شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
صورة اليهود على الشاشة المصرية: من شالوم إلى

صورة اليهود على الشاشة المصرية: من شالوم إلى "حارة اليهود"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الجمعة 24 فبراير 201712:34 ص

المكان حارة مصرية شعبية. البطل: رجل قصير ونحيل، له شاربان ويعتمر طربوشاً. طيب وأصيل وفقير، يبيع الفول تارة، وورق اليانصيب تارة أخرى ويقع في مقالب ومطبات كوميدية. 

 صورة اليهود على الشاشة المصرية - اليهود في الدراما المصرية - شالوم 

اسمه في الفيلم شالوم، وفي الواقع أيضاً. هو ممثل مصري يهودي. لا يعرفه الكثيرون اليوم إذ لم يصل إلى شهرة نجيب الريحاني مثلاً. لكنه برغم ذلك، كان موجوداً ومشهوراً حينذاك ومحبوباً، ولعب بطولة سلسلة أفلام تحمل اسمه، على غرار سلسلة اسماعيل ياسين: "شالوم الرياضي"، و"شالوم الترجمان"، وشالوم بائع اليانصيب في فيلم "العز بهدلة". كان هذا في ثلاثينيات القرن الماضي.

ظهرت الحركة الصهيونية، وتأسست دولة إسرائيل. وأصبح اسم شالوم، أو ما يمثله، لا ينتمي إلى ضفة المصري، أو العربي. بدأ يبتعد، تسحبه بعيداً تغيرات اجتماعية وسياسية عاشتها منطقة الشرق الأوسط. 

أصبح شالوم هو "الآخر" أو الأجنبي الذي يعيش بيننا كالخواجة. ثم أصبح جندياً في جيش العدو الإسرائيلي. ثم أصبح جاسوساً أو ضابط مخابرات أصله عربي، يتكلم لغتنا، ويحاول تجنيد شباب العرب. في كل الأحوال، خرج شالوم من الحارة، وتبدلت صورته في الدراما العربية، ولا سيما المصرية، التي تعتبر الأقدم والأغزر إنتاجاً. وقد وجدت معظم الأعمال الدرامية في العالم العربي، على عكس الأدب والرواية، صعوبة في رسم الهوية المعقدة والمركبة لليهودي العربي.

حينما عاد اليهودي إلى الحارة

عام 2015، عاد اليهود في حارتين مختلفتين. فقد عرض عملان تلفزيونيان خلال رمضان شخصيات يهودية في قالب تاريخي، كأحد مكونات المدينة وسكانها. المسلسل الأول مصري واسمه "حارة اليهود"، والثاني سوري، وهو الجزء السابع من سلسلة "باب الحارة" الشعبوي.

يميل صناع مسلسل "باب الحارة" الذي لقي نحاحاً واسعاً على مدى أكثر من 8 سنوات، إلى تبني خطاب الحكومة السورية في محاكاة الحرب في سوريا. ويلاحظ المشاهد العادي كمية من الرسائل السياسية التي يبثها العمل، وتعكس رؤية النظام للوضع السوري.

وقد ظهرت في الجزء الأخير من المسلسل شخصية يهودية أغرم بها أحد أبطال المسلسل، وتعرفنا عبر الأحداث إلى عائلتها التي لم تقل شهامة و"نخوة" عن العائلات المسلمة أو المسيحية. هذه المرة الأولى في الدراما أو السينما السورية التي يظهر فيها اليهود على أنهم أبناء الوطن، والتي لم يكن اليهودي فيها عدواً إسرائيلياً.

لكن في المسلسل، الحافل بالمغالطات التاريخية بحسب المؤرخ السوري سامي المبيض، ظهر عدو جديد، هو "الفتنة بين أهل البلد"، والمتطرف الديني، أي الإرهابي.

أما العدو المطلق في مسلسل "حارة اليهود" المصري، فهو جماعة الإخوان المسلمين. في حين يعيش اليهود المصريون بسلام مع المسيحيين والمسليمن، لم تفرقهم سوى الحركة الصهيونية، التي نجحت في جذب بعض شباب البلد من اليهود إليها، فكان بعضم وطنيين رفض الهجرة والبعض الآخر صهاينة دعموا قيام دولة إسرائيل. 

في المسلسل، إسرائيل هي العدو الخارجي، أما العدو الداخلي، فهو الإخوان المسلمون، الذين اشتركوا في تلك الحقبة في أعمال معادية لليهود في مصر.

تحميل الإخوان مسؤولية كل الأخطاء

لعل المزاج السياسي العالمي، والعربي بشكل خاص، هو الذي أفسح في المجال لعدو جديد. وفي كلا العملين، يحاكي هذا العدو الأمزجة العامة لحكام الدول التي أنتجتها، ويلامس مشاعر الغضب لدى الجمهور الذي يتلقاها. 

لكن لمؤلف "حارة اليهود"، الكاتب المصري الدكتور مدحت العدل، رأي مخالف. يقول إن "المزاج الوحيد الذي يحاكيه العمل هو مزاجي الخاص"، ورغبته في مراجعة المسلمات والنظرة للآخر.

يضيف العدل: "جماعة الإخوان في المسلسل هم رمز لكل مجموعة دينية متطرفة ترفض تقبل الآخر. تماماً كما الصهيونية التي هي فكر عنصري متطرف يرفض الآخر".

وهو ما تؤكده المخرجة الوثائقية اللبنانية المقيمة في القاهرة، عرب لطفي، التي تقول إن "الصهيونية خلقت شرخاً في المجتمع المصري تماماً كالتيارات الإسلامية التي خلقت استقطاباً شرساً في العالم العربي".

لكنها تعتبر أن المزاج العام في مصر ميال إلى تحميل الإخوان مسؤولية كل الأخطاء، ويظهر ذلك في المسلسل. وترى أن خطورة "حارة اليهود" تكمن في سطحيته، لإن "الدراما التي ليس فيها جلسات عميقة لا تخلق عمقاً في تصوير الأمور". 

وعلى الرغم من الثغرات التاريخية التي لمسها النقاد في بعض التفاصيل، إذ صوّر سكان حارة اليهود على أنهم من الطبقة الوسطى، بينما هم من من أكثر الطبقات فقراً في القاهرة، فإن المسلسل حظي باهتمام وكالات الأخبار المحلية والعالمية، بل لفت السفارة الإسرائيلية في مصر، التي امتدحته لدى عرضه لتصويره اليهود بطريقة إنسانية، ثم عادت لتنتقد تحامله على دولة إسرائيل.   

صورة اليهود على الشاشة المصرية - اليهود في الدراما المصرية - من مسلسل حارة اليهود

من مسلسل حارة اليهود

أزمة هوية حقيقية

تعاطف عدد كبير من مشاهدي المسلسل مع اليهود، وقصة الحب التي نشأت بين البطلة ليلى اليهودية وضابط الجيش المسلم علي. ويقول العدل: "يعيش اليوم المصري في أزمة حقيقية مع نفسه وهويته، في خضم الأحداث التي تمر بها البلد، وحالة عدم تقبل الآخر، بالإضافة إلى حالة الحنين إلى فترة كان التعايش فيها واضحاً".

ويقول العدل إنه لا يعرف إن كان ظهور شخصيات يهودية وطنية في عملين (حارة اليهود وباب الحارة) هو مصادفة أم له دلالات سياسية أخرى. "لم أعرف عن شخصيات باب الحارة اليهودية إلا حينما أرسل لي شخص خطبة للشيخ العريفي يذم فيها علاقات الحب مع يهوديات في العملين ويحرمه".

للعدل مجموعة كبيرة من الأفلام الجماهيرية. لعل أولها الفيلم الكوميدي "صعيدي في الجامعة الأمريكية"، الذي عرض عام 1998. وعلى الرغم من أن الفيلم ليس سياسياً، فقد تطرق إلى القضية الفلسطينية، وظهر فيه مشهدلإحراق العلم الإسرائيلي

نال الفيلم شهرة واسعة، ومهد الطريق لعدد من الأفلام تناولت علاقة مصر بإسرائيل بطرق مختلفة، وأحرقت بطريقة أو بأخرى علم إسرائيل أو رفضت رمزية سفارتها.

يقول العدل: "كنت أنا أول من أحرق العلم الإسرائيلي في أفلامي، ولن تتخيلي كمية التصفيق في صالات العرض حينذاك".

في البدء... ما قبل 1948

ينظر  الباحث عن صورة اليهود في الدراما العربية إلى السينما المصرية مباشرة. ففيها ولدت صناعة السينما في العالم العربي في عشرينيات القرن الماضي، حين سكنت مصر مجموعة كبيرة من الأقليات: الأقباط، نوبيو مصر والسودان، الفلاحون واليونانيون والإيطاليون أو كما كانوا يسمون الخواجات، وطبعاً اليهود.

أدوارهم في الأفلام كانت تماماً كبقية الأقليات، صغيرة، ترفيهية، تعطي العمل تنوعاً. لكن حجم هذه الأدوار لم يكن بحجم دورهم في المجتمع، بحسب كتاب السينمائية والباحثة المصرية فيولا شفيق، "السينما الجماهيرية المصرية".

تقول شفيق في كتابها إن الأقليات بأنماطها لعبت دوراً كوميدياً في معظم الأحيان، ولم يكن هذا التوظيف لصورتهم من باب تمييز عنصري أو فوقية، ولم يقترن به أي صفة سلبية. فكان النوبي مثلاً، وفيّ دائماً، والفلاح طيب دائماً، والخواجة بلكنته المختلفة مضحك دائماً. 

أما اليهودي والقبطي فلم تلصق بهما صفات معينة. كان أبطال الأفلام في الغالب شخصيات عربية مسلمة، وكانت أدوار الأقباط واليهود ثانوية، يظهرون فيها بأشكال مختلفة.

"اليهودي في الأفلام المصرية القديمة جزء من الحي، وجارك وصاحب المصنع"، تقول لطفي، التي تتابع علاقة السينما العربية بالقضية الفلسطينية عن قرب. "ستجده في الفيلم كجزء طبيعي من السيناريو، هويته مصرية وليست يهودية".

ولعل أحد أشهر صناع السينما المصرية في بدايتها هو توجو مزراحي. الشاب الإيطالي اليهودي الذي ولد في مصر وحرص دائماً على أن يكون مصري الهوية.

"أفلام توجو مزراحي هي جزء من التراث والذاكرة المصرية، ليست تراثاً يهودياً"، تقول لطفي. "إذا نظرت إلى أعماله فستجدين أفلاماً لليلى مراد وأم كلثوم أنت تحبينها جداً ومتعلقة بها، ولا تعلمين أن مزراحي هو الذي أنتجها وأخرجها وألفها".

لكن حياة اليهودي كإبن بلد مصري لم يكتب لها البقاء على الشاشة كثيراً. فجاءت حرب 1948 وأعلنت إسرائيل قيام دولة يهودية في فلسطين.

الصورة المعادية للسامية لأول مرة

ترى شفيق في كتابها أن أول  تغيير في صورة اليهودي على الشاشة كان لشخصية راشيل، الراقصة اللعوب، في فيلم فاطمة وماريكا وراشيل" عام 1949. كانت راشيل الجميلة أكثر دهاء من البطل الذي لعب دوره محمد فوزي، وقد لاحقته  طمعاً بثروته وحباً للمال.

كانت هذه المرة الأولى التي تُلصق بيهودي صفات سلبية ونمطية، كالجشع والمكر والدهاء، تشبه إلى حد كبير الصورة المعادية للسامية التي رسمتها أوروبا له. 

وهذا ما يؤكده الدكتور محمود اللوزي، أستاذ الدراما والمسرح في الجامعة الأمريكية في القاهرة: "الصورة النمطية المعادية للسامية لم تكن موجودة في مصر قبل عام 1948، هي في الأساس حركة أوروبية، والصورة الكاريكاتورية لليهود هي نتاج هذه الحركة".

لم يعد في الأفلام مكان لليهودي المصري في الخمسينيات باستثناء فيلم "حسن ومرقص وكوهين" عام 1957، الذي رسخ صورة اليهودي البخيل، وجعله أقرب إلى الخواجا الأجنبي منه إلى المصري، بحسب كتاب شفيق.

فيما عدا ذلك، خرج اليهودي المصري من الشاشة، مع أنه لم يخرج كلياً من المجتمع المصري. فعلى الرغم من الهجرات الكبيرة التي شهدتها مصر آنذاك، كان لم يزل يسكنها نحو 13 ألف مصري في الخمسينيات، بحسب شفيق.

وهنا ترى لطفي أهمية الفصل بين "مسارات الحضور الثقافي لليهود داخل الحياة الاجتماعية في مصر، وبين الدراما في كل مرحلة وتوجهاتها واختياراتها السياسية".

الجندي الإسرائيلي لأول مرة

ومع تغير نظام الحكم في مصر من ملكي إلى جمهوري، بعد ثورة 14 يوليو، أو الانقلاب العسكري الذي قامت به مجموعة من الضباط، بدأت محاولات طرح قضايا الاستعمار التي تبنتها لغة خطاب الحكم الجديد، والاحتلال والتقدم الاجتماعي، وبدأ الكلام عن العمل الفدائي يظهر للمرة الأولى في الأفلام المصرية. 

"لم يتم التطرق إلى موضوع القضية الفلسطينية في السينما خلال حكم الملك فاروق، لقربه من البريطانيين. ظهرت القضية الفلسطينية في السينما المصرية بعد ثورة 52" تقول لطفي.

وفي عام 1956 حصل العدوان الثلاثي على مصر، وأصبحت إسرائيل في نظر الحكومة والشعب، العدو المعتدي. وبعد عام واحد، ظهر أول جندي إسرائيلي يهودي على الشاشة المصرية. كان ذلك عام 1957 في فيلم "أرض السلام" لعمر الشريف وفاتن حمامة.

ثم جاء ضابط المخابرات

تحول الجندي الإسرائيلي في السبعينيات إلى ضابط مخابرات أصله عربي، يتقن لغة الضاد، ويستخدمها للإيقاع بشباب العرب في فخ الجاسوسية. وقد اتخذت الكثير من هذه الشخصيات شكلاً نمطياً محدداً. "يرتدي نظارة، أخنف، أحدب، بخيل، مرابٍ، هذه هي الصفات"، يقول اللوزي. ويشير العدل إلى أن تنميط الشخصيات هو جزء من لعبة الفن، أو لعبة من لا يريد أن يتعب نفسه ويفكر. هي في الغالب حالة من الكسل والاستسهال أو الجهل.

وقد حاول المخرج المصري يوسف شاهين أن يطرح مشكلة الهوية اليهودية في فيلمه "اسكندرية ليه" عام 1978، وتطرق إلى تعددية مجتمع الاسكندرية بالتحديد في الأربعينيات. فكان بعض أبطال العمل يهوداً من سكان مصر. 

واجه الفيلم موجة من الانتقادات لتعاطف المخرج مع اليهود، بحسب كتاب شفيق. إلا أن لطفي تختلف معها وتؤكد أن الشارع استقبل العمل بإيجابية، خصوصاً بعد أن عرض شاهين فيلمه لمنظمة التحرير الفلسطينية في لبنان، وحصل على مباركتهم للعمل. "كنت موجودة ليلة العرض الخاص، وقد أشاد الجميع به، ومن ضمنهم قادة المنظمة،" تقول لطفي.

سواء كان رد الفعل إيجابياً أو سلبياً، فإن "إسكندرية ليه" كان محطة صغيرة، أكثر منه تغيراً في مسار الدراما التي انتعش إنتاجها لأفلام ومسلسلات الجواسيس، في الثمانينيات والتسعينيات، ولاقت رواجاً كبيراً. 

لا مكان على المائدة

نعود لشالوم، للحقبة التي يمثلها. يجلس عند البحر في عيد شم النسيم مع عائلته اليهودية، وعائلة صديقه عبدو المسلم وعائلة جارهما المسيحي، يتناولون الطعام التقليدي، "الفسيخ" في  فيلم "العز بهدلة". تصف شفيق هذه الوجبة بالرمزية. يحاول المشهد أن يرسخ فكرة التعايش المشترك.

قد يكون هو التعايش الذي يحن إليه المشاهد، ويدفعه إلى إعادة النظر في اليهودي الذي قُدم لفترات طويلة على أنه إسرائيلي.

تظهر هذه المائدة في الأعمال الدرامية والأفلام اليوم رمز تعايش أيضاً. يجلس إليها القبطي والمسلم، ويُستثنى منها بالطبع اليهودي.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard