، فأنا أقوى على البقاء في (ملاح فاس) مع من بقوا، وأرحل مع من رحلوا. أنا من يملك ذاكرة اليهود المغاربة وما جرى لهم في الأزمان الماضية. لذلك فأنا أسمع الضجيج". تنتقل الرواية بين مكانين رئيسيين، الأول هو "حي الملّاح" في مدينة فاس المغربية، وقد بُني ليكون مخصصاً لسكن اليهود، في القرن الثالث عشر الميلادي، والمكان الثاني، هو أرض الميعاد، فلسطين، التي يرحل كثير من اليهود المغاربة إليها بعد عام 1948. يصوّر الكاتب الكثير من تفاصيل حياة اليهود، معتقداتهم، أفكارهم، حياتهم العائلية، المهن التي يشتغلون بها، طقوس الاحتفالات لديهم، والأغاني التي يغنونها، ونقاشاتهم الدينية والسياسية، إضافة إلى علاقاتهم الاجتماعية في ما بينهم من جهة، وبينهم وبين المسلمين من جهة أخرى، وقد لجأ الكاتب إلى استخدام تقنية الحكايات الفرعية الصغيرة المتخيّلة، ليبني من خلالها عالم الرواية، اعتماداً على جهد بحثي ضخم في الكتب والوثائق المتعلقة بموضوعه، للإحاطة بجميع الجوانب التي يمكنه من خلالها إعادة إحياء هذا التاريخ المنسي، بكل تفاصيله. "خلال مناسبة عرس راشيل أقمنا الحفل الديني في كنيس دنان، مساء السبت، وفي الليل أقمنا حفل العشاء في حانة رحاميم، حيث خُصص لأسرتي العروسين والأصدقاء والصديقات والجيران والمعارف جناح داخل المطعم. سهرة جميلة ظهر فيها العروسان يجلسان على أريكتين، طاف الجميع حولهما راقصين، على أنغام شعبية، وكان صوت بوطبول يصدح من علبة الموسيقى: يا من بكيتني لبارح/ وعدي تضحكني اليوم/ تفرح لي قلبي القارح/ يتفاجوا لي الهموم/ نسهر على المصابح/ والقمر والنجوم".
من يتصور أن هؤلاء قد تركوا وطنهم المغرب وجاؤوا إلى أرض الميعاد على سبيل المغامرة السهلة فهم على خطأ كبير...
تثير الرواية موضوع انتماء اليهود المغاربة إلى الأرض التي عاشوا فيها، وتصوّر رحيلهم إلى فلسطين، وأسباب هذا الرحيل، محاولة تقديم صورة حقيقية، والحكي عن المسكوت عنه، فليس كل من رحل منهم رحل لأنه يؤمن بأرض الميعاد، بل إن بعضهم رحل بسبب تعكر الأحوال بينه وبين المسلمين، الذين كان يعيش إلى جوارهم بمودة. لكن الأحوال انقلبت بعد إعلان قيام دولة إسرائيل، وصار اليهود يتعرضون لمضايقات شتى، حتى لو كانوا معارضين لما يحصل في فلسطين، وقد تصاعد هذا مع بدء تهديدات بعض الجماعات الجهادية لهم بأنها ستنتقم من كل يهودي، كل ذلك في مقابل دعاية صهيونية صوّرت لهم حياة رغيدة في الطرف المقابل، فما كان منهم إلا أن بدأوا يرحلون تاركين وراءهم تاريخاً طويلاً، "من يتصوّر أن ذلك الرحيل كان سهلاً فهو على خطأ، فليس الرحيل في حد ذاته ما كان صعباً، بل ذلك الإحساس الذي يجعل الإنسان يترك وراءه كل ما عاشه في حياته من ولادته وطفولته وشبابه الأول وربما كهولته، ليذهب نحو صورة خيالية لأرض الميعاد، (...) من يتصور أن هؤلاء قد تركوا وطنهم المغرب وجاؤوا إلى أرض الميعاد على سبيل المغامرة السهلة فهم على خطأ كبير، لأنهم عاشوا تجربة القطع بين حياة عاشوها وحياة أخرى سوف يعيشونها". ختاماً، نجح "التازي" في تسليط الضوء على حقبة تاريخية مهمة من حياة يهود المغرب، آملاً ألا يطويها النسيان، ومثيراً الكثير من الأسئلة التي يجب الوقوف عندها وطرحها من جديد. محمد عز الدين التازي، روائي مغربي من مواليد مدينة فاس 1948، ترجمت بعض قصصه إلى الفرنسية والإنكليزية والإسبانية والألمانية. نشر العديد من المجموعات القصصية وكتب النقد الأدبي والمسرح. حصل على عدة جوائز، أهمها جائزة المغرب للكتاب 2008. صدر له 23 رواية، من بينها: "رحيل البحر"، "أيام الرماد"، "الحديقة الأندلسية"، "شهوة تحت الرماد"، "كائنات محتملة"، "المباءة"، و"يوم آخر فوق هذه الأرض" التي فازت بجائزة الطيب صالح للرواية عام 2013. الناشر: المركز الثقافي العربي/ الدار البيضاء عدد الصفحات: 326 الطبعة الأولى: 2015 يمكن شراء الرواية على موقع "نيل وفرات" أو على موقع متجر الكتب العربية "جملون"

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard