شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!

"مديح لنساء العائلة"، سيرة عشيرة من بدو فلسطين

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الأحد 19 يونيو 201605:05 م

يكمل محمود شقير في روايته الجديدة "مديح لنساء العائلة"، ما بدأه في روايته السابقة "فرس العائلة" من سرد لسيرة عشيرة العبد اللات، إحدى القبائل البدوية الفلسطينية، راصداً من خلال سيرتها التغييرات التي حصلت في فلسطين خلال الفترة الممتدة بين الخمسينيات والثمانينيات من القرن الماضي.

يلاحق الروائي تفاصيل عيش الأسرة الكبيرة، وما طرأ عليها من تحولات وتبدلات بعد أن تركت حياة البداوة واستقرت في قرية "رأس النبع" قرب مدينة القدس، حيث بدأ نمط الحياة هناك يفرض على العائلة مغادرة بداوتها بكل ما تحمله من عادات وتقاليد وقيم، والانخراط في عالم جديد. تلك التحولات سيوثقها محمد الأصغر أحد أبناء الأسرة، الذي كان والده يعول عليه في جمع شتات العائلة بعد أن فقد الأمل في بقية أولاده. "أنا محمد بن منان العبد اللات الملقب بالأصغر، للتمييز بيني وبين أخوين آخرين أطلق أبي عليهما الاسم نفسه، تقديراً لوالده الشيخ محمد الذي كان له شأن وأي شأن في البريّة، أحدهما لقبه "الكبير"، والثاني لقبه "الصغير". وقد سار كل منهما في طريق مناقض للطريق الذي سار عليه الآخر. وكان لأبي موقف متذمر منهما. أعلن مرات عدة أمام أبناء العائلة أنه يضع ثقته فيّ، ويعلق آمالاً علي، بأن أجمع شتات العائلة".

يمضي محمد الأصغر في تدوين وقائع حياة العائلة، مشابكاً بين سير أفرادها. وسرعان ما نكتشف زخم الحضور النسائي، فالأب منان، متزوج بضع نساء، وله عدة بنات، هذا عدا زوجات الأبناء. هكذا نصبح أمام متوالية من الحكايات النسائية، التي تحيك باجتماعها السجادة السردية للعمل الذي يقدّم لنا صورة عن عالم جديد علينا، هو عالم البدو الفلسطينيين.

يرصد الكاتب انهيار القيم القبلية أمام رياح الحداثة، تلك القيم التي تتجسد في شخص منان كبير العائلة، الذي نراه عاجزاً أمام التحولات التي تحدث حوله، بدءاً من هروب ابنته فلحة مع حبيبها الذي رفضه حين تقدم إلى خطبتها، مروراً بزواج ابنه الأكبر بامرأة مسيحية، وعمل الثاني في مجال تهريب الممنوعات، وزواج الثالث من امرأة مطلقة تكبره بثلاث سنوات، وانتهاءً بترافق تلك التغيّرات الاجتماعية بتغيّرات سياسية، حرفت في طريقها مسار حياة أولاده، فاستشهد ابنٌ في المعارك ضد الاحتلال، وتعرض آخر للاعتقال ثم النفي، بعد انضمامه إلى الحزب الشيوعي، وحكم ثالث بالسجن المؤبد بعد أن قُبض عليه لالتحاقه بالعمل الفدائي.

كل ذلك سيطيح طمأنينة الأب، وطمأنينة العائلة بأكملها، خاصة بعد نكبة 1948، وتهجير السكان من مدنهم، ومصادرة الغزاة للأراضي، "قالت مريم: البيوت تخجل عندما ترى أهلها قادمين وهي غير قادرة على استقبالهم. قالت سناء: أنا أرى الخجل واضحاً في القدس، وأنا أخجل حين أرى ذلك. ثم ابتعدنا. تلبّستني الحالة نفسها حين ذهبنا أنا وسناء لزيارة أختي فلحة في العيد. كان ذلك قبل هزيمة حزيران بعام، وكنت قبل ذلك زرتها مرات عديدة. كان المخيّم يغرق في الوحل بعد مطر شديد. وكنت أتلفت في كل اتجاه فأرى بيوتاً متطامنة كما لو أنها تشعر بالخجل".

يعتمد شقير على تعدد الرواة وتنويع الأصوات في السرد، فالقسم الأعظم من الرواية نراه مكتوباً على لسان محمد الأصغر، الذي أخذ على عاتقه مهمة الحفاظ على تاريخ العائلة بتدوين الأحداث التي مرت بها، لكن هذا لن يمنعه بين الحين والآخر من تسليم الحكي لواحدٍ من إخوته كي يقصّ حكايته بنفسه، أو من إدراج رسائل أخيه عطوان التي يرسلها إلى العائلة من البرازيل حيث هاجر. وقد جاءت هذه الرسائل غاية في الإتقان، إذ تميّزت بصياغتها الشعبية، ما يقنع القارئ بحقيقيتها، لكن البراعة الأكبر تجلت في الفصول المكتوبة على لسان الأم وضحا، المرأة التي ما زالت تؤمن بالجن والعفاريت وتخافهم، وما زالت تحتفظ بالكثير من المعتقدات البدوية، والقيم المحافظة، إضافة إلى أنها امرأة بسيطة. فجاءت الفصول المكتوبة على لسانها طريفة جداً، وقريبة من اللغة الشفهية العفوية، التي يخالطها الكثير من الأفكار الشعبية. "ويا حسرة راسي قديش خفت على محمد لما كان عمره خمس سنين. زارتنا امرأة، عيونها زرق وأسنانها فرق. بعينيها ترمي الطير وهو طاير. شافته وقالت هالولد وجهه مثل البدر في سماه. قلت لها: اذكري الله، قولي ما شاء الله عليه واسم الله عليه. طلعت، يا قبرت عمرها، من عندي، وصار الولد يسعل ويقحّ ويشهق".

بسردٍ دوّار، يختزن ثرثرات نساء العائلة وجلسات نميمتهن، يكتب محمود شقير سيرة موازية لمدينة القدس وتحولاتها، على خلفية حكاية تفكك عشيرة العبد اللات وضياع أمجادها.

محمود شقير، كاتب فلسطيني من مواليد جبل المكبّر - القدس 1941. يكتب القصة والرواية للكبار والأطفال. تنقّل بين بيروت وعمان وبراغ، ويقيم حالياً في مدينة القدس. كتب ستة مسلسلات تلفزيونية طويلة، وأربع مسرحيات، وترجمت قصصه إلى أكثر من عشر لغات. كما حاز جائزة محمود درويش للحرية والإبداع 2011.

له أكثر من 25 كتاباً للأطفال وللفتيان والفتيات، وعدة مجموعات قصصية، وكتب في السيرة واليوميات. "مديح لنساء العائلة" هي روايته الثانية بعد "فرس العائلة"، وهي مرشحة في القائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية 2016.

الناشر: دار نوفل - هاشيت أنطوان/ بيروت

عدد الصفحات: 208

الطبعةالأولى: 2015

يمكن شراء الرواية من موقع نيل وفرات، ومن متجر جملون.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard