شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!

"حوض الشهوات"، تاريخ سلطنة عُمان وأسرار ناسها

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الجمعة 15 يوليو 201604:49 م

يقارب "محمد اليحيائي" في روايته "حوض الشهوات" التاريخ العُماني، قديمه وحديثه، في سردٍ يحفل بالحكايات المتداخلة التي تروي بمجموعها سيرة هذا البلد بتحولاته الكبيرة والصغيرة.

تبدأ الرواية بفصل "وحيداً.. قريباً وبعيداً" وتنتهي بفصل يحمل الاسم نفسه، وما بين الفصلين، ثمانية فصول غير معنونة ورواية كتبتها إحدى الشخصيات وتحمل اسم "حوض الشهوات". يتغيّر السارد بين هذه الفصول مراراً وتتغير الأزمنة والأمكنة والشخصيات المروي عنها، وتحتشد فيها أحداث وحكايات وانعطافات تاريخية، بالإضافة إلى الكثير من الأساطير التي تشكّل التراث الشعبي لهذا البلد.

ينفتح النص على شخصية تعيش هذياناتها الخاصة، تراوح بين الماضي والحاضر، بين الواقع والخيال، تنشئ حواراً بين ذاتها وذاتها، وتتركنا معلّقين بين الغموض ومحاولة فكفكة الرموز، فيما يتلهى السارد باللعب على اللغة، بتكرار الجمل، وإعادة ترتيب الكلمات فيها، "هل صحيح أنني لم آخذ؟ لا أخذت، أخذت الكثير، أكثر مما أعطيت، أخذت الحب والأمنيات. والأغنيات أيضاً، ألم آخذ الأغنيات؟ أخذت.. أخذت. البحر أخذ أيضاً، أخذ أحلاماً وتنهدات، البحر أخذ الأغنيات واللآلئ الصافية النقية كعيون أسماك السلس. أنا والبحر واحد. أنا البحر والبحر أنا. وحيدان، يلدني وألده، لا ولد للبحر ولا والد له، مثلي تماماً، تماماً مثلي".

تتناسل الحكايات في الرواية، ابتداءً من الحكاية الأولى التي لا نعرف راويها حتى الفصل الختامي، فنقرأ عن مبارك بن حمدان الحفيد الذي سمّته أمه على اسم جده، وحكت له عن طفولتها وعن الجد الذي أبعد أمها لأنها لم تكن تحتمل غزواته الليلية، وأتى بفتاة جميلة جداً هي "روز"، قال إنها هدية الوالي له، وبنى لها ولبناته حوضاً في الدار، قال أنه مخصص لهن ليستعضن به عن الذهاب إلى البحر المحرّم على بنات الأعيان. "تشع عينا زعيمة يوم تتذكر اليوم الذي انسلت فيه، لأول مرة إلى الحوض، كان الماء يلمع على حجارة القاع كما الفضة، كان الضوء يمرق من ثلاثة شقوق، يتقاطع ويغطس مثل سيوف من فضة في الماء. شعرت بالبرودة ثم الدفء، وكان على حواف الحوض أرفف من رسوم طيور يفصل بين الرف والآخر رسم لولد يعزف على الناي، كانت الرسوم شُكّلت من حصيات دقيقة على الرمل والإسمنت".

في هذا الحوض، الذي تسمّيه الرواية "حوض الشهوات"، سيولد السر الذي تخفيه الرواية وتدور حوله، تراوغ القارئ عن قصد، فتشغله بمتابعة حكايات تتداخل فيها الأساطير، تأخذه إلى القاهرة، حيث يدرس مبارك ويتعرف إلى سالم مطر وليلى، العمانيين أيضاً.

من خلال هذه الشخصيات تضيء الرواية على تحولات مهمة في تاريخ عمان، فتحكي عن حرب السلطنة ضد الوهابية، تلك الحرب التي قُتل فيها الجد "مبارك"، والتي لولاها لكان علم الوهابية الأخضر يرفرف فوق المنطقة، كما تحكي عن حرب الجبل الأخضر، بين قوات السلطان الذي أراد ضمّ إمامة عمان إلى سلطنته، وقوات الإمام الذي كان يرفض هذا، ويريد أن تبقى إمامة عمان مستقلة عن السلطنة، لكن تواطؤ قوات الإنكليز مع السلطان أنهت تلك الحرب لمصلحته في عام 1959، فنفي وهُجّر سكان ذلك الجبل، ومنهم "سالم" الذي عاد إلى بلاده بعد ثلاثين عاماً من الاغتراب.

لا يكتفي الكاتب بتقديم صورة تاريخية عن عُمان بل يمتد السرد إلى زمنٍ قريب، فيحكي كيف عاد الأصدقاء الثلاثة (مبارك وسالم وليلى) من القاهرة بعد إنهاء دراستهم، وهم يحلمون بتحويل أحلامهم في التغيير إلى واقع، لكنهم يُصدمون، فالمجتمع الذي جاؤوا لتحسينه يبدو فاقداً لصوته، نجح الاستبداد في كتم أصوات الناس فصاروا صامتين، ونجح في هزيمة الشباب الطامح بالتغيير.

تتعدد أصوات الرواية في "حوض الشهوات"، وتتشابك المرويات، يلجأ الكاتب إلى تقنيات كثيرة، منها القفز بين الأزمنة، ومنها استخدام أسلوب الواقعية السحرية، ومنها تقنية الرواية داخل الرواية، إذ تحتضن الرواية رواية صغيرة أخرى تحمل الاسم نفسه لكنها تحمل توقيع إحدى شخصيات الرواية "ليلى"، وتسرد فيها حكاية الأميرة الباهية، وابنها الأمير الخضر الذي كان ثمرة زواج لم يعمر طويلاً. وحكاية "روز" الجارية التي كانت شاهدة على حكايات الجميع، لأنها تنقلت بين بيتين، وبقيت هي الحارس الأمين الوحيد لذكريات كثيرة، وحكايات كثيرة تقطعت على صفحات الرواية، وأعادت هي، بحضورها فيها، وصلها.

محمد اليحيائي كاتب عُماني، وصحافي ومنتج أفلام وثائقية، صدر له ثلاث مجموعات قصصية: "خرزة المشي"، "يوم نفضت خزينة الغبار عن منامتها"، "طيور بيضاء، طيور سوداء". ورواية "حوض الشهوات" هي روايته الأولى.

ترجمت بعض نصوصه إلى الإنجليزية والإسبانية والألمانية، وكان فيلمه الوثائقي "كونونغو: لاجئون في مخيم الصحراء" قد برز ضمن أفضل عشرة أفلام في مهرجان الأفلام التلفزيونية في لندن عام 2009.

الناشر: مؤسسة الانتشار العربي/ بيروت

عدد الصفحات: 320

الطبعة الأولى: 2015

يمكن شراء الرواية من موقع نيل وفرات وموقع آرابيك بوك شوب


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard