شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
خان الشابندر، عالمٌ سريّ فوق الخرائب والدمار

خان الشابندر، عالمٌ سريّ فوق الخرائب والدمار

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الخميس 28 أبريل 201606:03 م

"سنحبّك كما لم يفعل أحد من قبل.. وسنحدثك عن القصص والحكايا. القصص التي لم يسمع بها أحد من قبل، أو لم يرغب أحد بسماعها. سنفتح لك كنوز صدورنا الحانية، ونأخذك إلى آخر الخيال.. قبل أن نعيدك سالماً إلى الأرض!". بهذه العبارات يفتتح محمد حياوي روايته الأخيرة "خان الشابندر"، بما يشبه إطاراً عاماً لما سيحدث في الصفحات التالية. إذ سيأخذنا برفقة بطله ليبني عوالم خيالية لم تعد موجودة، ثم يعيدنا إلى الواقع المرير بعد أن يكون قد قصَّ حكاياته.

فالبطل علي، الذي عاد إلى العراق بعد غياب لأكثر من عشرين سنة، يزور أحد دور البغاء في بغداد، ليرصد الحياة السرية التي تجري فيها، ويلتقي بائعات الهوى هناك، ليستمع إلى حكاية كل واحدة منهن، بصفته باحثاً اجتماعياً، يريد الكتابة عن ذلك. هكذا بين الزيارات المتكررة لخان الشابندر الذي تديره أم صبيح، والناس الذين يلتقيهم في طريقه إليه، تمضي الرواية التي تتفرع فيها الحكايات لتخلق عالماً كاملاً من الناس البسطاء المسحوقين، تحت وطأة الحرب والعنف والفقر.

أولى بائعات الهوى اللواتي يلتقيهن تكون ضوية، التي تحرش بها والدها مراراً، ولم تجرؤ على قول الحقيقة لأحد. وحين تكور بطنها اقتادتها والدتها إلى بيت قريبة في بغداد، حيث أجهضت ثم قادتها طرق الحياة إلى العمل في الدعارة. وهي من ستقوده إلى غرف بقية البنات ليسمع منهن قصصهن، بعد أن ارتاحت له.

في غرفة هند سيستمع إلى حكاية أغرب من سابقتها، فهي مدرّسة جغرافيا متعلمة، ولكن بعد أن قُتل زوجها في إحدى مجازر النظام الحاكم، صار همّها أن تحافظ على ابنتها، وحين سقطت بغداد عملت في الترجمة مع إحدى الوحدات التابعة للجيش النيوزيلاندي. وحين اعتقلتها إحدى الميليشيات بتهمة التعامل مع المحتل، أرسلت رسالة إلى أحد الضباط الذين تعرّفت إليهم طالبةً منه إنقاذ ابنتها، وإرسالها لتكمل حياتها في نيوزيلاندا بعيداً عن العراق وفظاعاته. "وذات مساء، جاءني شاب من محلتنا كان يعمل مع الميليشيا، وأحضر لي بعض الطعام، وأخبرني بأنهم سيقتلوني في الصباح، وطلب مني كتابة رسالة لأهلي أودعهم فيها. فكتبت رسالة بالإنجليزية إلى مارك، رجوته فيها أن يصطحب سارة معه إلى نيوزيلاندا، وقلت له عندما تصلك رسالتي هذه أكون قد متّ، ولم يبق لسارة سواك من أمل في النجاة. ثم طلبت من الشاب تسليم الرسالة إلى أختي الصغرى لتأخذها مع سارة إلى البصرة، وتسلّمها إلى مارك. ولم أعرف ما الذي حصل بعد ذلك". 

يستخدم الكاتب الحوار كثيراً في روايته، لدرجة يمكن القول معها إن حكايات الرواية كلها نعرفها من خلال الحوار بين الشخصيات، بينما يقوم جزء صغير على السرد، هو الجزء الذي يبتعد فيه الراوي عن اللغة البسيطة، لصالح اللغة الشعرية، وتكون هذه الأجزاء متداخلة مع سابقتها، لكنها في الوقت نفسه تعطي طابعاً أسطورياً لما يحدث.

ولتكتمل صورة بغداد ما بعد الاحتلال الأميركي، فإن الكاتب يوظف بعض الشخصيات الجانبية التي يستعرض حكاياتها بسرعة ضمن الحبكة الرئيسية. مثل زينب الفتاة الصغيرة التي تبيع الكعك لتطعم إخوتها الصغار، وأبو حسنين المصري مصلّح المدافئ، الذي فقد ابنه في إحدى الحروب، ورفض العودة إلى مصر بعيداً عن التراب الذي يحتفظ بابنه. ومجر، الفيلسوف الصوفي الغريب، الذي تزيد عباراته غموض ما يحدث. ونيفين صديقة الراوي، التي كلما حكى لها عما يعيشه في بغداد، تقول له إن ما يرويه ليس موجوداً إلا في خياله.

يحاول الراوي استدعاء الماضي، باستدعاء الأمكنة والأشخاص الذين كانوا فيها، مضيّعاً الحدود بين ما يتذكره وما يعيشه. ليكتشف في النهاية أن إحدى الميليشيات المتصارعة في تلك المنطقة، قد دهمت البيت الذي كان يزوره وقطعت رؤوس كل الفتيات فيه، وعلقوها هناك. "لم ينقطع المطر لثلاثة أيام متواصلة، كانت الرؤوس المزروعة فوق الطوب مبللة بالكامل وخصلات الشعر المبلول ملتصقة على الوجوه، لكن الماء غسل بقايا الدم الذي ظل يجري كالمزاريب ليومين كاملين".

لكن السؤال الذي يبقى يتردد بعد انتهاء الرواية: متى حدث هذا؟ في الماضي أم في الحاضر أم أنه يحدث كل يوم من جديد؟!

محمد حياوي، كاتب عراقي مقيم في هولندا. حاصل على ماجستير في التصميم الغرافيكي. له مجموعتان قصصيتان: "غرفة مضاءة لفاطمة"، و"نصوص المرقاة"، وقد نشر مجموعة قصص باللغة الهولندية. صدرت له ثلاث روايات: "ثغور الماء"، "طواف متصل"، "خان الشابندر".  

الناشر: دار الآداب/ بيروت

عدد الصفحات: 172 

الطبعة الأولى: 2016

يمكن شراء الرواية من موقع النيل والفرات ومتجر جملون

 

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard