شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
رواية “مُرّة”

رواية “مُرّة”

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الثلاثاء 31 مايو 201612:41 ص

عندما دخلتْ شمّت رائحة مُرّة. نعم، هذه رائحة تخزين النساء. تشمّها دائماً في الحفلات والصباحات النسائية. مزيج من روائح المطبخ وبودرة الأطفال وأفواه جفت من كثرة الثرثرة". لكن "مرّة" في رواية "نغم حيدر" ليست رائحة تخزين النساء فقط، ولا هي "الضرّة" رغم وجودها في حياة "عزيزة" بطلة الرواية، ولا هي علاقة "عزيزة" بأمها، ولا هي علاقة الأنثى بجسدها، وبمحيطها… ربما كانت "مرّة" في هذه الرواية كل ذلك معاً وأكثر.

تختار الكاتبة شخصية امرأة متزوجة، تعيش حياة بسيطة كأي ربة منزل عادية، ترى في منزلها مملكتها وفي عائلتها كل ما تملك. حياتها مقتصرة على بعض الأشخاص: زوجها، أطفالها، أمها، خالتها، و"نور" جارتها وضرّتها.

لكن الكاتبة لا تريد أن تروي حكاية فقط، بقدر ما تريد أن تقدّم رصداً لتفاصيل العيش اليومية في حياة الزوجة. هكذا يتحول النص إلى فصول متتابعة، لا رابط بينها، لا في الزمن ولا في الحدث، سوى أنها كلها قطعٌ مختارة من أيام "عزيزة"، وفي أنها بمجموعها تشكّل صورة مصغرة عن حياتها كأنثى.

رويداً رويداً، نكتشف مع مرور صفحات الرواية، أن "نور" جارة "عزيزة" هي ضرّتها أيضاً، لكنها قررت الاستمرار في حياتها الطبيعية، وكأن شيئاً لم يكن، وكأن "سعد" زوجها لم يفضّل عليها امرأة أخرى، وفي سبيل تخفيف الألم الذي يعتصر قلبها، تتماهى مع ضرّتها، فتقنع نفسها دوماً، أنها "هي ونور لحظات واحدة وتفاصيل متشابهة. هما عالم سعد النسائي الشيق، مهما فعلتا لتتمايز إحداهما عن الأخرى". لكن هل فعلاً أن حياتها لم تتغيّر؟!

الإجابة تقدّمها خيالات عزيزة، أفكارها، مشاعرها، هواجسها، وحتى طريقة قيامها بالأشياء الاعتيادية، حياتها أصبحت مشطورة إلى نصفين، كل أحداث حياتها تسير بالتوازي مع ذكريات وأفكار أخرى، فيصبح كل شيء مكوّناً من ثنائيات متوازية، كما أصبحت هي و"نور" ثنائياً يتشارك "سعد"، وأصبحت هي "عزيزة مشطورة إلى نصف امرأة مرتجف". عواصف الشتاء تترافق مع تخبطات أيامها، وتطريز الكانفا يترافق مع ذكرياتها عن زيارات نور الأولى لها، وتصبح الوردة التي تنسجها متفتحة إلى جانب عمودين اثنين متوازيين، ويترافق صنع القهوة مع هذياناتها المتسللة إلى بيت نور لتفلت غيرتها هناك كجنية لعوب.

كل شيء صار محسوباً على وَقْع المرأة الأخرى: "الضرّة المرّة"، كل حدث أو تغيير يجلب إلى ذهنها مقارنات لا تنتهي معها، حتى في أشد أسرارها حميمية. وبين كل نأمة وفكرة وذكرى تعاتب "سعد"، في قلبها فقط، دون أن تبوح.

تنزع الكاتبة الغلاف الخارجي المحيط بشخصيتها وتدخل إلى العمق، كما لو أنها جرّاح يشرّح جسد مريضه، ليرى تلف الأعضاء، لكن "نغم حيدر" تشرّح مشاعر "عزيزة" لترى التلف الذي أصاب قلبها وروحها، فتغوص عميقاً، إلى أعقد القضايا، إلى علاقة الأنثى بجسدها، إلى علاقتها بأنوثتها، وتأثير ذلك على حياتها: "قد يكون هذا ما تمنى سعد أن تكونه. امرأة ضيقة طويلة ملونة"، "هذا هو جسدها، (...) قد يبدو لها مكتنزاً. متهدلاً. متثاقلاً. وتزعجها غرابة أبعاده وعدم تناسقها"، هكذا تفكّر "عزيزة" بشكلها، "تريد عزيزة أن تكون أنثى بلا آلام. بلا سوائل لزجة أو دورة للطبيعة عليها أن تحمل وزرها. يجب ألا تحصل معها قصص النسوة تلك"، هكذا تفكّر "عزيزة" بأنوثتها.

ليست علاقة "عزيزة" بجسدها وبأنوثتها، هي "المرّة" فحسب، فعلاقتها بأمها ليست حلوة ولا عذبة أيضاً، فأمها التي أصبحت عجوزاً تحتاج من يعتني بها كطفلة، نسيت كل شيء، واحتفظت بذكرى زوجها المتوفي، ما زالت تعتقد بأنه حيّ، فتنادي عليه كي ينهي شرب شايه، ويصلح ما خرب في المنزل، وفيما عزيزة تعتني بها تعاتبها، لكن أيضاً في داخلها ودون بوح، "ليت عزيزة لا تعرف ماذا تعني قسوة أمها"، "لو أنها التفتت إلى عزيزة واكترثت لآلامها، لو احتضنت قصتها وواستها... لو أنها لملمت فوضى طفولة عزيزة... لو أصغت أمها لترّهاتها في صباها...".

تتمرد "عزيزة" بصمت، تتمرد على واقعها، على زواج "سعد"، على شكل جسدها، على إهمال أمها لها في طفولتها وصباها. وتؤنسن كل شيء في عالمها، فيغدو كل ما يحيط بها متحركاً وذا روح، هكذا يمكن أن "يتمشى الصبح العطر في ممرات البيت"، ويمكن أن يتمدد السكر بين ذرات الشاي لتهدأ، أو أن يجفف الملل أفكارها، وترطّبها صورة "سعد"… الكاتبة في هذه الرواية، استطاعت إقناعنا أن "الصمت المرّ" يمكن أن يكون تمرداً أيضاً!

نغم حيدر، طبيبة أسنان مولودة في دمشق عام 1987. شاركت عام 2010، في مسابقة وزارة الثقافة السورية للقصة القصيرة، وحازت فيها على المركز الثاني. ثم شاركت في ورشات العمل التي أقامتها الروائية اللبنانية "نجوى بركات" ضمن مشروعها "محترف كيف تكتب رواية"، لتنجز عملها الروائي الأول "مرّة".

مراجعة رواية مرة - معلومات عن الروايةdownload (11)


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard