شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
رمضان شهر الرحمة والمغفرة... والصيام بالعصا

رمضان شهر الرحمة والمغفرة... والصيام بالعصا

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الخميس 15 يونيو 201704:08 م

من ذكرياتي الرمضانية البعيدة، منظر أمي إلى طاولة الإفطار في منزل أحد الجيران أو الأقارب. وبالتحديد منظر شفتيها فيما ترفع كأس الماء وتتمتم بصوت خافت قُصد به أن يكون مسموعاً، كعادة المتعبدين، بدعاء الإفطار.

ليس ذلك المنظر من الغرابة في شيء ما لم أزد عليه بأن والدتي حتى اللحظة، وهي تقارع خريفها الواحد والسبعين، ما زالت تراوح في قناعاتها الإيمانية بين اللادينية والإلحاد مع فترة بعيدة جداً من الإسلام الاجتماعي (ذلك الدين الممارس تماشياً مع البيئة والمحيط دون أن يكون له أي صدى أو قناعة داخليين).

بعبارةٍ أخرى فإن أمي لم تكن صائمةً إلى طاولة الإفطار تلك، ولم تدعِ عكس ذلك فقط، بل غالت في ذلك الادعاء.

لا أقصد رجمها بالحجارة، فكلنا مارسنا نفس الخطيئة. فأنا التي لم تصم يوماً، اضطررت معظم حياتي إلى الادعاء بالصوم. واتتني الشجاعة حين انضممت للعمل في شركة جديدة منذ ست سنوات وأخبرت نفسي حينها بأنني إن ادعيت مرة فسأضطر للقيام بذلك كل مرة.

تطلب ذلك دفعة قوية من الشجاعة وبرود الأعصاب. ومع أنني لم أخفِ يوماً قناعاتي الدينية في أي نقاش أخوضه ولا أتوانى عن إخبار الزملاء بإلحادي، في بلد يعاقب القانون على الإجهار بالإلحاد، مع كل ذلك فوجئ الكثيرون من المسلمين وغير المسلمين حين رأوني أتناول الطعام في أول يوم من أيام رمضان، لأنه "إلا رمضان!" رسالةً بات العالم بأكمله يدركها.

تلك هي تجربتي مع رمضان باختصار، إلا أنني أعلم أن هناك الكثيرين ممن ما زالوا عالقين في مستنقع الادعاء الرمضاني هذا.

كلنا مارسنا نفس الخطيئة. فأنا التي لم تصم يوماً، اضطررت معظم حياتي إلى الادعاء بالصوم...
مجتمعاتنا العربية تمارس النفاق، بل تحبه وتشجعه وترضعه لنا مع الحليب...

لا بد أننا جميعاً متهمون بممارسة النفاق الاجتماعي، بدرجاتٍ متفاوتة، تعتمد على الشخص بشكل عام وعلى المجتمع الذي يعيش فيه، بشكل خاص. مجتمعاتنا العربية تمارس النفاق، بل تحبه وتشجعه وترضعه لنا مع الحليب.

لا بد أن ادعاء الصوم هو نوع من أنواع النفاق، ولكن في حين يمارسه البعض اختيارياً، كوالدتي، من مبدأ "ابعد عن الشر وغنيلو"، فإن الكثيرين لا يملكون من أمرهم شيئاً إلا لعب دور الصائم لأنهم غير قادرين على تحمل عواقب الإفطار العلني.

 

إذ إن الضغط الاجتماعي والنفسي الممارس على المفطرين والذي تحرسه الدول بالقانون أقوى بكثير من أن يتم تحديه بسهولة. ففي مجتمعاتنا البعيدة جداً عن النضج، يعتبر الشخص "مؤمناً" قطعاً لأنه "مسلم" على الهوية، دون أي رغبةٍ في الاعتراف بأن الدين ميراثٌ من الآباء وبأنه يجب أن نملك الحرية بقبوله من عدمه.

بعد ذلك تمارس هذه المجتمعات ضغطها الذي لا يرحم كي تقولبنا لنناسب الإطار الذي رسَمَتهُ لنا، ساحقةً أي تفردٍ أو رغبةٍ في التحليق خارج السرب، مطبقةً حس القطيع، ومن ثم تضع لقمعها عناوين رنانة ولبقة مثل "احترام الصائم".

هل تدعي الصيام لأنك خائف من الوصمة الاجتماعية أو الغضب العائلي أو حتى القانون؟ لستَ وحيداً فهناك الآلاف، ولكنهم صامتون خوفاً

للصيام تقديس مميز دوناً عن باقي العبادات، لا بد أن السبب أقدم وأعمق مما فعلته وتفعله تلك الآلة الإعلامية الضخمة التي جعلت من رمضان صناعةً بمليارات الدولارات، سواء كانت صناعة الميديا والتلفزيون أم صناعة الطعام أم الصناعة الدينية التي تترافق مع الشهر الكريم.

فمع أن صوم رمضان هو واحد من خمسة أركان للإسلام، والصلاة والزكاة تسبقانه في الحديث النبوي، لكنك لا ترى الدول الإسلامية (عدا السعودية) تفرض الصلاة بالعصا ولا تجد واحدة منها تسن التشريعات لجبي الزكاة بالقانون مثلاً.

ولست هنا أطالب بأي من هذا طبعاً وإنما أسوق هذه الأمثلة للدلالة على صبيانيتنا كمجتمعات تتعاطى مع الكثير من الأمور الحياتية كمسلّمات دونما رغبةٍ أو إرادةٍ في إعادة النظر بها.

مهما كان السبب الذي أوصلنا إلى أن نعيش رمضان كما هو عليه اليوم، بالقدسية غير المبررة والإكراه غير المباشر المترافقين معه، فقد آن الأوان كي نعيد النظر في مسلماتنا ونعيد تقييم هامش الحرية الدينية الذي نملكه كأفراد في مجتمعاتنا العربية التي نعيش فيها.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard