شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
فيلم

فيلم "الوهراني"... صورة مجاهدي الجزائر التي أغضبت أوساطا دينيّة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الجمعة 5 أغسطس 201605:31 م

بعد فيلمه الأول "مسخرة" (2008) الذي حاز نحو عشرين جائزة بين المهرجانات العربية والعالمية، عاد الياس سالم هذا العام لإصدار فيلم جديد بعنوان "الوهراني" L’oranais.

في شهر سبتمبر الماضي، عُرض "الوهراني" في إطار الأيام السينمائية لمدينة بجاية الجزائرية، وسط حضور مميّز للصحفيين والنّقاد ومحبّي السينما. شكّل عرض الفيلم حدثاً مميّزاً، لكون الياس سالم (1973) يعتبر من أهّم مخرجي "الجيل الجديد" للسينما الجزائرية، بعد النجاح الذي حقّقه فيلمه "مسخرة".

بعد أيام قليلة من العرض، نُشر الفيديو الترويجي للفيلم على يوتيوب، مرفقاً بإعلانٍ عن العرض الأوّل للفيلم في الصالات الفرنسية في 19 نوفمبر. لم تمضِ أياّم حتى شنّ الشيخ شمس الدين هجوماً على الفيلم. مقدّم الحصص الدينية والإمام المشهور في الأوساط الشعبية بطريقة كلامه ومواضيعه التي يتداولها مستخدمو شبكات التواصل الاجتماعي كفيديوهات ساخرة، خرج ليصف الفيلم بالشيطاني والكاذب والمُزوّر للتاريخ، ويطعن في شرف المجاهدين والشهداء، مناشداً وزير الثقافة (وهي في الأصل وزيرة ثقافة) بايقاف عرضه.

يحكي الفيلم قصة ثلاثة أصدقاء اجتازوا ثلاثة عقود من حياتهم بعد مشاركتهم خلال الخمسينيات في الثورة الجزائرية، من بداية الستينيات حتى نهاية الثمانينيات من القرن الماضي، وتقلباتهم في مدينة وهران، وفي الجزائر الشّابة. ثلاثة أصدقاء، الحالم، والانتهازي، والمحايد، مرّوا بتجربة صعبة ومهمّة كالثورة الجزائرية. يقول الياس إنّ الفكرة بدأت بعد زيارته لمدينة وهران من أجل تقديم فيلمه "مسخرة"، وأيضاً بعد قراءته رواية جون فانتي John Fante "حيوات عديدة". الفيلم لا يريد أن يروي التاريخ بطريقته الخاصة، لذلك فإنّ قصّة جعفر الوهراني (الذي يلعب دوره الياس سالم) وأصدقائه متخيّلة، يمكن أن تكون قد حدثت والعكس صحيح.

الخطاب السلفي الذي عبّر عن نفسه في فيديوهات كثيرة اعترضت على الفيلم، احتّج لسبب واحد هو: ظهور هؤلاء الأصدقاء (المجاهدين) في بارات يشربون الخمر ويسهرون مع النساء. المشكلة في ما يعرضه الفيلم في نظر هؤلاء ليست "حياة الليل"، فالعديد من الأفلام الجزائرية تصوّرها، لكن في الأشخاص أنفسهم: المجاهدون الذين ظلّ هذا الخطاب، يسانده خطاب سلطوي أقدم منه، يشدّد على صورة نورانية لهم، مستعيناً بآيات من القرآن ترفعهم عن مرتبة البشر.

صحفيون كثر استهجنوا كلام الشيخ، ومنهم كمال داوود الذي كتب مقالاً بعنوان: "أنا الياس سالم". ومما جاء فيه: "المشكلة ليست في أن الفيلم أثار حفيظة خطاب سلفي يصادر الدين والله، وينصّب نفسه وسيطاً بين الأرض والسماء، لكن في الاتحاد بين هذا الخطاب والخطاب القديم المهيمن على السلطة لمن ينصّبون أنفسهم وكلاء على التاريخ الجزائري الحديث، مصادرين الحقائق ومقدّمين نسخة رسمية "مقدّسة" غير قابلة للشّك، كحقيقة وحيدة لهذا التاريخ". ويضيف كمال داوود: "أنّ هذا الفيلم أثار جدلاً- وهو شيء نادر حدوثه في الجزائر- وحرّر رغماً عنه التاريخ في حقل الخيال. صوّر التاريخ كحلم، هو خيال لكنه في الوقت نفسه واقع. صوّر المجاهدين كرجال لا كتماثيل إسمنتية".

في الإطار نفسه، كتب الياس سالم على صفحته في فيسبوك معلّقاً على فيديو الشيخ شمس الدين: "إن الشيخ الذي عوّدنا على شعبويته يهاجم فيلماً لم يشاهده، واكتفى ببعض المشاهد التي انطلق في الحكم عليها...".  وعن العرض الأول في مدينة وهران، قال: "عرض الفيلم في مدينة وهران حدث مميز ومهم بالنسبة لي، كان هنالك حضور مميز رغم دعوات المقاطعة، البعض عبّر عن استهجانه بينما صفق البعض الآخر بحرارة... أظن أن الأغلبية أحبّوا الفيلم وفهموه، وسعدت أيضا بالنقاش الذي فتح...".

من أسباب هذه الحملة- التي ساعدت في التسويق للفيلم برغم خطابها السلبي- كونه يروي حكاية مختلفة عن الثورة. أهم الأفلام في السينما الجزائرية كانت عن الثورة، لكنها لطلما كانت من منظور السلطة الرسمية. على عكس فيلم "الوهراني"، الذي لم يهتم كثيراً بالتاريخ، وجعله ديكورًا للأصدقاء الثلاثة الذين نجدهم في بلدان كثيرة، يعيشون مرحلة الحلم، مرحلة ما بعد الثورة.

بعيداً عن هذا، يبقى فيلم الوهراني تجربة مميزة وجديدة، خاصة أنّه صُوِّرَ في مدينة وهران، المغيّبة مقارنة بمدينة الجزائر العاصمة. الفيلم الذي يستعيد ثلاثة عقود من تاريخ الجزائر، يستعمل تقنية ممّيزة في التعامل مع الزمن، إذ لا توجد كتابات أو تواريخ تشير إلى السنوات، بل ينتقل الفيلم من فترة زمنية إلى أخرى، عبر الأغاني المنبعثة من الراديو، أو من خلال سهرة ما، أو عبر استرجاع أحداث مهمة في تاريخ الجزائر كالتأهل إلى كأس العالم عام 1982.

حالياً، ينتظر طاقم الفيلم المشاركة في مهرجان قرطاج الدولي، بعد أن حاز الفيلم جائزة أفضل مخرج عربي في مهرجان أبو ظبي السينمائي، وفي بضعة مهرجانات سينمائية أخرى في فرنسا، محققاً نسبة مبيعات ملحوظة في شبابيك التذاكر لدى عرضه يوم 19 نوفمبر في الصالات السينمائية هناك.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard