شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
رواية من العراق:

رواية من العراق: "ليل علي بابا الحزين"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الأحد 29 مايو 201611:28 م

يستفيد "الركابي" في عنوان روايته من شخصية "علي بابا" الشهيرة في "ألف ليلة وليلة"، بعد أن يضيف إلى العنوان "الليل الحزين" في إشارة إلى الظلام الطويل الذي خيّم على العراق بعد احتلاله. لكنّه لا يكشف للقارئ المقصود بهذه الشخصية، بل يوحي له في أكثر من موضع بحقيقة أخرى تاركاً له إما أن يقع في الفخاخ التي ينصبها على امتداد النص، أو أن يتجاوزها وينادي: "افتح يا سمسم" لينفتح ما انغلق من أسرار الرواية، ويجد المقصود بـ"علي بابا".

اللعبة الأساسية التي يحاول "الركابي" جرّ القارئ إليها، هو ذاك الاختلاف بين "علي بابا" في الحكاية الأصلية الذي يُوقع بالأربعين حرامي، وبين "علي بابا" المعلن في هذه الرواية وهو اللقب الذي يطلقه الجنود الأمريكيون على اللصوص الصغار الذين استغلوا حالة الفوضى فبدأوا نهباً وسرقة. "الكارثة أن هذه الأعمال الفظيعة تجري على امتداد المدينة وتحت سمع المارينز الأمريكيين وبصرهم دون أن يتدخلوا مكتفين بالسخرية مما يجري، مشبّهين العراقيين دون استثناء بـ"علي بابا" وخصومه اللصوص الأربعين".

غير أن "علي بابا" الحقيقي، غير المعلن، وهو الروائي هنا، مشغول بالكشف عن اللصوص الحقيقيين، الكبار، أولئك الذين يسرقون البلاد بكل ما فيها من حضارة وآثار ونفط. يسلط الضوء على عمليات التهريب التي بدأت بعد الغزو الأمريكي، وهذا ما يجلب لذاكرته المقارنة بعمليات تهريب الآثار التي كانت تجري أيام الاحتلال البريطاني للعراق والتي رواها له صديقه "بدر" الذي عايشها بنفسه وكان شاهداً عليها.

كما أن الراوي مشغولٌ قبل كل شيء بكيفية كتابة روايته، فالروائي هو البطل الرئيس في الرواية، أمامه أرشيف ضخم عمل عليه سنوات، يتناول تاريخ العراق أثناء الاستعمار البريطاني. يريد كتابة رواية تؤرخ لزمنين واحتلالين، فيصبح الاحتلال الأمريكي 2003 منطلقاً لاستعادة الاحتلال القديم البريطاني في محاولة للبحث عن نقاط التشابه.

بإزاء هذه المزاوجة بين التاريخين، هناك مزاوجة أخرى بين أحداث الرواية وبين عملية صنعها، إذ يشرك الكاتب القارئ في مراحل الكتابة، سارداً كيف بدأت الفكرة وما هي المصادر التي اعتمد عليها، وكيف تطورت الأحداث، "انفردت، طوال اليومين اللاحقين، بالمكتبة وقد عاودتني حماستي القديمة للشروع في كتابة روايتي المنتظرة. (...) الانطلاق بأحداث الرواية من لحظة عودتي إلى بغداد مع الرجوع، من حين إلى آخر، إلى فترة الاحتلال البريطاني، مستثمراً في ذلك أحاديثي المطولة مع بدر".

يستخدم الروائي أسلوب الفترات الزمنية المتقطعة التي تتداخل فيما بينها، والتي يربط بينها جميعاً شخص الروائي ولجوء "دنيا" الفتاة المسيحية إليه لمساعدتها، وهي التي كانت على علاقة مع صديقه "يحيى"، وحملت منه قبل اختفائه. يصبح السرد مبعثراً في كل الاتجاهات، لا يعيده إلى اتزانه ويصل بين أجزائه سوى اتصالات تلك الفتاة به بين فترة وأخرى لتطلعه على آخر المستجدات، بعد اختطاف "يحيى".

يحاول الكاتب التوثيق للفترة التي تلت الغزو الأمريكي، فيصور بشكل دقيق الحرب، وآثارها على الناس والمدن، كما يصور الحالة المعيشية للناس في تلك الفترة وما تلاها، بل وما سبقها وذلك من خلال استخدامه لتقنية الرجوع إلى الخلف، ليعرض كيف كان التوتر يسود الجو العام في انتظار خطرٍ قريب. يعود كذلك في إشارات ذكية إلى مراحل تاريخية هامة مثل أعوام الحرب الثمانية مع إيران، والغزو العراقي للكويت، إضافة إلى فترة الحصار الاقتصادي التي فُرضت على العراق، فتتسع أزمنة الرواية لتغطي مساحات كبيرة من التاريخ العراقي، كما تتسع أحداثها لتسرد معاناة بعض أبطالها الذين عايشوا تلك الفترات.

لا يفوت الروائي أن يفرد مساحات مضيئة في نصه تبدد العتمة الحالكة التي تمتلئ بها الرواية من عمليات انتحارية وتفجيرات وقسوة وعنف، فيمضي في هذه المساحات ليحكي عن مقاهي العراق، وشوارعه، وبخاصة شارع المتنبي الشهير ببيع الكتب القديمة، كما يصف طريقة البناء والعمارة في بغداد. "بدت البناية من الداخل نموذجاً للبيوت البغدادية التي تعلو على ارتفاع طبقتين، يتوسّطها حوش مربع تتراصف حوله غرفة تتقدمها طارمات بأعمدة عديدة".

عبد الخالق الركابي شاعر وقاص وروائي عراقي، من مواليد بدرة في العراق عام 1946. متخرج من أكاديمية الفنون الجميلة في بغداد 1970، عمل في التدريس تسع سنوات، ثم محرراً في بعض الجرائد والمجلات.

بدأ بكتابة الشعر، وأصدر ديوان "موت بين البحر والصحراء" عام 1976، ثم توجّه إلى كتابة القصص القصيرة فأصدر "حائط البنادق"، ليستقر أخيراً على كتابة الرواية.

له تسع روايات، هي "نافذة بسعة الحلم"، "من يفتح باب الطلسم"، "مكابدات عبد الله العاشق" التي تحولت لفيلم سينمائي بعنوان "العاشق" 1985، "الراووق" التي فازت بجائزة معرض الشرق الكبير في بغداد 1987، "قبل أن يحلق الباشق" فازت بجائزة أفضل كتاب أدبي عن دار الشؤون الثقافية العامة عام 1990، "سابع أيام الخلق" التي ترجمت إلى الصينية، واختارها اتحاد الكتاب العرب في دمشق ضمن قائمة أفضل 100 رواية عربية في القرن العشرين، "أطراس الكلام"، "سفر السرمدية"، "ليل علي بابا الحزين".

اُختير في إطار "جائزة قطر العالمية للرواية" من بين خمسة روائيين عالميين من أجل كتابة التاريخ العربي الحديث على شكل رواية، فكانت رواية "مقامات إسماعيل الذبيح" التي ترجمت إلى الإنجليزية والإسبانية والفرنسية.

مراجعة رواية ليل علي بابا الحزين - معلومات عن الرواية


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard