شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
الأغنية الصح ولكن المطرب الخطأ

الأغنية الصح ولكن المطرب الخطأ

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الجمعة 13 يناير 201707:36 م
الأغنية ليست كلمات وألحاناً وصوتاً يطربنا فقط. الأغنية حالة تتلبس المطرب وتتلبسنا من خلاله. وإن لم تجد مشاعر الأغنية طريقها إلى صوت المطرب فلا طريق لها إلى القلوب. والأغنيات - كما أشياء أخرى كثيرة - حظوظ حتى، وإن أدَّى الأغنية الواحدة أكثر من مطرب، تجد الأغنية لنفسها حظًا مع مطرب دون غيره.

"الأماكن كلها"

بين محمد عبده وأنغام

على طريقة قيس بن الملوح حين يقول "أمرُّ على الديار ديار ليلى أُقبِّلُ ذا الجدار وذا الجدار" يقول المطرب السعودي محمد عبده في أغنيته الشهيرة "الأماكن كلها": "الأماكن اللي مريت أنت فيها عايشة بروحي وابيها بس لكن ما لقيتك". وهكذا قالت المطربة المصرية أنغام حين غنتها أيضاً، ولكنها بصوت محمد عبده تبدو مختلفة.
اعتدنا من شعراء العرب قديماً - خاصة الرجال منهم - أنهم يطوفون حول بيت الحبيبة والمعشوقة لعلهم يتنسمون رائحتها أو يلمحون لها طرفاً. وكانت هذه عادة الشعراء المتمتعين بحرية الذهاب إلى هنا وهناك ومراقبة بيت الحبيبة. وليس الأمر في الوقت الراهن بمختلف عن ذي قبل. فالتنقل بين الأماكن التي توجد فيها الحبيبة، هو أمر يليق أكثر برجل. بينما تفتقد المرأة الحبيب بشكل مختلف، تفتقد التفاصيل الصغيرة كما يقول نزار قباني على لسان الحبيبة "شؤونٌ صغيرة تمر بها أنت دون التفات تساوي لديّ حياتي، جميع حياتي، أعمِّرُ منها قصور وأحيا عليها دهور..." فهذه هي طريقة المرأة في الشوق والافتقاد، وإن كان صوت أنغام الحاني يضع الأغنية في حالة مؤثرة أكثر مما فعل صوت عبده.

لا تكذبي

بين نجاة ومحمد عبد الوهاب

هل رأيت رجلاً خانته حبيبته ورأى خيانتها بأم عينيه؟ هل سمعته يتحدث ويصف كيف كانت حبيبته في حضرة عشيقها شريك الخيانة؟ يكفيك أن تسمع أغنية "لا تكذبي" بصوت محمد عبد الوهاب لتعرف ما تعنيه هذه الحالة. "لا تكذبي" ليست مجرد خاطرة فنية ابتكرها شاعر من بنات أفكاره ووحي خياله. هي تجسيد حي لما مرّ بالشاعر "كامل الشناوي" حينما استشعر خيانة حبيبته الحقيقية فكتب بألم صادق "إني رأيتكما معاً، فدعي البكاء فقد كرهتُ الأدمعَ".
حينما تأتي هذه الكلمات الباكية من صوت ذكوري وقور كصوت محمد عبد الوهاب يكون مدلولها على ألم الخيانة أقوى مما لو أتت من صوت مخملي ناعم كصوت نجاة. ناهيك بأن بطل القصة رَجُل. ولا يكاد يخفى على أحد أن حبيبة الشاعر كامل الشناوي الحقيقية والتي كتب لها هذه القصيدة "لا تكذبي" هي المطربة نجاة نفسها التي غنتها في فيلم "الشموع السوداء". لكنها لم تكن خيانة بالمعنى المفهوم، إذ كان الشناوي يحب نجاة حباً صادقاً لكنه من طرف واحد، وحينما رآها بصحبة رجل آخر تملكه شعور الخيانة وكتب هذه القصيدة. ومن سخرية القدر أن تقوم نجاة نفسها بغناء القصيدة دون أن يهتز لها جفن، أو أن تشعر أنها المقصودة حينما قال الشناوي "ماذا أقول لأدمعٍ سفحتها أشواقي إليكِ؟ ماذا أقول لأضلع مزقتُها خوفًا عليكِ؟ أقول هانت... أقول خانت".

ست الحبايب

بين فايزة أحمد ومحمد عبد الوهاب

غنِّت المطربة المصرية فايزة أحمد أغنية "ست الحبايب" التي لحَّنها لها الموسيقار محمد عبد الوهاب. وكانت عادة عبد الوهاب في بعض ألحانه أن يقوم بتسجيل اللحن بصوته تسجيلاً مبدئياً كأنه "يدندن" اللحن. لكنه هنا غنَّى "ست الحبايب" كاملة وهو ما لم يكن موفقاً بها مقارنة بأداء الأغنية بصوت فايزة أحمد.
حين تسمع ست الحبايب من فايزة بالكاد تتماسك دموعك أمام التعبيرات الدافئة عن حنان الأم وعطائها غير المشروط أو المنقطع. من منَّا لم يتذكر مواقفه مع أمه حين تقول فايزة أحمد "تعيشي ليا يا حبيبتي يا أمي ويدوم لي رضاكي، أنا روحي من روحك انتي وعايشة بسر دعاكي".
محمد عبد الوهاب لم يكن موفقاً في أغنية "لا تكدبي" وصوت محمد منير لا يضاهي صوت وردة في "حكايتي مع الزمان"
لا يمكننا بالطبع أن ننفي الشاعرية والإحساس المرهف الصادق لدى محمد عبد الوهاب لكنه، أيضاً عبَّر عنها بأداء صوتي محايد يختلف كثيراً عن أداء فايزة أحمد الذي لا يسعك معه إلا أن تبكي.

حكايتي مع الزمان

بين وردة ومحمد منير

حين كتب الشاعر محمد حمزة "لا عتاب هيشفي جراح ولا هيجيب اللي راح... دي حكايتي مع الزمان" كان يعلم أنها تليق تماماً بصوت مبحوح كصوت وردة. صوت يُعبِّر عن الجرح بآهات باكية، حتى وإن لم يختنق بالدموع. وفي السياق الدرامي للفيلم الذي يحمل الاسم نفسه "حكايتي مع الزمان"، كان يليق بالبطلة بعد أحداث وآلام أن تقول "أنا اللي بينكم هنا مش عارفة رايحة فين ولا فاكرة جاية منين جابني الطريق هنا، ياما اتحملت أنا دموع متنتهيش وآلام متتنسيش لو فات مليون سنة". هذه الحالة المتخبطة تليق بامرأة أكثر منها برجل. فالرجل، حتى وإن جُرِح، يكون دقيقاً في وصف الألم أو في السير في الاتجاه المعاكس مولياً ظهره له.
حين غنّى المطرب المصري محمد منير "حكايتي مع الزمان" لم يحمل صوته العاطفة التي وصلتنا من وردة الجزائرية، ربما لأننا تعودنا صوت منير الضاحك الراقص الذي يخرجنا من أعتى حالات الحزن والبكاء، فكان الوصف المناسب لأغنيته "لا يليق الحزن بصوتك يا منير".
هذه الأغنيات هي مجرد أمثلة لأخرى كثيرة أحببناها بأصوات مطربين دون مطربين آخرين، وإن كان الأمر برمته يخضع للذائقة الفردية وقبول كل منا لحالة دون أخرى.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard