شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
شُنَّت غارة على الفن السوري أمام أعين دريد لحام ونجاح حفيظ وقباني

شُنَّت غارة على الفن السوري أمام أعين دريد لحام ونجاح حفيظ وقباني

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الأحد 4 يونيو 201706:22 ص
"ما الفائدة من أن تكون قادراً على الكتابة عن أي شيء في هذا العالم، ولست قادراً على تغيير شيء فيه". صرخة من حنجرة الشاعر والأديب محمد الماغوط، السوري العتيق، فقيد أدب البلاد ومسارحها ودور كتابها، الأديب المحظي، الذي قيل إنه أعطي ما لم يعط لسواه، هل كان هذا حقيقياً؟ صاحب مسرحيتي "غربة" "وضيعة تشرين"، أرخى كل آلامه على قلم هش، كتب فيه مأساة بلد، شاركه من دون تردد رفيق الدرب دريد لحام. في ذلك اليوم، كانت سوريا منبراً فنياً ومركز إشعاع ثقافي، يقول مثقفون إنها كادت تنافس القاهرة وبيروت، لولا ظروف الصراع التي استمرت لعقود وما كانت تنتهي، في سوريا، بلد ممدوح عدوان وسعد الله ونوس، وحنا مينه وخالد خليفة، وخليل صويلح وزكريا تامر، وأدونيس وقباني وعشرات غيرهم. أولئك الذين وضعوا اسم سوريا في منتديات ثقافية عالمية في حقبة قد لا تبدو بعيدة، ولكنها كادت تكون منسية. [caption id="attachment_105215" align="alignnone" width="700"]الأسطورة-دريد-لحام-عام-1960 الأسطورة دريد لحام عام 1960[/caption]

أيعقل أن سوريا ما عادت ولّادة للنخب؟

قد يبدو السؤال ساذجاً، رغم كل ما ألحقته الحرب من خراب وألم. ولكن يبدو أن العصر والمعايير اختلفت تماماً، هنا لا بيانات ولا اجتماعات سرية ولا حراك سياسي حقيقي، ولا حتى صحف يقرؤها الناس صباحاً. كل تلك ظروف، أودت بالأدب على حساب عصر السرعة، عصر الهواتف الذكية والروايات المنسية. 241

حرب الأعوام السبعة وثقافتها

لم تترك الحرب آثاراً ثقافية حقيقية تخلد في الأذهان، درك غريب وصلته البلاد بحسب ما يعبر عنه أبناء أجيال أكثر قدماً. ويبقى السؤال الأهم في كل آن، ما الذي سيتركه أولاد حرب اليوم لأجيال الغد؟ من سيحفظ تاريخهم من التزوير؟ تزوّر وسائل الإعلام أخبارها، النتاج الفني يتحكم به المنتج والعقلية التجارية أيضاً ورغم ذلك، يعتبر الصحافي والسيناريست السوري "رامي كوسا" أن التعميم غير صحيح، ولا يمكن القول بطبيعة الحال إن قيم الفن انحدرت تماماً. فالفن التشكيلي قبل وبعد الحرب، علامة فارقة وميدان نشِط، والدراما منتج حساس يحتاج إلى سوق تصريف، ودائماً كان سوق التصريف السوري هو الفضائيات الخليجية واللبنانية. يقول كوسا: "الطامة الكبرى كانت حين اصطدمنا سياسياً مع كثير من الدول، فصار النتاج الفني السوري محاصراً، ما أدى إلى توقف عديد من الشركات عن العمل على حساب شركات دخلت سوق العمل وانزلقت نحو ما يسمى Pan Arab، أي "مادة فنية مشتركة"، لا تقدم أي قيمة جدية، وهذا ما أعتقد أنه تسطيح لعقل كل مشاهد. القنوات التي تشتري هذه الأعمال باتت تريد ترفيهاً بحتاً، لذا هنا تحديداً يمكننا القول إنّ هذا هو الانحدار".

الجسد الثقافي يخسر مؤسسيه

لم يعد خافياً على أحد أن جلّ فناني الصف الأول في سوريا، باتوا خارج البلاد، حيث يطلبهم سوق العمل، في مصر ولبنان والخليج. مخرجون وكتاب وفنانون رحلوا، بعضهم لأسباب مادية، وآخرون لأسباب سياسية، ومنهم لأسباب أخلاقية، تتعلق بأنه لا مبرر للتمسك ببلد لا يجيد احترام عقولهم، بحسب ما يعتبرون. نقابة الفنانين السوريين لعبت دوراً في هذا الإطار، ففرضت عقوبات غير مرة على الكثير من الفنانين، وضيقت على آخرين، وفصلت بعضاً منهم، واللائحة تطول. [caption id="attachment_105214" align="alignnone" width="350"]najah-hafeez نجاح حفيظ[/caption] خلال عمر الحرب، فقدت سوريا خيرةً من فنانيها، أمثال عمر حجو ورفيق السبيعي وناجي جبر ونجاح حفيظ وياسين بقوش وسواهم. وفاة نجوم البلاد عرت الوسط الفني مرةً جديدة، آخرها كان فضيحة تشييع الفنانة نجاح حفيظ، التي اشتهرت عربياً بلقب "فطوم حيص بيص" في أحد أشهر المسلسلات الكوميدية السورية، إذ شارك في تشييعها 7 أشخاص فقط، بينما اكتفى معظم الفنانين بالتعزية عبر صفحاتهم على الموقع الأزرق، فايسبوك، من دون تكبد عناء المشاركة والمواساة الحقيقية لأناسٍ، في يوم من الأيام، هم من أسسوا للفن في هذه البلاد.

الدراما السورية بين الموت والحياة

يوماً ما تبوأت الدراما السورية عرش العمل الفني العربي، كان ذلك في عصر الازدهار، مع بداية هذه الألفية، وحتى نشوب الحرب. ورغم كل ذلك وضعف التسويق والمردود، لا تزال البلاد تنتج سنوياً أعمالاً درامية. الباحث والناقد الدرامي "ماهر منصور"، يعتبر أن سوريا لم تدخل عصر الانحدار، ما دامت حاضرة على خط الإنتاج منذ مطلع الحرب حتى يومنا هذا. رغم ذلك، يرى أن الدراما المحلية أمام تحدٍ متعلق بمنطق الفن، الذي لم تزل أحداثه تتواتر على الأرض، ويجب عملياً انتظار نهاية الحكاية ليصير التوثيق مشروعاً. ويضيف أن منطق الدراما السورية مخالف، لأنها ابنة واقعها على الدوام. فقد تعايشت الدراما مع المنطق الفني بالمقاربة النسبية، أي تم التحايل على الممنوعات، من دون كسره، بالتطرق لجانب الأحداث الآنية الاجتماعية والاقتصادية وتأثيرات الحرب الواضحة. إذ مهما تغيرت الوقائع فستظل المعاناة نفسها، والتاريخ سيكرر ذاته عملياً. يكمن التحدي الأصعب لدور الإنتاج أن لا تعيد إنتاج المشهد الإخباري، وأن لا ينفصم، في الوقت نفسه، عن الواقع، بتقديم أعمال درامية بعيدة عن الحرب، كهدنة خاصة بين المتلقي والمنتج. وفي بحث أكاديمي خاص أصدره، منصور وهو صاحب كتاب "دراما النار والقلق"، يرى أن نحو 20٪‏ من الإنتاج الكلي من الأعمال حاكت واقع الصراع والحرب، إضافة لنحو 4 إلى 5 مسلسلات سنوياً عن البيئة الشامية، وهو رقم جيد جداً لأنها مطلوبة تسويقياً.
تناولت الدراما السورية منذ بداية الحرب مختلف أوجه الصراع، بدءاً من ملف التظاهرات، من خلال عمل "تحت السقف"، وهو إنتاج حكومي، مروراً بمراحل التسلح ما قبل النصرة وداعش، في عمل "الولادة من الخاصرة" ، وصولاً إلى  الكثير  من الأعمال، مثل "بانتظار الياسمين" الذي نافس عالمياً على جائزة "إيمي".
وهو بحث في ملف الهجرة والنزوح، ورغم ذلك تجنبت الدراما السورية مقاربة الواقع السياسي بشتى السبل، وفي هذا الصدد، يقول منصور إن القطاع العام الحكومي هو من أنتج نصف هذه الأعمال الدرامية خلال الحرب، وبالمثل أنتج القطاع الخاص.

السينما السورية توارى الثرى

المؤسسة العامة للسينما هي المكان الوحيد المعني بالإنتاج السينمائي في سوريا، وهي تتبع للقطاع العام، لكنها، بحسب توصيف حرفي من السيناريست كوسا:"تحولت لـ"مزرعة" يستفيد منها مخرجون كثيرون، يتم تدويرهم على نتاجات أفلام طويلة، من دون وجود رقيب ومحاسب". ويوضح كوسا: "المشكلة ليست في المحاصصة أيضاً، بل المشكلة بالنتاج الذي يخرج عنها، فهي أفلام تعبوية تموت جماهيرياً بعد أسبوع من العرض". في مكان ما قد يبدو كلام كوسا منطقياً، فالسوريون يذكرون جيداً فيلم المخرجة اللبنانية نادين لبكي "وهلأ لوين"، الذي أحدث أزمة شباك تذاكر خلال عرضه داخل سوريا. كذلك فيلم اللبنانية صوفي بطرس "محبس" لاقى إقبالاً جماهيرياً في سوريا. لذا، وبحسب بعض النقاد، السبب في انحدار السينما السورية يعود إلى السلوك الشللي، ورداءة المنتج المقدم، وإقصاء الآخرين علناً.

انتهى عصر خلود الفن

العصر الآن لم يعد عصر تخليد، لم يعد عصراً يؤرشف المنجز الثقافي بقدر ما قد يكون المنجز الفني مهماً، ولكنه سرعان ما سيموت. فوسائل التواصل الاجتماعي تحولت إلى منبر يخرّج يومياً، شعراء وفنانين وكتاباً وموسيقيين، هم حالات تموت بانقضاء وقتها الآني. سوريا اليوم تنتج أسماء قد تكون جيدة، لكن هذا العصر هو عصر المطحنة الثقافية. لذلك بقدر ما يقدّم الفنانون والمثقفون منتجاً بديعاً، يستمرون.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard