شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
حفلة جنون تضرب العالم: من برلين إلى أنقرة، موتٌ بصورٍ متعدّدة

حفلة جنون تضرب العالم: من برلين إلى أنقرة، موتٌ بصورٍ متعدّدة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الثلاثاء 20 ديسمبر 201605:05 م
5 رصاصات أطلقها ضابط الشرطة، "مولود مرت ألطنطاش"، أثناء إفتتاح معرضٍ فنّي لصور عن "روسيا بعيون تركية"، على السّفير الروسي أندري كارلوف، لتعكس الصّورة الحقيقية لروسيا بوتين بعيون الشّعب التّركي، المتأثّر بالضّخ الإعلامي الهائل الذي رافق فصول معركة حلب الأخيرة، قتل "مولود" إبن الـ22 عاماً السّفير الرّوسي، أوصل ما أراد من رسالة، قبل أن يُقتل. ستخرج سيناريوهاتٌ كثيرة، تتهم الجاني التّركي بالانتماء لعدّة منظمات، حرفاً للأنظار انتمائه الفعلي، فالضّابط اعتُقل إبّان الانقلاب، وحقّقت الشّرطة معه بشبهة الانتماء لتنظيم غولن، ليخرج بعدها دون أي إدانة، وهو من مدينةٍ لا أكراد فيها، فوسمه بالانتماء لحزب العمال الكردستاني، المصنّف تركياً بالإرهاب، والصّديق لروسيا غير منطقي. مولود ينتمي للشارع التّركي المعبّئ إعلامياً، من وسائل إعلامٍ تابعةٍ لأردوغان، إتخذته لنفسها موقعاً وطرفاً في الأزمة السّورية، فالتّحريض المتواصل على روسيا، أوصل المشاهد، وإن كان رجل أمنٍ ذو حرفيةٍ عالية، لتنفيذ عملية إغتيالٍ سيخلّدها التّاريخ، فنظرة كارلوف، السّفير الرّوسي الثّاني الذي يتعرّض للإغتيال بعد بيوتر فويكوف، المبعوث السّوفياتي الذي أغتيل في وارسو – بولندا عام 1927، حجزت لنفذها مكاناً ضمن اللقطات الأبرز في العام 2016، إن لم نقل العقد كلّه. القاتل يقف محدّقاً بفريسته، والفريسة تفكّر بمشروعه التّالي، ليكشّر الذئب عن أنيابه، ويرمي فريسته بالنّار قبل أن يرقص على الجثّة، غير آبهٍ بالنّتيجة أو نادمٍ على ما فعل، لأن الانتقام، حاله حال غسل الدّماغ، قد تمكّن منه. فرحة البعض باغتيال السّفير، وتطويب القاتل بطلاً، تشبه فرحة آخرين بعملية إرهابية نفّذّت في الليلة ذاتها في زيوريخ، حيث أطلق مسلّح النّار بالقرب من مركزٍ إسلامي، هدفه القضاء على الإرهابيين، وبرأيه، الإرهابيون هم المسلمون، وكل مركزٍ إسلامي هو هدفٌ مشروع، نجحت البروباغندا المشيطنة للمسلمين سابقاً في إيصال ترامب للرئاسة، وزيادة شعبية أحزابٍ كالبديل والبيغيدا الألمانيين، ورفعت أسهم مارين لوبين في فرنسا. لقّم القاتل سلاحاً، واتجه نحو المركز، نفّذت عمليته وهلّل له البعض، من بكوا سابقاً على هجوم الشّاحنة في نيس الفرنسية، الذي أودى بحياة العشرات، وشكّل إلهاماً لشابٍ باكستاني، يبلغ من العمر 23 عاماً، ليركب ليلة البارحة الإثنين أيضاً، شاحنةً ويقتحم بها مركزاً إحتفالياً لعيد الميلاد، في برلين المانيا، موقعاً قتلى وجرحى، فقط لأنه غاضبٌ من قوانين اللجوء، ولأنه يشعر بالاضطهاد والدّونية بفعل خطابين، الخطاب الأول، هو خطاب المتطرفين الإسلاميين الذين يصوّرون الغرب كبلادٍ تصلح لأن تكون طرق عبورٍ للوصول إلى الجنة، بينما يعيشون فيها ويحملون جنسياتها. اما الخطاب الثّاني، فهو خطاب التّهويل اليميني الأوروبي، والنّزعة القومية المتزامنة مع الإسلاموفوبيا المنتشرة، والتي تفرض عليه قيوداً تدفعه لا إرادياً نحو التّطرف، والتّطرف يعني استسهال التّفكير بركوب شاحنةٍ ودهس من يقف أمامه، وصولاً إلى التّنفيذ الفعلي. نعيش اليوم في عالمٍ متناقض، الإسلاميون المتطرفون مبتهجون بعمليتي أنقرة وبرلين، والإسلاموفوبيون مبتهجون بعملية زوريخ، بينما في الواقع، يلتقي الإثنان عند نقطةٍ واحدة، هي انّهما، أي المجموعتين، وجهان لعُملةٍ واحدةٍ هي التّطرف، عُملةٌ مردّها إلى الحروب ومشاهد الموت المتكرّرة والمتنقّلة من بلدٍ إلى آخر. فالتّطرف طفيلي يعتاش على الدّماء والجثّث، وكلما رفضناه وتوجّسنا منه، نجح في افتراس عقولٍ جديدة وتحويلها إلى مشاريع قتلة، من قاتلٍ يدهس ويذبح، لقاتلٍ يطلق النّار غدراً ويغتال. يعي هؤلاء القتلة جيّداً، ان موتهم يعني دافعاً لمن يشجّعهم ويبرّر جرائمهم، لصناعة مشاريع أخرى شبيهة، تفتك بالأمن والأمان العالميين، ظنّاً منهم، أي القتلة والذين يحركونهم، أن مشاريعهم قد تنتصر، فعلاً، نجح هؤلاء المجانين، في تحويل العالم إلى عالمٍ مجنون، وحلبةُ رقصٍ على موسيقى الموت، والجثث المتراكمة.
إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard