شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"راكب الريح": مدينة يافا وأساطيرها في القرن الثامن عشر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الثلاثاء 14 يونيو 201612:27 م
يعود "يحيى يخلف" في روايته الجديدة "راكب الريح" إلى القرن الثامن عشر ليحكي عن مدينة يافا في ظل الحكم العثماني، مروراً بغزو نابليون بونابرت لها وتدميرها ثم انهزامه وانسحاب جيوشه منها، وذلك من خلال حكاية شاب "يخرج من أساطير يافا وبحرها وأسوارها". وذلك الشاب الذي سيشكّل العصب السردي للرواية هو "يوسف" الابن الوحيد لصاحب مصنع الصابون في يافا، والذي يبدو كشخصية أسطورية، تمتلك سمات خارقة، فهو من جهة يتمتع بوسامة كبيرة، تفتن كل من يراه، ومن جهة أخرى يمتاز بشجاعة وجرأة كبيرتين لا يمتلكهما أحدٌ في محيطه. وإلى جانب ذلك، فإن الفتى سيبرع في الخط العربي ويتقنه، ومنه ينتقل إلى الرسم، فتملأ شهرته المدينة بأكملها. وبسبب إقدامه المتوثب وطاقته الجسدية الكبيرة سيصبح بطلاً شعبياً في نظر الكثيرين، "وذاع صيت يوسف وبسالته، ونسجت عنه القصص والحكايات، وسمّوه في سيرهم وحكاياتهم يوسف اليافاوي، وبعضهم سمّاه يوسف الذي يركب الريح. أما الرواة وعازفو الرباب، فقط أطلقوا عليه اسم: راكب الريح. وفي قرى الخليل، أضافوا كلمة "صندلاوي"، فصار "راكب الريح صندلاوي"، أي راكب الريح جنّابي، وهو يضع رجلاً فوق أخرى، دلالة على أنه في ذروة مجده فوق الريح". هكذا يرسم "يخلف" شخصية بطله الرئيس، وكثيراً من الشخصيات الأخرى المحيطة به، فنغدو وكأننا أمام إحدى الحكايات الخارجة من كتاب "ألف ليلة وليلة"، ويعمّق هذا استخدام الكاتب لتقنية الحكايات التي تتناسل بعضها من بعض، واستخدامه لغة تقترب من تلك الموجودة في الكتاب الأصلي، غير أن الفرق الجوهري هو في اتكاء هذه الرواية على وقائع تاريخية حقيقية، وتشبيكها مع الحكاية المروية. تصوّر الرواية مدينة يافا بدءاً من عام 1795، وأجواء الحياة فيها تحت الحكم العثماني، وتحديداً في السنوات التي شهدت صراعاً بين الناس وقوات "الجندرمة"، وارتباط ذلك بما يقوم به الجيش الإنكشاري من ممارسات تشغل الفتن في أرجاء الدولة، كي يمنعوا السلطان سليم الثالث من تنفيذ الإصلاحات التي يقوم بها، وخاصة تلك المتعلقة منها ببناء جيش قوي يكون بديلاً للجيش الإنكشاري، "قالت له إنها عادت لتوّها من قصر الوالي، وإنها علمت أن هذه الفتنة من صنع الإنكشاريين، وهذا العمل يهدف إلى منع الإصلاحات التي يجريها السلطان سليم الثالث، وإن الوالي يتشاور مع الوجهاء وممثلي الأئمة والمشايخ والكنائس من أجل وأد الفتنة، ووضع حد لعسكر الإنكشارية الغرباء الذين جاءوا من خارج المدينة". كما تصوّر الرواية أيام احتلال جيش نابليون بونابرت لمدينة يافا، وحصاره لمدينة عكا، والمجازر الدموية التي ارتكبها والدمار الذي أحدثه في المدينة، وكيف قاومه الأهالي بالسلاح الأبيض واستبسلوا في الدفاع عن بيوتهم، حتى انسحب نابليون منها تاركاً أرضها غارقة في خرابها، وفي وباء الطاعون الذي تفشى فيها بسبب الجثث المرمية هنا وهناك. بموازاة تلك الأحداث التاريخية يشبك الكاتب الكثير من الحكايات والأساطير، فنقرأ حكايات عشق ملتهبة، ودسائس القصور والحرملك والجواري، كما نقرأ تفاصيل عن فن الرسم والنقش وزخارفه في ذلك العصر، وبين هذه الحكايات كلها ينسج الكاتب قصة عاطفية تشبه الخرافات بين "يوسف" و"العيطموس" الأميرة المتحدرة من الأناضول والتي تعيش في يافا، إذ تطلب منه رسمها، بعد أن تصلها أخبار فنه، وبينما هو يقوم بمهمته يجد نفسه واقعاً في عشقها، ورغم نفيه إلى دمشق ومن ثم ذهابه إلى الهند للقيام بمهمة عجائبية، تبقى في فؤاده وذاكرته، ويكون أول فعل يفعله بعد عودته إلى يافا ومشاركته في القتال هو البحث عنها، ليفاجأ أنه رغم كل الخراب الحاصل بعد الاحتلال فإن السيدة قد خبّأت لوحته حتى لا يمسها أي سوء. وفي هذا إشارة واضحة أرادها الكاتب، هي أن الفن يبقى خالداً أمام كل الحروب والكوارث. يحيى يخلف كاتب فلسطيني من مواليد عام 1944. عُيّن وزيراً للثقافة في السلطة الفلسطينية من عام 2003 حتى 2006. وشغل بضعة مناصب أخرى وترأس وفد فلسطين في العديد من المؤتمرات الثقافية العربية، ومؤتمرات اليونسكو.  يقيم حالياً في مدينة رام الله، وهو متفرغ للكتابة. أصدر مجموعات قصصية وروايات ترجم بعضها إلى لغات عدة. من أبرز رواياته: "نجران تحت الصفر"، "تفاح المجانين"، "بحيرة وراء الريح"، "ماء السماء"، "جنة ونار". وقد وصلت روايته "ماء السماء" إلى القائمة الطويلة لجائزة البوكر العربية عام 2009.   الناشر: دار الشروق/ عمان عدد الصفحات: 344 الطبعة الأولى: 2016 يمكن شراء الرواية على موقع نيل وفرات أو موقع متجر الكتب العربية جملون

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard