شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"انتصاب أسود" رواية بورنوغرافية تونسية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الأحد 19 يونيو 201606:43 م

يطرق أيمن الدبوسي في روايته الأولى "انتصاب أسود" باباً لطالما تحاشاه الكتّاب العرب، فهم يعرفون أن وراءه آلاف الرقباء العتاة والمهاجمين العنيفين والمحاربين الأشداء. لكنه مع ذلك لا يكتفي بطرقه، بل يقتحمه اقتحاماً لا رجعة عنه، مبرزاً كل عدّته وعتاده، ومستعداً لخوض معركة ضارية حتى النهاية.إنه باب "الرواية البورنوغرافية"، التي كانت ولا تزال منذ نشوء الرواية العربية خطاً أحمر لا يجرؤ أحد، إلا في ما ندر، على الاقتراب منه، فكيف بتجاوزه؟

تحكي الرواية عن طبيب نفسي يحمل اسم الكاتب نفسه، وله العمر نفسه، يعيش تجارب جنسية عديدة، يذهب فيها إلى النهاية، إلى الحد الأقصى، ويرويها من دون أن يحاول الالتفاف على الكلمات والألفاظ، فتراه يسرد ما يحصل من دون مداورة أو تشذيب. "راح فمها يعمل تارة كفرج، وطوراً كشرج، ثم يتحوّل ويتخذ من الثقوب هيئة الممكن، وغير الممكن، ويستوفي هيئة كل رطب ضيق ذي شفط. كنت مثل جرم شارد وقع تحت تأثير جاذبية ثقب أسود...".

لا تقصّ الرواية حكاية، بل هي على شكل 7 فصول سردية، في كل واحدة منها مغامرة جنسية متفلتة من أي ضوابط، وما يجمع بينها أن البطل فيها جميعاً هو نفسه، يروي على امتداد سنتين نتفاً من سيرة الشبق الذي لا يرتوي، وسيرة الانتصاب الذي لا يتركه. غير أن هذه الفصول تتخللها سيرة موازية، هي سيرة الثورة التونسية، التي ينثر الكاتب متفرقات عنها هنا وهناك بين المشاهد البورنوغرافية. وكأنه يريد القول إن هذه الثورة، لم تكن ثورة على سلطة سياسية دكتاتورية فقط، بل كانت ثورة أيضاً، وبالمقدار نفسه، على كل شيء، على كل التابوهات والمحرّمات، على الصمت والضجر، وعلى الإعجاب بالغرب وديمقراطيته.

تبدو روح التمرد حاضرة في كل الشخصيات التونسية في الرواية،وإن كانت شخصيات ثانوية، إنه عصر الثورة، عصر تحطيم الاستبداد السياسي والديني والثقافي، وفرض قوالب حرة، تعيد تعريف الأشياء، وتفرض قيمها الأخلاقية الجديدة، وترسي مبادئها. "لا تحاول - صرخت - لقد انتهيتم يا كريستوف، أو نحن انتهينا منكم، فرنسا انتهت أخلاقياً. لقد سقطتم سقطة لم تكن لكم بعدها قومة. العالم لا يجب أن ينسى أن وزيرة خارجيتكم Aliott Marie، اقترحت أن ترسل شرطتكم المدربة، وعصيّكم، وكلابكم، وقنابل غازكم، لتآزر الدكتاتور على قمع ثورتنا. لقد فشلتم في إفشال ثورتنا والآن جئتم تتجسسون علينا".

مع ذلك، يبدو أن "أيمن" وجيله من الشباب، كانوا يطمحون إلى نتائح مختلفة للثورة التونسية، وأحبطهم ما يحصل فعلاً على أرض الواقع، لدرجة أنهم شعروا في لحظات كثيرة أن الثورة فشلت، وخصوصاً بعد اغتيال الزعيم شكري بلعيد الذي يرى الكاتب أنه كان رأس الثورة وروحها الجسور، وأن اغتياله هو "رصاصة الرحمة التي أطلقت على الثورة".

كل هذا الإحباط يدفع أيمن إلى التفكير في الرحيل، وتكون أميركا هي الحلم الذي يراود تفكيره، خصوصاً أن صديقته علياء هناك. في فصلٍ مختلفٍ في تكنيك كتابته إذ يكتبه على شكل رسائل متبادلة بين علياء وأيمن، ومختلف في موضوعه، إذ لا نجد فيه حضوراً للجنس بكثافة الفصول السابقة واللاحقة.

يكتب الروائي عن أميركا، ذلك البلد الحلم، الذي يمثّل له المكان الذي سيهرب إليه من الفقر، ومن القمع والشرطة، ومن الاحتقار، وحتى من الثورة قبل أن تكشر عن أنيابها وتحاصره وتفترسه. من خلال هذه الرسائل المتبادلة، نتعرف إلى جوانب من الحياة في أميركا، كما خبرتها علياء، الحالة الديمقراطية، المشردون الذين يعيشون بلا منزل، وهم مرتاحون لوضعهم هذا وخلاصهم من كل القيود. الناس الذين يعيشون في أميركا من أعراق أخرى وكيفية تفاعلهم مع المجتمع، والحياة الاستهلاكية التي تلقي بقسوتها على الجميع.

كل ذلك يزيد من حيرة البطل في مشاعره تجاه تلك البلاد. "أميركا! أينما حلّت جيوشك وحلّ عملاؤك حلّ الخراب. أميركا! تيّسرين وصول الإسلاميين للسلطة في دول الربيع الأسود وتحاربين تنظيم القاعدة في أفغانستان (...) أميركا! أميركا! قولي لي ماذا تريدين؟ تصيبيني بالدوار. أنت صداع رأس. صرت أشك في حبي لك. وكله بسببك. لكني لا أشك لحظة في أني أعشق شعرك الأصفر المصبوغ والعلكة المستهلكة التي لا تفارق فمك".

تعود الرواية بعد ذلك إلى سيرتها الأولى، مكملة سيرها على درب "الانتصاب"، الذي يقتحم بجرأة باب الرواية البورنوغرافية. قد نختلف في حكمنا على قيمة هذه الرواية أو على كثير من الأشياء فيها، لكن ما لا يمكننا الاختلاف عليه أنها رواية جريئة، تشكّل خطوة إضافية نحو تطوّر هذا النوع من الأدب.

الناشر: منشورات الجمل/ بيروت عدد الصفحات: 168 الطبعة الأولى: 2016 يمكن شراء الرواية من موقع نيل وفرات.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard