شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
الإعلام اللبناني سطّر نجاحاً بدموع زينب ووفاة أمّها

الإعلام اللبناني سطّر نجاحاً بدموع زينب ووفاة أمّها "ديبا دارماسيري"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الثلاثاء 3 يناير 201704:02 م
حجز مالك مكتبي، مقدّم برنامج "أحمر بالخطّ العريض"، المركز الأول لنفسه ليلة رأس السّنة، ونجح أيضاً في خطف الأنفاس ونظمها كما يريد، فزينب، نجمة حلقة الأربعاء التّحضيرية، والتي تبحث عن أمٍ تركتها منذ 25 عاماً، حلّت نجمةً ثانيةً ليلة السّبت الماضي، لتأخذ الأم السّيرلانكية مكانها، "ماراغودا هيواغي ديبا دارماسيري" تحوّلت لنجمة سهرة رأس السّنة، ظهرت لدقائق برأسٍ حليقٍ وكرسيٍ متحرّك، فهزّت ضمائر المشاهدين وأبكتهم، ورحلت. قدّم مالك مكتبي عملاً متكاملاً، استغرق إنجازه عاماً كاملاً، بحث في السّجلات، جال وزينب في الذّكريات، تتبّع المصادر كي يصل للأم، ومعه تتبّعت زينب حدسها وبعضاً من الأمل، بحثاً عن أجوبةٍ تشفي حيرةً سكنتها. وصل الإثنان، مالك وزينب لمقصدهما، طرقا باب المرأة المشلولة، زينب التقت أمّها وبكت، كان المشهد تراجيدياً مرسوماً بحرفيةٍ فائقة، الكاميرا ومُحرّكها تنقّلا بين الوجوه والعيون، لكن الأهم كان ما فعله برنامج "أحمر بالخطّ العريض"، والدّور النّبيل الذي قُدّم للمشاهدين، بإتقانٍ وصدق ملموسين. تفاعل المشاهد مع زينب، صُدم معها، حبس أنفاسه، تنقّلت عيناه مع الكاميرا، لاحظ جسد "ديبا" العليل، راقب كرسيها والذّباب الحائم حول وجهها، فقد الأمل أحياناً عند وصول مالك وزينب لحائطٍ مسدود، تحوّل السّؤال من سؤالٍ بحثيٍ عن الأم، إلى سؤالٍ عن إمكانية بقائها على قيد الحياة، قبل أن تُجيب الكاميرا وباقتضاب عن الأسئلة. فبعد 42 يوماً، ظهرت كومةُ من التّراب، غُرست فيها شمعتان، وكُتب عليها تاريخ ميلادٍ ووفاة، لأمٍ ماتت بعد أن رأت إبنةً حُرمت منها عقدين ونيّف، لم تقضِ "ديبا" مع زينب إلّا أياماً وساعاتٍ معدودة، قبل أن تُسلّم للقدر وللموت. حصل هذا كلّه على مرأى من المشاهدين، تحوّل الفرح العارم بعد العثور على ديبا إلى حلقة عزاءٍ على فقدها. لم يكن البرنامج أو مقدّمه هما الحدث، بل صانعيْه، صانعيْ مادّةٍ إعلاميةٍ إنسانيةٍ خالصة. ما أعطى "أحمر بالخطّ العريض" فرصاً للنجاح، إضافةً إلى نسبة مشاهدةٍ عاليةٍ هو تعطّش المشاهد اللبناني لمواد تخاطب عقله وقلبه، وتحرّك فيه إنسانيته لأسباب صادقةٍ لا سياسية، وبصبغةٍ بعيدةٍ عن الخطاب السّياسي الموجّه، والتّلاعب بالمُشاهد من خلال مشَاهد مشغولةٍ تقضي غرضها بعد استخدامها. سطّر مكتبي نجاحاً ملحوظاً بصدى المواد التي قدّمها لا بنسب المشاهدة فقط، فتمّام بليق حصد نسب مشاهدةٍ عند استضافته رجلاً متحوّلاً، أو في طور التّحول الجنسي، لكن ردود الأفعال الجماهيرية توحّدت على شتمه وانتقاده، عكس "أحمر بالخط العريض" وحلقة "أمّا"، حلقة البحث عن أمٍ غُيّبت قسراً عن إبنتها. Intext_Zainab-on-LBIC_LBCIIntext_Zainab-on-LBIC_LBCI

نجاحات إعلامية نادرة

سلّط برنامج "أحمر بالخطّ العريض" الضّوء على حدثٍ يتكرّر بشكلٍ دوري في لبنان. صاحبُ منزلٍ يُهدّد عاملةً أجنبيةً بالقتل، يضع سكيناً على رقبتها كما فعل مُغتصب "ديبا دارماسيري"، يغتصبها وتحمل جنيناً منه، تلد العاملة مولودها، يأخذه هو او يجبرها على الإجهاض المسبق، من ثم يتمّ ترحيلها خوفاً من الفضيحة، ولمنعها من الدّفاع عن حقوقها كإنسان. "ديبا" كانت متزوّجة في بلدها، مع ذلك، تعاون أحد رجال الدّين مع مغتصبها، وقام بتزويجها له بشكلٍ شرعي، قبل أن تُطلّق لاحقاً بعد إنجابها "زينب" إبنتها وتُرَحّل، بالتّعاون مع مكتب استقدام العاملات الأجنبيات المسؤول عن استقدامها. جرت الأحداث في العام 1991، وذّكرت حالةٌ شبيهة بحالة "ديبا" في الحلقة وأُهملت. لم تكن حادثة الاغتصاب هذه حالةً وحيدة، بل تكررت ولا تزال، بشهادات عاملاتٍ أجنبياتٍ يرفعن الشكاوى لمنظماتٍ عديدة، لكن الحلّ دائماً موجود، تُسكّت الضّحية وتُرحّل، وتّطوى الصّفحة، قد ترضى الضّحية بترحيلها، وقد ترمي بنفسها عن الشّرفة أو تقضي شنقاً وإنتحاراً. "أحمر بالخطّ العريض" صدم المجتمع بمشهدٍ يتكرّر دورياً دون أي ردّة فعل، دموع المشاهدين التي انهمرت عند مشاهدة الحلقة، تكفي لتحويل القضية لقضية رأي عام.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard