شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
وهكذا مرّ عام أول على زواجنا

وهكذا مرّ عام أول على زواجنا

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الاثنين 29 مايو 201702:46 م
وهكذا مرّ عام أول على زواجنا. حصل الكثير ولكنّ حياتنا لم تتغيّر بأي شكل جذري كما يقال عن الزواج وسنواته الأولى. لم نتخاصم حول المكان الأنسب لوضع فراشي الأسنان إذ تمّ الاتفاق الضمني على المسألة قبل الزواج. ولم نتخاصم حول فرش البيت لأنّنا لم نفرش بيتاً. أغراضي نفسها، التي نقلتها من بيت إلى بيت ومن مدينة إلى مدينة خلال سنوات الدراسة والعمل، حافظت على ما لم يعترض عليه منها، وزدنا عليها بعضاً من أغراضه، منها طقم الصحون الملوّنة (كل صحن لون) الذي ورثه عن جدّته. وبما أنّنا كنّا نعيش في مدينتين مختلفتين، لم نستضف أناساً كثيرين. فكانت لنا عزيمة عشاء عائلية واحدة فقط في شيكاغو، استقبلنا فيها أمّه وأباه وأخته وجدّته. طبخت يومها طبختين لأنّني كنت متأكّدة أنّ إحداهما ستفشل. ففشلت الاثنتان ولكن ليس فشلاً ذريعاً: فريكة الدجاج كانت كثيرة المياه ومقلوبة الباذنجان لم تنقلب بل انهارت. لم أزل حتّى اليوم أربّح زوجي جميل هذا العشاء لأنني حضّرته كلّه وحدي، إذ كان هو منهمكاً بكتابة الفصل الأخير من أطروحته. أقول له: طبخت الفريكة والمقلوبة، وقرأت أطروحتك حرفاً حرفاً. وهو لا يذكّرني بأنّه في أول علاقتنا قرأ كتابي كلّه قبل نشره وأشرف على دعوات كثيرة (هو يحضّر الكفتة والبطاطا الحرّة واللوبيا بزيت، وأنا التبّولة - التي دائماً ينقصها شيء - والحمص). نعيد القائمة نفسها في كل دعوة لأنّنا أتقناها (ما عدا التبّولة). هكذا إذاً مرّ عام على زواجنا، هو في مدينة يبحث وأنا في مدينة أدرّس، نلتقي أسابيع ونفترق أسابيع، كما كنّا نفعل بالضبط قبل الزواج. ما تغيّر إلّا أنّنا صرنا خبيرين بأمرين: الأعراس والأسفار. فقد كان لنا عرسان، عرس أميركي وعرس لبناني.
قلت له يوم الزواج، عندما تبادلنا وعوداً على الطريقة الأمريكية، قلت له إنّه يزيد من حريّتي ولا ينتقص منها
هكذا مرّ عام أول من الزواج... ترافقنا في درب واحد وحافظنا في الوقت نفسه على دربينا المستقلّين
العرس الأميركي تضمّن حفل الزواج الرسميّ الذي زوّجنا فيها صديقه النروجي، بعد أن حصل على سلطة تزويج في ولاية ايلينوي من خلال الإنترنت. قلنا له لا نريد نصاً دينياً ولا خطاباً عن أهميّة الزواج. ثمّ قام أصدقاء لنا بقراءات اختاروها للمناسبة، أفلاطون وبودلير ونزار قبّاني (قرأها صديقه الإنكليزي بعربيّة فصيحة). أمّا باقي العرس فلا يتذكّره زوجي جيّداً، لأنّه توعّك خلاله فقضى معظم السهرة في الحمّام. وهكذا انقضت أيضاً ليلة ما بعد الزواج الأولى، في الحمام. وبعد أن كنت حاولت جاهدة تجنّب كل الأشكال الجندرية لمراسيم الزواج، وصلتنا في اليوم التالي الهدايا من أفراد عائلته الأمريكية موجهّة كلّها إلى السيد والسيدة ك. م. (إسم زوجي)، فشعرت بشيء من الاستسلام الممزوج بخيبة أمل. أما العرس اللبناني، فكان تقليدياً إلى حد أكبر، ما عدا المطر الذي رافقه. استيقظنا صباحاً على عاصفة فقضينا أكثر من ساعة نقرّر إن نؤجّل العرس أو لا نؤجّله. وقد تقرّر عدم تأجيله فصار العرس، وصار مع بدايته المطر غزيراً، وكنّا نضحك خلاله في غرفتنا من سوريالية الوضع. ولكن المطر لم يدم طويلاً، فخرج زوجي إلى الباحة مع رفاقه والزفّة البعلبكية. وكنت قد وعدته، إذ كانت له كوابيس عن الدبكة قبل العرس، أنّه ليس ملزماً على المشاركة ويستطيع الاكتفاء بالتصفيق. ولكنّني لمّا خرجت مع أبي وجدته بالعباءة ممسوكاً من الجانبين من الدابكين. فصار همّي الأوحد، في الدقائق الأولى من العرس هذه، أن أصل إليه وأحرّره. لكنّه لم يشتك ولم ينزعج. كما لم يشتك في أي لحظة من عرسين نظّمناهما معاً، بينما هو يكتب الأطروحة وأنا أدرّس وأكتب وأملأ طلبات منح تسمح لي بإجازة من جامعتي أقضيها معه في جامعته. على هذا المنوال حضّرنا كذلك لسفرة شهر العسل. هو كان يهمّه البلقان فاخترنا ألبانيا، ومن ثمّ مونتينيغرو والبوسنة وسمّينا الرحلة شهر عسلنا الطائفي. كانت رحلة من العمر، كما يقال. عمر كنّا بدأنا رسمه منذ لقائنا الأول، في المعهد الألماني للدراسات الشرقية في زقاق البلاط، وصرنا نكمل الرسم بين بيروت وواشنطن وشيكاغو، وبدأنا ننحته خلال شهر العسل أفكاراً ومشاريع أبحاِث مشتركة واكتشافات وأحلاماً لأسفار مستقبلية. وكانت لنا رحلة طويلة أخرى في هذا العام الأول من الزواج إلى سينغافورة وهونكونغ والصين، حيث كنت أعطي محاضرات ونكزدر (نتنزه) ونستكشف ونتسامر ونجلس في المقاهي للعمل في الأيام الفاصلة ما بين محاضرة وأخرى. كانت المحاضرات عديدة ومتعبة، خاصّة أنّها بدأت بمحاضرة هاجمني فيها فيلسوف أمريكي، فدام التوتّر بعدها أيّام. ولكنّ زوجي، وقبل أن نفترق، هو إلى اكسفورد وأنا إلى بيروت، أعطاني رسالة يقول لي فيها إنّه أعجب بقوّتي ومثابرتي. هذا ما استخلصه من الرحلة. أنا قلت له ولنفسي إنّ شهادته مجروحة. ولكنّني وجدت نفسي أعيد التفكير بالرحلة كما هو رآها، لا يهم بموضوعية أو من دون موضوعية. قلت له يوم الزواج، عندما تبادلنا وعوداً على الطريقة الأمريكية (ولكنّنا اخترنا أن تكون أشبه بالرسائل من أن تكون بالوعود)، قلت له إنّه يزيد من حريّتي ولا ينتقص منها. استعنت وقتها بالفيلسوف جون لوك لأتكلّم عن الفرقَ بين الحريّة الإيجابية والحريّة السلبيّة وكم هو زاد من حريّتي الإيجابية. أغناها بدعمه فكبرت. وهكذا مرّ عام أول من الزواج، حصلت أعراس وأسفار وكبرنا سنة معاً ولم يتغيّر شيء جذري. ترافقنا في درب واحد وحافظنا في الوقت نفسه على دربينا المستقلّين.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard