شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
بعدما جَمَعت اللبنانيين... فيروز ممنوعة في الجامعة اللبنانية

بعدما جَمَعت اللبنانيين... فيروز ممنوعة في الجامعة اللبنانية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الأحد 11 ديسمبر 201601:05 م
يفضّل بعض المراقبين تسمية حادثة "منع بثّ أغاني فيروز"، التي جرت في الجامعة اللبنانية – كلية الهندسة، منذ أيام، بحادثة قمع سلطة "الأمر الواقع" للحرّيات، ومحاولتها، أي هذه السّلطة الممثّلة بالتّعبئة التّربوية، وهي الجناح الشّبابي التّربوي التّايع لحزب الله، فرض أيديولوجيا معيّنة، وهويةً محدّدة تصبغ فيها الجامعة وطلّابها. منع بثّ الأغاني بحجّة الاتفاق الضّمني بين الطّلاب جميعاً على حصر الأنشطة بالقاعة المخصّصة لها لا بالباحة الخارجية للكلية، يخالف أبسط مقوّمات الدّستور اللبناني، القائم على احترام حرّية الرّأي والتّعبير والمعتقد، فالاتفاق المزعوم، لا قيمة قانونيةً له، كي يتذرّع به من قمعوا النّشاط. وبالمناسبة، النّشاط كان عبارةً عن إحتفاليةٍ بعيد ميلاد شابٍ قضى في حادث سير، يدعى محمّد حمادة، وبحضور والدته، وأراد رفاقه أن يتذكّروه بما أحب، بأغاني الثّورة وفيروز، لمدّة ربع ساعةٍ كانت كفيلةً بإغضاب الظّلاميين، الذين نصبّوا مع الأسف، أنفسهم ولاة أمرٍ ومشرفين على الكلّية، ضاربين بعرض الحائط القانون اللبناني والحرّيات العامة. اللوم يقع على إدارة الجامعة اللبنانية، التي أعطت موافقةً واستردتها لاحقاً خوفاً من "المشاكل"، فالإدارة ساهمت بعجزها عن حسم الأمور، بتكبير مجلس طلاب الفرع، وهو مجلسٌ يُمثّل الطّلاب، ويُنتخب من قبلهم، إلّا أن المجلس، حاله حال المجالس الأخرى في لبنان، مدّد لنفسه. بالأصل،  المجالس الطلابية غير معنية بتنفيذ المنع أو القمع، هي لها حق الرفض والقبول، وتنظيم نشاطاتٍ مشابهةٍ تعنيها، وهي تفعل ذلك، من خلال قسم ولاء الولاية لخامنئي الذي يجري في الجامعة وغيره، لم يعترض أحد على القسم، لكن اعترض "المقسمون" على فيروز. الإجراء الميداني، أي تنفيذ المنع وإيقاف النّشاط، يجب أن يترك لأمن الجامعة والإدارة، كونه يعتبر من مهماتها الرّئيسية، لا من مهمات مجموعةٍ طالبيةٍ صبيانية، سرعان ما أعلنت الجهات المسؤولة عنها أنّ تصرفها هو تصرّفٌ فردي، وتصرف هذه المجموعة الفردي ليس الأول، فأحد أعضائها أراد تعنيف من ترتدي اللباس القصير من قبل، كنوعٍ من "قبول الآخر" واحترام "الثّقافات".

أين حزب الله من تهوّر بعض المنتمين إليه؟

يشكّل حزب الله مادّةً دسمةً للهجوم الإعلامي، فالحزب الجدلي، صاحب الفكر الثّوري الإسلامي والمصنّف كحركةٍ إسلاميةٍ أصولية، نجح في إظهار نفسه كنموذجٍ يراعي الاختلاف، فأنشدت فرقه الموسيقية في الكنائس، وتزيّنت مناطقه بزينة عيد الميلاد وغيره، وترفّع عن الخطاب الطّائفي المباشر أو التّحريضي، بل نسج أهم تحالفاته في كنيسة مار مخايل، تعبيراً عن رمزية الحدث وأهمّية المكان المعقود فيه. لكن الحزب اليوم، على صعيدٍ آخر، يتجاهل أو يغضّ النّظر عن تجاوزات بعض أفراده من المتحمّسين، فالمُتحمّس لم يكن ليفكّر بالتّجاوز لولا تغاضي المسؤول عن محاسبته. اقبّل الآخر واحترام الثّقافات، أي الصّورة التي يسعى حزب الله لتعميمها عنه، لا يمكن أن تستمرّ وهناك شريحةٌ شبابية جامعيةٌ وازنة لا تؤمن بها، وتؤمن بنهائية الفكر الإسلامي الذي يمثّله الحزب، ولو أن الحزب يفصل ما بين نهائيته وطبيعة الصّيغة والنّظام اللبناني. فمنع بثّ أغاني فيروز بحجّة وفاة الرّسول أمرٌ غير منطقي، وتهديد صاحبات اللباس القصير ينمّ عن فكرٍ ظلامي جاهلي، ومحاولة الضّغط على محال المشروبات الرّوحية في الجنوب اللبناني وإقفالها تجاوزٌ للقانون اللبناني، ولو أن المسعى فشل، ولم يظهر الحزب بالصّورة كمحرّكٍ رئيسي. التّصرفات الفردية هذه، تُضاف إليها قراراتٌ بلديةٌ سابقةٌ اتخذتها بلدياتٌ محسوبةٌ على حزب الله، في جبشيت وعيترون، تقضي بتحديد ساعات العمل والإقفال عند حلول موعد الصّلاة، كما منع الاختلاط والفصل بين الجنسين، لا يأتيان من خلفيةٍ بريئة. حزب الله لم يتبنَّ أيّاً من هذه التّجاوزات، لكن من المسؤول عن زرع الأفكار في وجدان المنتمين؟ من المسؤول عن التّثقيف؟ وكيف لمنتمٍ للحزب أن يتجرّأ على مخالفة الدستور والقانون، ونصّ قوانينه المجتمعية الخاصة تحت ذرائع مختلفةٍ لولا إيمانه بقوته التي تحميه من المحاسبة؟ أسئلةٌ كثيرةٌ تُطرح، فالصّورة الكاملة تحوي، إلى جانب الفرقة الإنشادية التي ترنّم للميلاد، فرقةً أخرى من 30 شاباً وقفوا ليمنعوا بثّ الأغاني في الجامعة اللبنانية، التي، ولسوء حظّ من فيها من غير الحزبين، تقع في منطقة نفوذٍ حزبي واضح، حالها حال الفروع الأخرى، التي تقع تحت نفوذ أحزابٍ وأيديولوجياتٍ أخرى، لتكون الجامعة اللبنانية مُجبرةً على التأقلم مع كونها جامعةً تحوي ممثّلين عن المجتمعات اللبنانية ال 18، بينما تُمنع الأغاني، يُمنع في المقابل اللطميات ويُضيّق على الحجاب، وينتشر خطابٌ مناطقي طائفي مقيت. الخلاف ليس سياسياً، بل أعمق من ذلك، ويضرب في العمق الطّلابي الشّبابي، هو خلاف ثقافاتٍ لا اختلاف عادات. من السّهل على الجميع خوض حملاتٍ إعلاميةٍ خاصّةً في ظلّ توفّر موادها، تارةً على اللطميات في مطار بيروت الدّولي، وطوراً على منع بثّ الأغاني في الجامعة اللبنانية ولو لربع ساعة، لكن المفارقة أن من هاجم بثّ اللطميات في المطار لأسباب مجتمعية، دافع عن منع بثّ الأغاني والعكس صحيح، علماً بأن الرّأي والرأي الآخر، كلاهما بلا قيمة قانونيةٍ فعلية، والنّشاطان مغطّيان ببنود الدّستور اللبناني والقانون العام المُتبع. يُمكن للظلاميين بقرارٍ منهم أن يمنعوا بثّ أغاني فيروز، لكنها ستبقى سفيرة لبنان للنجوم، والنّجوم هي قبساتٌ تُضيء تاريخنا، بينما هم يمثّلون الصّورة القاتمة التي تسيء للحزب الذي يمثّلونه، وتضرّ بحزبهم، قبل أن تُضرّ بأي مكوّنٍ لبناني آخر.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard