شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
لبنان ليس

لبنان ليس "كولوسيوم" الزّعماء!

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الخميس 1 يونيو 201711:03 م
أشك أن محمود درويش شريكٌ للأب الروحي للتيار الوطني الحر، ميشال عون. كتب درويش: "قف على ناصية الحلم وقاتل… فلك الأجراس ما زالت تدقّ… ولك السّاعة ما زالت تدقّ”. ربط القصيدة بالحالة العونية ترسم سيناريو خليطاً ما بين الدراما والكوميديا والتراجيديا في آن واحد. عون ما زال يقاتل منذ 26 عاماً، لم يتراجع لثانية، متمسّكاً بحلمه وطموحه في رئاسة الجمهورية، وخلفه جمهوره، وصهره العتيد.

عون النهج لا يشبه عون الشعارات

عون النهج، أي التيار وممثّليه من رجال أعمالٍ أصبحوا وزراء، لا يشبه عون الشعارات، فعون النهج شبيهٌ بقضايا الفساد بغيره من الفاسدين. الفساد ضيفٌ دائم على الأحزاب اللبنانية بمعظمها، وما يميّز تيار عون هو ادعاؤه نظافة الكف لا أكثر. لبنان اليوم عبارة عن صرحٍ شبيهٍ بـ"الكولوسيوم" الروماني، مع فارقٍ بسيط، في الكولوسيوم قُتل ما يقرب نصف مليون إنسان، بينما في حلبة الموت اللبنانية، أجيالٌ قُتلت في الحرب الأهلية، وأجيالٌ لاحقة تتنفس، لكن بلا حياة فعلية، تتنشّق روائح النفايات وتدفع بدل الفاتورة فاتورتين، تكافح لسداد قروضها، مع طبقة حكمٍ مفترسة تنهش في أوصال هذه الأجيال، فيقتل الصديق صديقه، ويقتتل الشعب فيما بينه، منفذاً حكم الإعدام الروماني بيده، بينما تبقى يد الزعيم مشغولة بسرقة أموال الخزينة، وتقسيم الحصص والمنافع. شكّل عون حالة استثنائية في الصف المسيحي واللبناني، خاض حرباً بوجه الإحتلال السوري أواخر الثمانينات، كلّفته نفيه خارج لبنان إلى فرنسا، وعاد في الـ2005 زعيماً يركب موجة تسونامي عريضة، بشعارٍ واضح، قوامه بناء الدولة والإصلاح والتغيير. عون التزم شعاره في المرحلة الأولى، لكن سُرعان ما عاد الحلم بالكرسي ليحتل أولوياته، رهن جمهوره ورصيده الشعبي خلف حلمه الشخصي، إما الرئاسة والمصالح الشخصية، وإما لا شيء. إذا ما أردنا البحث عن إسمٍ لوزيرٍ نظيف الكف، تحدّى الكانتونات والكارتيلات الفاسدة في عصر دولة ما بعد الطائف، سيبرز إسم شربل نحاس جلياً لا لُبس فيه. نحاس اقتصادي خبير، تولّى وزارة الاتصالات في العام 2009، ومن بعدها وزارة العمل عام 2011، مدعوماً من ميشال عون، كوزير إصلاحي فعلي، مشاكس في الحكومة، يواجه مشاريع الفساد المطروحة. تبنّي عون لنحّاس عكس جدّيته، فالعماد لا يجادل في التغيير والإصلاح، ولو اصطف في مواجهته كل أزلام الطّائف. في يناير 2012 تُرك نحاس وحيداً يصوّت لمصلحة مشروعه المتعلق بتصحيح الأجور، في حين أن الجميع، بمن فيهم وزراء التيار الوطني الحر، صوّتوا لمصلحة المشروع الآخر الذي يقونن ما سمّي بـ«الاتفاق الرضائي»، فحرموا الأجراء من مكاسب كثيرة على صعيد قيمة الأجر وحصانته القانونية. لم يرضَ نحاس بذلك، لجأ لعون، لكن عون فضّل الشراكة في الحكومة، على حساب نحاس والأجراء على حدٍّ سواء، فاستقال شربل نحاس، ومع استقالته، دقّ عون المسمار الأول في نعش شعاره الإصلاحي.
عون ما زال يقاتل منذ 26 عاماً، لم يتراجع لثانية، متمسّكاً بحلمه وطموحه في رئاسة الجمهورية
من المفترض أن يتنعّم لبنان منذ صيف الـ2015 بتغذية كهربائية شاملة، بعد العمل الحثيث الذي قام به وزير الطاقة الأسبق جبران باسيل، فلبنان منذ ما بعد الحرب الأهلية يعاني من تقنينٍ قاسٍ، وبلغت تكلفة تأهيل محطّات الكهرباء فيه ما يوازي تكلفة تغذية العراق وأفغانستان بالكهرباء لمدّة 24 ساعة دون انقطاع. لكن وعود باسيل تشبه عواميد دخان سفن الكهرباء التي استقدمها، تلوّثٌ بلا نفع، ويتبدّد دخانها في دقائق. يسهل على المتجول على الساحل اللبناني، أن يُبصر أعمدة الدخان المتصاعد من سفينتين تركيتين، استقدمهما الوزير باسيل لزيادة التغذية، فعملت السفينتان لأربعة أيامٍ قبل أن تتعطّلا. ومع ذلك، لا تزالان جاثمتين على واجهتنا البحرية، كأنما يريد الوزير من إبقائهما تذكيرنا دائماً أننا نُسرق، ونُستغل، ومع ذلك، لا نتحرّك رفضاً للفساد. باسيل الذي أصبح يملك 38 عقاراً بعد توزيره وتنقّله بين وزارات الاتصالات والطّاقة والخارجية، نصّب نفسه رئيساً للتيار الوطني الحر وأقصى معارضيه. مع باسيل، ثلّة من رجال الأعمال الوزراء، من فادي عبّود رئيس جمعية الصناعيين السابق، وصولاً لإلياس بو صعب، وزير التربية الشعبوي، الذي حاول إلغاء دروسٍ أساسيةٍ من المنهج اللبناني. لم يكتفِ عون بالتّخلي عن شربل نحاس، فبعد قيام النائب العوني إبراهيم كنعان بإصدار كتاب "الإبراء المستحيل"، الذي يشرح فيه بالوثائق الاختلاسات والتقصير الحكومي، وغياب الميزانية ودور تيار المستقبل تحديداً في منظومة الفساد، قام عون، وبدل انتهاجه شعاره، أي الإصلاح، باستعمال الكتاب أداة إبتزازٍ سياسي، وباب للتواصل مع الحريري، الذي يرشّحه اليوم للرئاسة، تمهيداً لتقسيم الحصص الحكومية بينهما. يفشل العونيون في الدّفاع عن زعيمهم، الوسيلة الوحيدة في الرّد هي الهجوم على باقي الزّعماء. يغفل العونيون أنهم حملة شعار التغيير والإصلاح، لا السمسرة والمحاصصة، إما يرفضون التصالح مع حقيقة كون تيارهم شريكاً في فساد ما بعد العام 2008، أو أنهم يظنون أن الشعب غبي، سريع النسيان بذاكرة سمكةٍ حمراء. من الطبيعي أن لا أثق كمواطن بترشيح عون، الذي انقلب على كل التزاماته، رعى القرار 1559 وسعى لإمراره، ثم تحالف مع حزب الله واستغل التحالف لتحقيق مكاسب سياسية. عصبي لا يتحمل أسئلة الصحافيين حتى. عطل البلد كرمى لعيون توزير صهره الراسب في الانتخابات اللبنانية. أوعز لنوابه ووزارئه لمهاجمة البرلمان ووصفه بغير الشرعي، دون أن يستقيلوا منه. عطل الحكومة وحاول فريقه إمرار صفقة محارق للنفايات وفشلت. والأهم، أن عون، بوصوله للرئاسة بتفاهمٍ سياسي ثنائي مع الحريري وحده، يعني إرجاع البلد لمنتصف القرن الماضي. إن انتُخب عون كرئيس جمهورية، فسيختار الحريري رئيساً للحكومة، لكن الأطراف الباقية ستعارض تعيينه، أي أن التّشكيل الحكومي سيتعثّر ويدخل البلد في دوامة التّعطيل، مع حكومة تصريف أعمال ورئيس حكومةٍ جديد لن يُشكّل، بينما ستقضي الأطراف الباقية وقتها معارضةً، في تكرارٍ لتجربة الرّئيس رفيق الحريري في العام 2000. لكن إذا استمر التّصعيد، فقد يتطوّر الوضع لندخل في مرحلةٍ سياسيةٍ جديدة، يصبح فيها الطّائف من الماضي، والمثالثة بين المسيحيين والسنة والشيعة، بمؤتمرٍ تأسيسي جديد.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard