شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
رواية من قطر...

رواية من قطر... "العريضة"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الأحد 29 مايو 201606:27 م

تقدّم نورة آل سعد في روايتها "العريضة" صورة مصغّرة عن المجتمع القطري من خلال حكايات عائلة تعيش في الدوحة، وتعاصر مراحل التطوّر التاريخي التي جرت في البلاد. القصة تبدأ في بيروت مع "عائشة" التي ذهبت برفقة زوجها "جابر بن سالم" لإتمام تسجيل ابنهما "أحمد" في الجامعة الأمريكية. هناك سترى بالمصادفة "صالح بن أحمد" الرجل الذي أحبته وأحبها في زمن مضى، قبل أن تجبرها الظروف على الزواج برجل آخر. ‬

اللقاء المفاجئ سيترك آثاراً عميقة في روحها، وسيثير ذاكرتها التي تبدأ بالتدفق. "لم يبرح صالح مخيّلتها لكي تتعلل بنسيانه أو تدعي بأنها لم تتعرف عليه فوراً. وهو الآن ماثل أمامها، ينز عرقٌ من جبهته التي نفرت عروقها كعروق ذاكرتها، التي راحت تستعيد أحداثاً وقعت في الدوحة في الستينيات".

ومن خلال ذكريات شخصيتها تتحدث الكاتبة عن مراحل مختلفة من الحراك السياسي في قطر، فتذكر الإضرابات العمالية في الخمسينيات، التي قام بها العمال القطريون ضد شركة نفط قطر لتحسين أجورهم وظروف العمل، وتسلّط ضوءاً على الصراع من أجل إلغاء تجارة الرقّ، وعلى "عريضة الإصلاح" 1963 التي طالبت بمجموعة من الإصلاحات، وجوبهت بالقمع والاعتقالات، ثم تؤرخ للحركة التصحيحية التي جاءت بعد عشر سنين من هذه العريضة، إثر انقلاب على الحكم، "كانت ثمة تغيرات أكثر عمقاً، لم تزل كامنة، وتعتمل بهدوء وخفاء ومرارة في داخل المجتمع الصغير الهادئ، لم يلحظها أهل قطر حتى صارت الأمور إلى انقلاب معاكس، بعد ذلك بعقد من السنين، عندما استيقظ الناس في الدوحة، فوجدوا المذياع يعلن أنباء الانقلاب الأبيض، ووجدوا عبارة "الحركة التصحيحية" ترشّ بسخاء على الحيطان".‪

تعتبر الكاتبة هذه العريضة التي كانت أول عريضة مكتوبة ومذيلة بالتواقيع نقطة تحوّل هامة، نقلت المجتمع والدولة إلى مرحلة متطورة، وهذا يبدو جلياً في كونها عنوَنت روايتها باسم "العريضة". تفرد الكثير من الصفحات للتوثيق لهذه المرحلة ولما بعدها حتى بداية الألفية الجديدة، بل تفرد هوامش عديدة لسرد أحداث تاريخية أخرى، جرت في الفترة نفسها، والحقيقة أنها تنجرف بعيداً في التوثيق حتى يشعر القارئ أنه أمام كتاب تاريخي وثائقي. ‬‪

تعود آل سعد بعد هذا السرد التاريخي إلى الكتابة الروائية التخييلية، من خلال شخصية جديدة هي "الدكتورة منيرة" التي تغرق في همومها وسؤالها عن الحب الذي ظلَّ دوماً يؤرقها: هل أحبّت زوجها الذي هجرها لشخصه أم أحبّت الحبّ ذاته؟ تأخذنا في رحلة فلسفية عن الحبّ، وعن إحساس المرأة، ومشاعرها، وأفعالها وانفعالاتها. "عندما غادر يوسف إلى نيويورك فجأة كادت أن تهلك في حينها، بيد أنها شعرت بعدها بسنوات بأنها لم تحبه قط. لم تدّع ذلك لأنها تتمناه فحسب، بل لأنها شعرت بالفعل أنها لم تحب شخص يوسف بل أحبت الحب ذاته! لقد تصنعت حبه‪"‬.

ولعلّ أبرز ما يميّز أسلوب الروائية، قدرتها على تحويل كل حركة صغيرة أو نأمة أو كلمة تقوم بها أو تتفوّه بها إحدى الشخصيات إلى نقطة تستدعي الكثير من التحليلات في عمق هذه الشخصية، ودوافعها، مما يعطي غنًى لهذه الشخصيات ويوهم بحقيقيتها. ‬‪

تتتابع أحداث الرواية من خلال أبناء "منيرة"، التي ظهرت في السرد بعد اختفاء "عائشة" عنه، لكن جملة واحدة في الربع الأخير من الرواية ستربط بين الاثنتين، وتزيل حالة الاغتراب بين الجزء الأول من الرواية وجزئها الثاني، إذ نعرف أن "سلوى" خطيبة "عبد الله" هي ابنة خالته "عائشة".

وأما أبناء الأختين، الذين يمثلون جيلاً جديداً، مختلفاً عن الجيل السابق بطموحاته ومشكلاته، فمن خلالهم ستسلط الكاتبة الضوء على بعض قضايا العصر الحديث: "هدى" الفتاة المتمردة على عادات وتقاليد المجتمع، والتي تتزوج من رجل أمريكي، "طارق" الذي يختار طريق السلفية، وينضم إلى جماعة تدعو إلى "الجهاد" في أفغانستان. وأخيراً "عبد الله" الذي يدخل سوق البورصة ويصبح من رجال الأعمال الكبار، لكنه يحافظ على العقلية القديمة في التعاطي مع أمور حياته وعائلته‪.

كما تصوّر المؤلفة من خلال "سلوى" وضع الصحافة في قطر، وكيف أن إثارة بعض القضايا الشائكة جلبت عليها وعلى زملائها غضب الحكومة والأمن، وأدخلتهم في متاعب لا تنتهي‪.

نورة آل سعد كاتبة من مواليد الدوحة، حاصلة على ماجستير في الآداب من الجامعة الأردنية 1992، تكتب مقالات دورية في عدد من الصحف. لها العديد من الكتب: مجموعة قصصية "بائع الجرائد"، مجموعة مقالات "وتواصوا بالحق"، ورواية "العريضة" التي أثارت جدلاً واسعاً حين صدورها، وصودرت في قطر. لها أيضاً مجموعة من الكتب النقدية: "تجريبية عبد الرحمن منيف في مدن الملح"، "أصوات الصمت... مقالات في القصة والرواية القطرية"، و"الشمس في إثري".

مراجعة رواية العريضة - معلومات عن الرواية


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard